السؤال :
أود أن أسأل : في الحديث الصحيح : " أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ به رجل فقال : يا رسول الله إني لأحب هذا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( أعلمتَه ؟ ) قال : لا ، قال : ( أعلمه ) قال : فلحقه فقال : إني أحبك في الله ، فقال : أحبك الذي أحببتني له . سؤالي : هل بالإمكان أن أقول لامرأة مسلمة : أحبكِ في الله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
أصل المحبة بين الرجل والمرأة : إنما تكون بين الزوجين والمحارم ، وأما من لا تحل للرجل : فقاعدة الشرع قطع باب التواصل والتعارف بينهما ما أمكن ، وسد أبواب الفتن ومنافذها .
قال المنَّاوي – رحمه الله - :
" ( إذا أحب أحدكم عبداً ) أي : إنساناً ... فالمراد : شخص من المسلمين قريب أو غيره ، ذكراً أو أنثى ، لكن يظهر تقييده فيها بما إذا كانت حليلته أو محرَمه " .
انتهى من " فيض القدير " ( 1 / 319 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - :
ظاهر الحديث لا يتناول النساء ، فإن اللفظ ( أحد ) بمعنى واحد ، وإذا أريد المؤنث إنما يقال " إحدى " لكنه يشمل الإناث على التغليب ، وهو مجاز معروف مألوف ، وإنما خص الرجال لوقوع الخطاب لهم غالباً ، وحينئذ إذا أحبت المرأة أخرى لله : ندب إعلامها " .
انتهى من " فيض القدير " ( 1 / 318 ) .
لكن إذا قدر أن رجلا متصديا للخير ، معروفا به ، أو بالدلالة عليه : فمن المفهوم أن تتعلق قلوب المحبين للخير به ، وأن تقع محبته في القلوب ، وهذا أمر لا حرج فيه ، إن شاء الله ، ما دام الأمر قاصرا على ذلك : نعني محبة الخير وأهله ، ومحبة هذا العبد لله .
وثواب المتحابين في الله يشمل الرجال والنساء جميعا ، والمؤمن يحب جميع المؤمنين والمؤمنات في الله ، وكذلك المؤمنة تحب جميع المؤمنين والمؤمنات في الله ، وتزداد تلك المحبة كلما ازداد الشخص إيمانا وطاعة لله تعالى ، ولا يشترط لحصول الثواب أن يخبره أنه يحبه في الله .
ثانيا :
إذا كانت الفتنة مأمونة من الإخبار بهذه المحبة بين الرجل والمرأة : كأن يكون الشيخ كبيرا في السن ، والفتنة به مأمونة من جانب المرأة ، والتواصل بينهما متعذرا ، وإنما هي كلمة قيلت ، وانتهى الأمر عند ذلك : فلا يظهر حرج في ذلك الإخبار إن شاء الله .
فقد بعثت سائلة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة من خلال برنامج " نور على الدرب " قالت فيها :
يعلم الله كم أحبكَ في الله ، وأطلب منك - يا شيخنا - أن توجه إليَّ نصيحة لوجه الله كما تنصح إحدى بناتك في ديني وخلُقي ، أرجو ذلك .
فأجابها الشيخ :
" أحبكِ الله الذي أحببتِنا له ، والله جل وعلا أخبر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن المتحابين في جلاله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ذكر منهم اثنين ( تحابَّا في الله اجتمعا في ذلك وتفرقا عليه ) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( يقول الله يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) ، فالتحاب في الله من أفضل خصال الإيمان ومن أفضل القربات ... ".
انتهى من " نور على الدرب " ( شريط 513 ) ، ونحو ذلك في : " نور على الدرب " ( شريط 593 ) .
ثالثا :
الواجب أن يحذر العبد من التساهل في قول مثل هذا الكلام وسماعه ، أو أن يغره الشيطان بأن هذه محبة في الله ، أو أن هذه امرأة بعيدة عنك ، أو أكبر منك في السن ؛ فكم ممن دخل الشيطان عليه بتلك الحيل : حتى أفسد عليه دينه ودنياه :
فلكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوقُ
وكم ممن تعلق بامرأة لم يرها ، حتى عمي قلبه عن حقيقة الحال ، ولربما لو رآها قبل أن يتعلق بها : لفر منها فرارا !!
والأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيَانا
وقد تنبَّه العلماء رحمهم الله لهذا الأمر فمنعوا من تشميت المرأة الشابة ، ومن السلام عليها ، ومن تعزيتها : من رجل أجنبي عنها ، حيث يخشى الفتنة بينهما ، فهذه الكلمة الرقيقة ( أحبك في الله ) أولى بالمنع في حال توقع الفتنة بها .
ففي " الموسوعة الفقهيه قالوا :
" ورد السلام منها – أي : المرأة - على مَن سلَّم عليها لفظاً واجب ، وأما إن كانت تلك المرأة شابَّة يُخشى الافتتان بها ، أو يخشى افتتانها هي أيضاً بمن سلَّم عليها : فالسلام عليها وجواب السلام منها : حكمه الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وذكر الحنفية أن الرجل يرد على سلام المرأة في نفسه إن سلمت هي عليه ، وترد هي أيضا في نفسها إن سلم هو عليها ، وصرح الشافعية بحرمة ردها عليه " انتهى.
وعلى هذا ، فهذه الكلمة : ( أحبك في الله ) يقولها الرجل للرجل ، ولزوجته ولمحارمه من النساء ، وتقولها المرأة للمرأة ، ولزوجها ، ولمحارمها من الرجال .
أما أن تقال بين رجل وامرأة أجنبية عنه فأقل أحوالها الكراهة ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فقد يجد الشيطان فرصته ليثير في نفسه شرا ، إلا إذا قيلت في حال نأمن فيها الفتنة والمفسدة فلا حرج في ذلك .
وينبغي أن يتنبه إلى أن ما وقع من الشيخ ابن باز رحمه الله هي رسالة مكتوبة من امرأة لا يدري الشيخ من هي ، ولا يمكنه معاودة الاتصال بها مرة أخرى ، مع إمامة الشيخ وجلالة قدره رحمه الله ، فكل المسلمين ينظرون إليه نظرة إجلال وإعظام ، فهناك فرق بين هذه الصورة الجائزة ، وصورة أخرى : امرأة تتصل بالشيخ الذي قد يكون شابا أو قريبا من الشباب مباشرة بالهاتف ، سواء هاتفه الخاص أو عن طريق إحدى القنوات ، وتخاطبه مشافهة : أحبك في الله ! أو ترسل له رسالة على بريده الإلكتروني . فهذا هو الذي ينبغي أن يمنع ، وأن ينبه على منعه .
فإن تردد المرء ، أو لم يدر هل تحصل الفتنة أو لا تحصل : فالمتوجه أيضا المنع من ذلك ، سدا للذريعة ، ولأن درء المفاسد ، مقدم على جلب المصالح .
هذا مع ضعف جانب المصلحة التي ترجى من قول مثل ذلك .
والله أعلم .
اسلام ويب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق