Our Blog

الدرس السابع من غزوات النبي

سلسله غزوات النبي صلي الله عليه وسلم
الدرس السابع من سلسله غزوات النبي
=====================
غزوة أحد
لما دارت على الظالمين الدوائر في غزوة بدر وراح أشراف قريش بين قتيل وجريح وأسير أخيذ فظل أبو سفيان بن حرب يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ويجمع الجموع ويحشد الحشود قيل: إنه جمع زهاء ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيس وجاؤوا بنسائهم لئلا يفروا، وليحاموا عنهن ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبا من جبل أحد بمكان يقال له (عينين) وكان ذلك يوم السبت لسبع ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره أي من السنة الثالثة.
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت وقد وافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي وكان هو الرأي السديد فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر وأشاروا عليه بالخروج وألحوا عليه في ذلك وأشار عبد الله بن أبي بالمقام في المدينة وتابعه على ذلك بعض الصحابة فألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم وقد انثنى عزم أولئك، وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فقالوا: يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه» .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقى في المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وهو بالمدينة رأى أن في سيفه ثلمة ورأى بقرا تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأوّل الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون وتأول الدرع بالمدينة  .
فخرج عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة حتى إذا صار بالشوط بين المدينة وأحد تقاعس وتدابر وانخذل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر، وقال: تخالفني وتسمع غيري فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله يوبخهم ويحضهم على الرجوع ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا، قالوا: لو تعلم أنكم تقاتلون، لم نرجع، فرجع عنهم، وسبهم، وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من اليهود، فأبى، وسلك حرة بني حارثة وقال: «من رجل يخرج بنا على القوم من كثب» ؟ فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين وكان أعمى  فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول: لا أحل لك أن تدخل في  حائطي إن كنت رسول الله فابتدره القوم ليقتلوه فقال: «لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر» .
ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، فلما أصبح يوم السبت، تعبّأ للقتال وهو في سبعمائة فيهم خمسون فارسا، واستعمل على الرماة وكانوا خمسين عبد الله بن جبير وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم وألا يفارقوه ولو رأى الطير تتخطف العسكر وكانوا خلف الجيش، وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم.
وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه  من حديث البراء قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وقال: «لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا»   فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا» .
وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يومئذ وأعطى اللواء مصعب بن عمير ثم جعل على إحدى المجنتين  الزبير ابن العوام   وعلى الآخرى المنذر بن عمرو  واستعرض الشباب يومئذ فردّ من استصغره عن القتال وكان منهم عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأشيد بن ظهير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وعرابة بن أوس وعمرو بن حزم وأجاز من رآه مطيقا وكان منهم سمرة بن جندب ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة
ثم تعبّأت قريش في ثلاثة آلاف وفيهم مائتا فارس فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي دجانة سماك بن خرشة وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو بن صيفي، وكان يسمى «الراهب» فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم «الفاسق» وكان رأس الأوس في الجاهلية فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة؛ فخرج من المدينة وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه، ومالوا معه، فكان أول من لقي المسلمين فنادى قومه وتعرف إليهم، فقالوا له: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا وكان شعار المسلمين يومئذ أمت»  .
وأبلى يومئذ أبو دجانة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب وأنس بن النضر وسعد بن الربيع.
وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار فانهزم عدو الله وولّوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم فلما رأى الرماة هزيمتهم تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه وقالوا: يا قوم الغنيمة فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا وظنوا أن ليس للمشركين رجعة  فذهبوا في طلب الغنيمة وأخلوا الثغرة، وكرّ فرسان المشركين فوجدوا الثغر خاليا  قد خلا من الرماة فجازوا منه فتمكنوا حتى أقيل آخرهم فأحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة وهم سبعون وتولى الصحابة وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه وكسروا رباعيتة اليمنى وكانت السفلى، وهشموا البيض على رأسه   ورموه بالحجارة
حتى وقع على شقه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين فأخذ عليّ بيده واحتضنه طلحة بن عبيد الله وكان الذي تولى أذاه صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقّاص. وقيل إن عبد الله بن شهاب الزهيري عم محمد بن مسلم ابن شهاب الزهيري هو الذي شجه.
وقتل مصعب بن عمير بين يديه فدفع اللواء لعلي بن أبي طالب ونشبت خلقتان من خلق المغفر في وجهه فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعضّ عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجهه وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته وأدرك المشركون يريدون ما الله حائل بينهم وبينه فحال دونه نفر من المسلمين نحو عشرة حتى قتلوا، ثم جادلهم طلحة حتى أجهضهم عنه وترّس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه بيده وكانت أصح عينيه وأحسنها، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمدا قتل ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وفرّ أكثرهم وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ومرّ أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟، فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أحد فقاتل حتى قتل ووجد به سبعون ضربة  وقد جرح عبد الرحمن بن عوف  نحوا من عشرين جراحة.
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين وكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن اسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه وفيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصّمّة الأنصاري، وغيرهم، فلما استندوا إلى الجبل، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف على جواد له يقال له: العوذ زعم عدو الله أنه يقتل عليه صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فطعنه بها فجاءت في ترقوته، فكرّ عدو الله منهزما فقال له المشركون: والله ما بك من بأس فقال: والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز، لماتوا أجمعون، وكان يعلق فرسه بمكة ويقول: أقتل عليه محمدا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: - «بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى» فلما طعنه تذكر عدو الله قوله: أنا قاتله.
فأيقن بأنه مقتول من ذلك الجرح، فمات منه في طريقه إلى مكة  .
وجاء علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء ليشرب منه فوجده آجنا، فرده وغسل عن وجهه الدم، وصب على راسه، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هنالك، فلم يستطع لما به فجلس طلحة تحته حتى صعدها وحانت الصلاة فصلى بهم جالسا، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم تحت لواء الأنصار.
وشد حنظلة الغسيل، وهو حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان، فلما تمكن منه، حمل على حنظلة شداد بن الأسود فقتله وكان جنبا، فإنه سمع الصيحة وهو على امرأته، فقام من فوره إلى الجهاد، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن الملائكة تغسله، ثم قال: سلوا أهله ما شأنه؟ فسألوا امرأته، فأخبرتهم الخبر، وجعل الفقهاء هذا حجة أن الشهيد إذا قتل جنبا فإنه يغسل اقتداء بالملائكة  .
وقتل المسلمون حامل لواء المشركين، فرفعته لهم عمرة بنت علقمة الحارثية؛ حتى اجتمعوا إليه، وقاتلت أم عمارة وهي نسيبة بنت كعب المازنية قتالا شديدا، وضربت عمرو بن قمئة بالسيف ضربات فوقته درعان كانتا عليه، وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا شديدا على عاتقها.
وكان عمرو بن ثابت المعروف بالأصيرم من بني عبد الأشهل يأبي الإسلام، فلما كان يوم أحد قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت منه له، فأسلم وأخذ سيفه، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقاتل فأثبت بالجراح ولم يعلم أحد بأمره، فلما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل في القتلى، يلتمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وبه رمق يسير، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم ما جاء به، لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر، ثم سألوه ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ماترون، ومات من وقته فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هو من أهل الجنة» قال أبو هريرة: ولم يصل لله صلاة قط  .
ولما خبا سعير الحرب، وأطفأ الله جمرتها، وأباد خضراءها وقلم أظفارها، أشرف أبو سفيان على الجبل مناديا: - أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة، لعلمه وعلم قومه أن قوام الإسلام بهم، فقال: أما هؤلاء، فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك ما يسوءك، فقال: قد كان في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني، ثم قال: اعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبونه؟» فقالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» ثم قال: لنا العزّى ولا عزّى لكم. قال: «ألا تجيبونه؟» قالوا:
ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم  أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوابه عند افتخاره بالهته، وبشركه الفاحش، تعظيما للتوحيد، وإقرارا به في مواجهة الوثنية المقبوحة، وإعلاما بعزة الله معبود المسلمين الموحدين، وقوة جانبه، ولم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابته عند ما قال: أفيكم محمد؟
أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ بل لقد روي أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك، فقال لا تجيبوه، لأن كلمهم لم يكن بر وبعد في طلب القوم، ونار غيظهم بعد متوقدة، فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب، واشتد غضبه، وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال، والشجاعة، وعدم الجبن، والتعرف إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأته وقومه جديرون بعدم الخوف منهم، وقد أبقى الله لهم ما يسوؤهم منهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة وهلة بعد ظنه وظن قومه أنهم أصيبوا من المصلحة وغيظ العدو، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدا واحدا، فكان سؤاله عنهم، ونعيهم لقومه آخر سهام العدو وكيده، فصبر له النبى صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده، ثم انتدب له عمر، فرد سهام كيده عليه، وكان ترك الجواب أولا عليه أحسن، وذكره ثانيا أحسن، وأيضا فإن في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانة له، وتصغيرا لشأنه، فلما منّته نفسه موتهم، وظن أنهم قد قتلوا، وحصل له بذلك من الكبر والأشر ما حصل كان في جوابه إهانة له، وتحقير، وإذلال، ولم يكن هذا مخالفا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه»  فإنه إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟، أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء، فقد قتلوا، وبكل حال، فلا أحسن من ترك إجابته أولا، ولا أحسن من إجابته ثانيا.
ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، فأجابه عمر، فقال: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار
قال ابن عباس- رضي الله عنهما- ما نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موطن نصره يوم أحد، فأنكر ذلك عليه، فقال: بيني وبين من ينكر كتاب الله، إن الله يقول:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ  .
ولقد أنزل الله تعالى عليهم النعاس أمنة منه في غزوة بدر وأحد، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليل على الأمن، وهو من الله، وفي الصلاة ومجالس الذكر والعلم من الشيطان.
ثم إنه ثبت تدخل الملائكة وقتالهم مع المسلمين في غزوة أحد فورد في الحديث الصحيح المتفق عليه عند البخاري ومسلم  عن سعد بن أبي وقاص قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهم ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد» .
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال: «من يردهم عنا، وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه، فقال: من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنصفنا أصحابنا»
لقد صعد المشركون الجبل، واستولوا على ناحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد:
«اجنبهم» يقول: ارددهم، فقال: كيف أجنبهم وحدي؟ فقال ذلك ثلاثا، فأخذ سعد سهما من كنانته، فرمى به رجلا فقتله، قال: ثم أخذت سهمي أعرفه، فرميت به آخر فقتلته، فهبطوا من مكانهم، فقلت: هذا سهم مبارك، فجعلته في كنانتي، فكان عند سعد حتى مات، ثم كان عند بنيه.
وثبت عن أبي حازم، أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان يسكب الماء، وبما دووي، كانت فاطمة ابنته تغسله، وعلى بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، فألصقتها فاستمسك الدم»  .
في هذه الموقعة كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وشجّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول: كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم، فأنزل الله عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ  .
انهزم الناس، واندحروا، لكن أنس بن النضر لم ينهزم، فقال: - «اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني المسلمين وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعني المشركين ثم تقدم، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون، ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم.
لقد انهزم المشركون أول النهار، فصرخ فيهم إبليس! أى عباد الله، أخزاكم الله، فارجعوا من الهزيمة فاجتلدوا.
كان حذيفة  رضي الله عنه وأبوه في هذه الموقعة، فلما رأى المسلمين يريدون قتله، وهم يظنون أنه من المشركين، فقال حذيفة: أي عباد الله! أبي، فلم يفهموا قوله، حتى قتلوه، فقال: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فقال: قد تصدقت بديته على المسلمين، فزاد ذلك حذيفة خيرا عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال زيد بن ثابت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي:: «إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو باخر رمق، وفيه سبعون ضربة، ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم. فقلت: يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قل له: يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار:
لاعذر لكم عند الله، إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيكم عين تطرق، وفاضت نفسه من وقته  .
مرّ رجل من المهاجرين برجل من الأنصار يتشحط في دمه، وهو ينوء ويكبو وجراحه تثعب دما، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل قوله تعالى:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل
وقال عبد الله بن جحش في ذلك اليوم مقولة رائعة دقيقة وهي قوله: «اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غدا فيقتلوني، ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي، وأذني، ثم تسألني: فيم ذلك فأقول فيك»  .
وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج، وكان له من البنين الشباب أربعة يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا، فلما توجه إلى أحد، أراد أن يتوجه معه، فقال له بنوه:
إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن بني هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك، وو الله إني لأرجو أن أستشهد، فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد» وقال لبنيه: «وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل يرزقه الشهادة»  .
لقد ورد في غزوة أحد ستون آية من سورة آل عمران تبدأ بالآية الواحدة والعشرين ومائة وهي قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ ... حتى آخر القصة.
=============================
أحكام فقهية، ونظرات وخواطر نفسية حول غزوة أحد
من هذه الأحكام الفقهية، والنظرات والخواطر النفسية التي يعتبرها، ويعتبر بها المعتبرون، ويأخذ بها أولو الحجا والفهم وأهل الممارسة والدربة: -
أنه يجوز الإنغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
يجوز أن يصلي الإمام قاعدا إذا جرح في المعركة وعلى المسلمين أن يصلوا خلفه قعودا، وذكر ابن قيم الجوزية  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك في أحد واستمر على ذلك حتى وفاته  .
إذا قتل المسلم نفسه فهو في النار، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في (قزمان) الذي أبلى بلاء حسنا مشهودا يوم أحد، فلما اشتدت به الجراح نحر نفسه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «هو من أهل النار»  .
السنة في الشهيد ألايغسّل، ولا يصلى عليه  ، ولا يكفن في غير ثيابه، لكن يدفن إلا أن يسلب هذه الثياب فيجوز أن يكفن في غيرها.
إذا كان الشهيد جنبا فإن الملائكة، تتعهد وتتكفل بغسله مثلما غسلت الملائكة حنطلة بن أبي عامر.
يدفن الشهداء في مصارعهم، فلا ينقلون إلى مكان آخر، فإن قوما نقلوا قتلاهم إلى المدينة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم  .
يستفاد أيضا غزوة أحد أن من الجائز أن يدفن الرجلان أو الثلاثة في القبر
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أيهم أكثر أخذا للقرآن، فإن أشاروا إلى رجل قدّمه في اللحد»  .
وقد دفن عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح في قبر واحد.
أسوأ العواقب يكون من العصيان، وعدم الإنقياد للأوامر، لأن ما نزل بالمسلمين في أحد من البلاء إنما كان من جراء عدم انقيادهم، وعصيانهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن الإدالة في الحرب مرة لنا ومرة علينا مقصودها الأسمى وغايتها الأسنى إنما هي الإبتلاء وتمحيص النفوس، وسبر غور إيمانها ويقينها وثباتها على الحق، واستسلامها لأمر الله، وبهذا يتميز الصادقون من غير الصادقين، لكن العاقبة للرسل.
وكما قال تعالى: «والعاقبة للمتقين» .
إن المنازل والمراقي والدرجات العالية التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأهل كرامته لا بد أن تكون غالية الثمن، وإن مهدها هو صدق اليقين بالله تعالى، وموافقة الأمر والنهي، والجهاد الخالص الصادق غير المشوب.
كما أسلفنا وقعت غزوة أحد في يوم السبت لسبعة أيام خلون من شوال سنة ثلاث كما تقدم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها بقية شوال، وذلقعدة وذلحجة، والمحرم.
ثم إنه لما استهل هلال المحرم كان نما إلى علمه عليه الصلاة والسلام أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما يستنفران الناس، ويؤلبانهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث أبا سلمة، وعقد له لواء، وبعث معه مائة وخمسين رجلا من الأنصار والمهاجرين، فأصابوا إبلا وشاء، ولم يلقوا كيدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.