الأسباب الجالبة للمحبة إجمالاً :
قل ابن القيم رحمه الله : الأسباب الجالبة للمحبة و الموجبة لها هي عشرة :
أحدها : قراءة القرآن بتدبر و التفهم لمعانيه و ما أريد به .
الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصلة إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
************************
الثالث : دوام ذكره على كل حال : باللسان و القلب و العمل و الحال ، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
***********************************
الرابع : إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى ، و التسنم إلى محابه و إن صعب المرتقى .
**********************************************
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه و صفاته و مشاهدتها و معرفتها ، و تقلبه في
رياض هذه المعرفة و مباديها ، فمن عرف الله
بأسمائه و صفاته و أفعاله :
أحبه لا محالة .
********************************
السادس : مشاهدة بره و إحسانه و آلاءه ئه ، و نعمه الظاهرة و الباطنة .
*******************************
السابع : و هو من أعجبها : انكسار القلب بين يدي الله تعالى ، و ليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء
و العبارات .
*****************************
الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته و تلاوة كلامه ، و الوقوف
بالقلب و التأدب بأدب العبودية بين يديه ، ثم ختم ذلك بالاستغفار و التوبة .
*****************************
التاسع : مجالسة المحبين و
الصادقين ، و التقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر ، و لا
تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام ، و علمت أن فيه مزيداً لكالك و منفعة
غيرك .
****************************
(1) قراءة القرآن
إن قراءة القرآن العظيم و التدبر في آياته و تفهم معانيها ، لها أثر عظيم
في زيادة محبة العبد لربه عز و جل ، فكلما كانت صلة العبد بهذا القرآن أعظم
كلما ازدادت محبته لربه ، فإن من يحب شيئاً يكثر من ذكره و الحديث عنه ، و
يحب كلامه و كل ما يتعلق به .
و قد ندب الله عز و جل عباده المؤمنين
إلى قراءة العناية بهذا القرآن و التدبر في آياته ، و الاتعاظ بمواعظه ، و
العمل بما فيه ، و حذر من هجره ، في آياتٍ كثيرات من كتابه :
قال تعالى : { و رتل القرآن ترتيلا }
و قال : { إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور }
و قال سبحانه : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به }
و قال عز وجل :{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب }
و قال : { أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا }
و قال عز وجل :{ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها } محمد 24
و عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : (( خيركم من تعلم القرآن و علمه ))
و عن عائشة رضي الله عنها قالت قال صلى الله عليه و سلم :الماهر بالقرآن
مع السفرة الكرام البررة، و الذي يقرأ القرآن و يتعتع فيه ، و هو عليه شاق
له أجران .
و قال صلى الله عليه و سلم : ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ))
و عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : أوصى ( يعني النبي صلى الله عليه و سلم ) بكتاب الله .
و عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيباً ،
فحمد الله و أثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : (( أما بعد أيها الناس فإنما أنا
بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، و أن تاركٌ فيكم ثقلين أولهما كتاب
الله )) و رغب فيه ، ثم قال : (( و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي )).
******************************************
(2) التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض
فلا يزال العبد يتقرب إلى الله و يتقرب ، حتى يحبه الله سبحانه ، و يجعله من أوليائه الذين يحبهم و يحبونه .
و في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( إن الله تعالى قالل : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرب
إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ، و ما يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و
يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و إن سألني أعطيته ، و لئن
استعاذني لأعيذنه )).
***********************************
(3) دوام ذكر الله على كل حال
و كذلك دوام ذكر الله عز وجل على كل حال باللسان و القلب و العمل و الحال ،
من أسباب زيادة محبة العبد لربه ، و لذلك فقد حث الله عز و جل على ذكره
فقال جل في علاه : {فاذكروني أذكركم}
و قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا }
و قال تعالى : { و الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات أعد الله لهم مغفرةً و أجراً عظيما }
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : قال
الله عز وجل : (( أنا عند ظن عبدي بي ، و أنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في
نفسه ذكرته في نفسي ، و إن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم .
و
حث البي صلى الله عليه و سلم كذلك عل ذكر الله تعالى ، و رغب فيه :فعن أبي
موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( مثل
الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه كمثل الحي و الميت ))
*******************************************
(4) إيثار ما يحبه الله على كل شيءٍ سواه
و من الأسباب الجالبة لمحبة الله : إيثار ما يحبه الله على كل شيء سواه ،
قال تعالى : { فأما من طغى ، و آثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى ،
و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى }
و قال صلى الله عليه و سلم : (( ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان :
أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ، و أن يحب المرء لا يحبه إلا
لله ، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن
يلقى في النار )).
*********************************************
(5) مطالعة القلب لأسماء الله و صفاته
و أعظم الأسباب التي تزيد محبة العبد لربه : مطالعة أسمائه و صفاته و
مشاهدتها بعين القلب ، فإن الله عز و جل أهل لأن يحب بذته ، لأن له جمال
الذات و الأسماء و الصفات و الأفعال .
فمن تأمل صفات الله عز و جل و
أسماءه و عاش معها ، يصل به الأمر إلى حالةٍ كأنه ينظر إلى الرحمن على عرشه
مستوياً عليه ، بائناً من خلقه ، يأمر و ينهى ، و يخلق و يرزق ، و يميت و
يحيي ، و يقضي و ينفذ ، و يعز و يذل ، و يقلب الليل و النهار ، و يداول
الأيام بين الناس .
أحاط بكل شيءٍ علما ، و أحصى كل شيءٍ عددا ، ووسع كل شيء رحمة و حكمة .
وسع سمعه الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات . لا تختلف عليه و
لا تشتبه ، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها . لا يشغله سمع
عن سمع ، و لا تغلطه كثرة المسائل ، و لا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات . سواء
عنده من أسر القول و من جهر به ، و من هو مستخفٍ بالليل و ساربٌ بالنهار ،
لا يشغله جهر من جهر عن سمعه لصوت من أسرَّ ، بل هي عنده كلها كصوتٍ واحد ،
كما أن الخلق جميعهم خلقهم و بعثهم عنده بمنزلة واحدة . {ما خلْقُكُمْ و
لا بعْثُكُمْ إلا كنفسٍ واحدة}
أحاط بصره بجميع المرئيات : فيرى دبيب
النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، و يرى جناح البعوضة
في ظلمة الليل ، يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور.
له الخلق و
الأمر ، و له الملك و الحمد ، و له الدنيا و الآخرة ، و له النعمة و الفضل ،
و له الثناء الحسن ، له الملك كله ، و له الحمد كله ، و بيده الخير كله .
لا ينام ، و لا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط و يرفعه ، يُرفع إليه عمل
الليل قبل النهار ، و عمل النهار قبل الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت
سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ....سبحانه .
يمينه ملأى لا تغيضها نفقة ، سحَّاء الليل و النهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات و الأرض ، فإنه لم يُغْضِ ما في يمينه .
لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام ، و البحر
يمده من بعده سبعة بحار ، فكتب بتلك الأقلام ، و ذلك المداد ، لفنيت
الأقلام و نفد المداد ، و لم تنفد كلمات الله ... و كيف تنفد و هي لا بداية
لها و لا نهاية .
أول بلا ابتداء ، و آخرٌ بلا انتهاء ، لا يفنى و لا
يبيد ، و لا يكون إلا ما يريد ، لا تبلغه الأوهام ، و لا تدركه الأفهام ، و
لا يشبه الأنام ، حي لا يموت ، قيوم لا ينام ، خالق بلا حاجة ، رازقٌ بلا
مؤنه ، مميت بلا مخالفة ، باعثٌ بلا مشقة ، ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه ،
لميزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته ، و كما كان بصفاته أزلياً ،
كذلك لا يزال عليها أبدياً ، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، و لا
بإحداث البرية استفاد اسم الباري ، له معنى الربوبية و لا مربوب ، و معنى
الخالق و لا مخلوق ، و كما أنه محي الموتى بعدما أحيا استحق اسم هذا الإسم
قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم لخالق قبل إنشائهم ذلك بأن على كل شيءٍ قدير ،
و كل شيءٍ إليه فقير ، ليس كمثله شيء و هو السميع البصير .
فإذا عاش
العبد مع أسماء الله تعالى و صفاته هكذا ، عظمت محبته لربه عز و جل ، و لم
يؤثر هلى رضاه شيئاً أبدا ، و إن مزق أو حرق أو قتل أو عذب في سبيل ذلك بكل
ألوان العذاب .
**********************************
(6) مشاهدة نعمه لظاهرة و الباطنة
إن من يتفكر في عظيم إحسان الله له ، و ما حباه به من النعم الظاهرة و
الباطنة لا بد أن يحب الله عز و جل حباً عظيماً ، لأن القلوب جبلت على حب
من أحسن إليها ، فكيف بمن أنشأها من العدم و صورها في الأرحام ، و غذاها و
رعاها في تلك الظلمات ، و يسر لها الخروج إلى هذه الحياة ، ثم توالت نعمه
سبحانه عليها ، و أعظمها نعمة الإسلام التي حرم الكثيرون و أنعم بها عليك ،
ثم وفقك لطاعته و للأعمال الصلحة , ثم ينعم بعد ذلك عليك في الآخرة بجنته
... كل هذه النعم و لا يستحق منك أن تحبه حباً عظيماً صادقاً لا تحبه أحداً
من العالمين !!
أروح و قد ختمت على فؤادي بحـبك أن يحل به سـواكا
فلو أني استطعت غضضت طرفي فلـم أنظـر به حتى أراكـا
أحبك لا بـبعضي بل بكـلي و إن لم يُبْقِ حبك لي حراكا
****************************
(7) انكسار القلب بين يدي الرب
إن لذل القلب و انكساره بين يدي الله عز و جل تأثير عجيب في المحبة ، و
يفتح أمام العبد أبواباً عظيمة من الخير ، و يوصله إليها من أقرب طريق ،
حتى أنه يسبق غيره و هو نائم على فراشه .
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً و تجي في الأول
و قيل لبعض الصالحين : أيسجد القلب ؟ قال : نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء.
و قد عرف بعض السلف العبادة بأنها : غاية الحب مع غاية الذل .
قل ابن القيم :
و عبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قسمان
*****************************************
(8) الخلوة بالله وقت النزول الإلهي
و الخلوة بالله سبحانه وقت نزوله في الثلث الأخير من الليل لمناجاته و
تلاوة كلامه ، و الوقوف بين يديه و التأدب بأدب العبودية ، من أعظم الأسباب
التي تورث القلب محبة الله عز و جل .
قال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً و طمعا }
و قال عز و جل :{إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، و بالأسحار هم يستغفرون}
و قال سبحانه :{ و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا}
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((
ينزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل
الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني
فأغفر له ))
و قد روى الثقات عن خير الملأ بـأنـه عز و جـل و عـلا
في ثلث اللـيل الأخيـر يـنزل يقـول هـل من تائبٍ فيقبل
هل من مسيء طالب للمغفرة يجـد كريماً قابـلاً للمعذرة
يمـن بالخـيرات و الفضائـل و يستر العيب و يعطي المسائل
*********************************************
(9) مجالسة المحبين الصادقين
ومجالسة المحبين الصادقين والتعرف على أحوالهم و الاقتداء بهم يزيد العبد محبة لله عز و جل و شوقاً إليه و إلى جنته.
قال تعالى :{و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشِي يريدون
وجهه و لا تَعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا و لا تطع من أغفلنا
قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فُرُطا }
و عن أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إنما مثل الجليس
الصالح و جليس السوء : كحامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن
يُحْذِيك ، و إما أن تجد منه ريحاً طيبة . و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و
إما أن تجد منه ريحاً منتنة ))
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء
رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ، كيف تقول
في رجلٍ أحب قوماً و لم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( المرء مع من أحب ))
***********************************************
(10) البعد عن كل ما يحول بين القلب و بين الله
و من أسباب زيادة محبة الله تعالى في قلب العبد : البعد عن كل ما يحول
بينه و بين الله عز و جل ، و أعظمها الذنوب و الآثام ، فإنها تضعف محبة
الله في قلب العبد .
قال تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }
و قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }
تعصي الإله و أنت تظهر حبه هذا محالٌ في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
و كذلك البعد عن مخالطة من لا خير فيه من الناس ، و عدم الإكثار من
المباحات ، و فضول الطعام و الشراب النظر و الكلام ... و غيرها كثير مما
يحول بين القلب و بين الله.
قال سبحانه : { و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه }
أسباب محبة العبد لله:
أما الأسباب التي تجلب محبة الله عز و جل للعبد فهي كثيرة أيضاً و نذكر منها :
(1) الإتباع
قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم
ذنوبكم و الله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله و الرسول فإن تولوا فإن الله لا
يحب الكافرين }
إن اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم فيما جاء به من هذا الوحي العظيم ، سبب عظيم من أسباب محبة الله عز وجل لعبده .
قال بعض السلف : ادعى قومٌ محبة الله فأنزل الله آية المحنة { قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني ... } فجعل علامة المحبة الاتباع ، و ثمرة الاتباع
محبة الله عز و جل للعبد .
**********************************************************
(2) التقوى
قال تعالى : { إن الله يحب المتقين }
و قال صلى الله عليه و سلم : (( إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي ))
تقوى الله عز وجل سبب عظيم من أسباب محبة الله لعبده ، و التقوى : هي أن
تجعل بينك و بين عذاب الله عز و جل وقاية بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه ،
و قيل : هي أن يطاع فلا يعصى ، و أن يذكر فلا ينسى ، و أن يشكر فلا يكفر .
و قيل : هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، و أن
تترك معصية الله على نور من الله تخاف من عقاب الله ، و قال الإمام أحمد :
هي ترك ما تهوى لما تخشى ، و قيل : هي ترك الذنوب صغيرها و كبيرها .
قال ابن المعتمر :
خل الذنوب صغيرها و كـبيرهـا ذاك التقـى
و اصنع كماشٍ فوقه أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحـقرن صغيرةً إن الجبـال من الحصـى
و لله در الشاعر القائل :
و تزود من التقوى فإنك لا تـدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجـر
فكم من فتى أمسى و أصبح ضاحكاً و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري
و كم من عروسٍ زينوها لزوجهـا و قد قبضت أرواحهم ليلة القـدر
و كم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم و قد أدخلت أجسادهم ظلمة القبـر
*********************************************
(3) الصبر
قال تعالى : { و الله يحب الصابرين }
الصبر سبب جليل من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، فليحرص عليه العبد
بأنواعه الثلاثة : فليصبر على طاعة الله سبحانه ، و ليصبر على معاصيه ، و
ليصبر على أقداره المؤلمة.
و قد أمر الله عز وجل في كتابه بالصبر في آياتٍ كثيرات منها قوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا }
و حث النبي صلى الله عليه و سلم على الصبر ، و رغب فيه في أحاديثٍ كثيرة
منها : (( و من يَتَصَبَّر يصبِّرُه الله ، و ما أُعطي أحدٌ عطاء خيراً و
أوسع من الصبر ))
**********************************************
(4) الإحسان
قال تعالى : { و الله يحب المحسنين }
الإحسان سبب جليل من أسباب محبة الله لعبده ، و هو كما عرفه النبي صلى
الله عليه و سلم : (( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه
يراك))
و قد أمر الله بالإحسان في كتابه في آياتٍ كثيرة و حث عليه ، قال تعالى : { و أحسنوا إن الله يحب المحسنين }
و حث النبي صلى الله عليه و سلم أيضاً على الإحسان و أمر به في كل شيء
فقال صلى الله عليه و سلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح
ذبيحته ))
***************************************
(5) التوبة
قال تعالى : { إن الله يحب التوابين }
التوبة : من أسباب محبة الله لعبده إذا تحققت بشروطها المعروفة و هي :
(1) أن يقلع العبد عن المعصية.
(2) أن يندم على فعلها .
(3) أن يعزم عزماً أكيداً على أن لا يعود إليها أبداً .
(4) إذا كانت تتعلق بحقِّ آدميٍ فعليه أن يبرأ من حقه .
(5) فإذا تحققت هذه الشروط لأربعة في التوبة : كانت سبباً لمحبة الله تعالى لعبده .
فهو سبحانه يحب التائبين و يفرح بتوبتهم ، و ذلك لعظيم رحمته و سعة مغفرته .
و قد أمر الله عباده بالتوبة في آياتٍ كثيرات ، منها قوله تعالى : { و توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
و قوله : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً }
و حث النبي صلى الله عليه و سلم عليها في أحاديث كثيرةٍ أيضاً ، و رغب
فيها : فعن أبي هريرة رضي لله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم يقول : (( و الله إني لأستغفر الله ، و أتوب إليه في اليوم أكثر من
سبعين مرة ))
و في رواية لمسلم من حديث الأغر بن يسار المزني : (( يا أيها الناس توبوا إلى الله و استغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة ))
و عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
(( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، و يبسط يده بالنهار
ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ))
و عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( الله أفرح بتوبة
عبده من أحدكم سقط على بعيره و قد أضله في أرض فلاة ))
و في رواية
مسلم : (( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته
بأرضٍ فلاة ، فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فيئس منها ، فأتى شجرة
فاضطجع في ظلها ، و قد يئس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة
عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي و أنا ربك ،
أخطأ من شدة الفرح ))
*****************************************
(6) الطهارة
قال تعالى : { و يحب المتطهرين }
و قال سبحانه : { و الله يحب المتطهرين }
الطهارة سبب من أسباب محبة الله لعبده ، و هي قسمان : طهارة حسية ، و طهارة معنوية :
أما الطهارة الحسية : فهي التطهر من الأنجاس و الأحداث.
و أما الطهارة المعنوية : فهي التطهر عن الشرك و الأخلاق الرذيلة و الصفات القبيحة .
قال السعدي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى : { و يحب المتطهرين }
أي : المتنزهين عن الآثام ، و هذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس و الأحداث
ففيه مشروعية الطهارة مطلقاً ، لأن الله تعالى يحب المتصف بها ، و يشمل
التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة و الصفات القبيحة و الأفعال الخسيسة ))
************************************************************
(7)التوكل
قال تعالى : { إن الله يحب المتوكلين }
التوكل من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، و هو اعتماد القلب على حول الله و قوته ، و التبرئ من كل حول و قوة.
و قد أمر الله تعالى بالتوكل و حث عليه و رغب فيه في آياتٍ كثيرات ، منها : قوله تعالى :{و توكل على الحي الذي لا يموت }
و قال سبحانه {و على الله فليتوكل المؤمنون}
و كذلك حث النبي صلى الله عليه و سلم على التوكل و رغب فيه في أحاديث كثيرة منها :
حديث ابن عباس رضي الله عنه في وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير
حساب و لا عذاب ، فقال : (( هم الذين لا يسترقون ، و لا يتطيرون ، و على
ربهم يتوكلون ))
و عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم كان يقول : (( اللهم لك أسلمت و بك آمنت ، و عليك توكلت ، و
إليك أنبت ، و بك خاصمت . اللهم إني أعوذ بعزتك ، لا إله إلا أنت أن تضلني
أنت الحي الذي لا يموت ، و الجن و الأنس يموتون ))
********************************************************
(8) العدل و القسط
قال تعالى : { إن الله يحب المقسطين }
القسط و العدل : من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، كما أن الظلم من أسباب
بغض الله تعالى لعبده ، قال تعالى : { و الله لا يحب الظالمين }
و قد حث الله تعالى في كتابه على العدل و القسط في آياتٍ كثيرات ، منها : قوله تعالى { و أقسطوا إن الله يحب المقسطين }
و قل سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين }
و قال عز و جل : { اعدلوا هو أقرب للتقوى}
و قال جل و علا :{ إن الله يأمر بالعدل و الإحسان }
و كذلك حث النبي صلى الله عليه و سلم على العدل في أحاديث كثيرة منها : عن
النعمان بن بشير قال : قال رسول لله صلى الله عليه و سلم : (( اتقوا الله و
اعدلوا بين أولادكم ))
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه و سلم : (( سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله – ثم ذكر منهم – إمامٌ عادل))
و عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور : الذين
يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما وُلُّوا ))
**********************************************
(9) القتال في سبيل الله
قل تعالى : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ المرصوص }
و قال تعالى : { فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم و يحبونه أذلةٍ على المؤمنين
أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم }
القتال في سبيل الله : من أسباب محبة الله تعالى لعبده ، و قد أمر الله تعالى به في آياتٍ كثيرة من كتابه ، منها :
قوله تعالى :{ و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم }
و قال تعالى :{ و قاتلوا في سبيل الله و اعلموا أن الله سميعٌ عليم}
و قال سبحانه : { انفروا خفافاً و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله }
و كذلك حث النبي صلى الله عليه و سلم على الجهاد في سبيل الله و رغب فيه في أحاديث كثيرة ، منها :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي العمل أحب إلى
الله تعالى : قال : (( الصلاة على وقتها )) ، قلت : ثم أي؟ قال : (( بر
الوالدين )) قلت : ثم أي؟ قال : (( الجهاد في سبيل الله ))
و عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن في
الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما
بين السماء و الأرض))
و عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لغدوةٌ في سبيل الله ، أو روحة ، خيرٌ من الدنيا و ما فيها ))
و عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : (( ما أغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار ))
****************************
(10) التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض
فهذا بابٌ يوجب محبة العبد لله و محبة الله للعبد كما أسلفنا .
****************************************
(11) محبة أسماء الله و صفاته
عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ،بعث رجلاً
على سرية ، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب { قل هو الله أحد} فلما
رجعوا ، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : (( سلوه لأي
شيءٍ صنع ذلك؟))فسألوه ، فقال : لأنها صفةٌ للرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها ،
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أخبروه أن الله تعالى يحبه ))
******************************************************
(12)اجتناب الأعمال التي لايحب الله أهلها
قال تعالى :{ إن الله لا يحب المعتدين } { و الله لا يحب كل كفارٍ أثيم } {
و الله لا يحب الظالمين } { إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا } { إن
الله لا يحب من كان خواناً أثيما } { و الله لا يحب المفسدين } { إن الله
لا يحب الخائنين } { إنه لا يحب المستكبيرن } { إن الله لا يحب كل خوانٍ
فخور } { إن الله لا يحب الفرحين } قال السعدي : أي لا تفرح بهذه الدنيا
العظيمة ، تفتخر بها ، و تلهيك عن الآخرة ، فإن الله لا يحب الفرحين بها ،
المنكبين على محبتها .
و قال تعالى : { إنه لا يحب الكافرين }
******************************************
(13) الحب في الله
و الحب في الله من أسباب نيل محبة الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : (( أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ،
فأرصد الله له على مدرجته ملكاً . فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال :
أريد أخاً لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمةٍ تربُّهَا؟(أي :
تقوم بإصلاحها ، و تنهض بسببها ) قال :لا. غير أني أحببته في الله عز وجل .
قال : فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ))
و
عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إت الله يقول يوم القيامة
: أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ))
و في الجملة أن من حافظ على ما يحبه الله و يرضاه ، و ابتعد عن كل ما يسخط الله تعالى و يأباه : نال محبة الله عز و جل و رضاه .
ثمرات محبة الله تعالى للعبد:
إن لمحبة الله تعالى لعبده ثمرات عظيمة في الدنيا و الآخرة ، فيكفيه أن
يكون الله تعالى معه في كل صغيرة و كبيرة يوفقه و يسدده و يحفظه و يرعاه ،
يحفظ سمعه عن السماع لما يغضب الله ، و يحفظ بصره عن رؤية ما يغضب الله ، و
يحفظ يده عن أن تفعل ما يغضب الله ، يحفظ قدمه من أن تمشي إلى ما يكرهه
الله ، و يحفظ جوارحه كلها عن كل ما يسخط الله تعالى و يغضبه .
يحبه جبريل ، و يحبه أهل السماء جميعاً ، و يوضع له القبول في الأرض بين الناس .
ينجو من عذاب القبر ، و يأمن الفزع الأكبر ، و ينال كتابه بيمينه ، و يمر
على الصراط مرور الكرام ، و يشرب من حوض النبي صلى الله عليه و سلم ، و
ينجو من النار و عذابها ، و يدخل الجنة دار الكرامة ، و ينظر إلى وجه الله
تعالى و هو أعظم نعيمٍ للمحب أن يرى حبيبه بعدما طال الشوق إليه ، و يرضى
الله تعالى عليه رضاً لا سخط بعده أبداً .
كل هذه الثمرات لا تجعل
العبد في نيل محبة الله تعالى و رضاه؟!عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً
فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ،
و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي
يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و
إن سألني أعطيته ، و لئن استعاذني لأعيذنه )).
و عنه أيضاً قال : قال
رسول له صلى الله عليه و سلم : (( إذا أحب الله تعالى العبد ، نادى جبريل :
إن الله يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادي في أهل السماء إن الله
يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ))
و قال تعالى : { و قالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه قل فلم يُعَذِّبكُم بذنوبكم }
قلت : في الآية إشارة إلى أن الله تعالى لا يعذب من يحب.
و قال صلى الله عليه و سلم : (( المرء مع من أحب))
قال بعض السلف : ذهب المحبون بشرف الدنيا و الآخرة ، لأن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : (( المرء مع من أحب )) فهم مع الله في الدنيا و
الآخرة .
و أخيراً نسأل الله أن يجعلنا من المحبين الصادقين ، و أن
يغفر لنا ذنوبنا ، و أن يستر عيوبنا ، و ألا يفضحنا بين خلقه و لا بين
يديه ، و أن يرزقنا لذة النظر إلى حسن وجهه الكريم ، و صحبة نبيه الأمين ،
في جنات النعيم ، و أن يغفر لوالدينا و مشايخنا و أزواجنا و من له حقٌّ
علينا إنه نعم المولى و نعم النصير .
و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمع
جزاكم الله خير وبارك الله فيكم
ردحذفاللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا الي حبك