سلسله غزوات النبي صلي الله عليه وسلم
الدرس الرابع والعشرون من سلسله غزوات النبي :
==========================
غزوة حنين :
=========
فلما بلغ فتح مكة هوازن جمعهم مالك بن عوف النّصري، واجتمع إليه ثقيف وقومه بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، ويسير من بني هلال بن عامر، ولم يشهدها من قيس عيلان غير هؤلاء، وغاب عن ذلك عقيل وبشر ابنا كعب بن ربيعة بن عامر، وبنو كلاب بن ربيعة بن عامر، وسائر إخوته فلم يحضرها من كعب وكلاب أحد يذكر، وساق بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم وسيدهم فيما خلا دريد بن الصّمّة، وهو شيخ كبير لا ينتفع به، لكن يتيمن بمحضره، ورأيه السديد، وهو في هودج لضعف جسمه، ووهن قواه، وكان في ثقيف سيدان لهم في الأحلاف، قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وأخوه أحمر بن الحارث، والرياسة في الجميع إلى مالك النصري، فحشد من ذكرنا، وساق مع الكفار أموالهم وما شيتهم ونساءهم وأولادهم، ليحموا بذلك في القتال والجلاد، فنزلوا بأوطاس، فقال لهم دريد: ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ فقالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم وعيالهم، فقال: أين مالك؟ فقيل له: هوذا. فسأله دريد: لم فعلت ذلك؟ فقال مالك: ليكون مع الناس أهلهم وأموالهم فيقاتلوا عنهم، فقال له دريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيئا؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
ثم قال: ما فعل كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الجد والحد، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم كما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها من بني عامر؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، لا ينفعان ولا يضران! يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن، إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى ممتنع ديارهم، وعلياء قومهم. ثم ألق الصباة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك، ومن وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك. فأبى مالك ذلك وخالفت هوازن دريدا، واتبعوا مالك بن عوف، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده، ولم يغب عني:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
يتمنى لو كان شابا في هذه الحرب حتى يكون أكثر نشاطا وهمة، وانطلاقا؛ لأن المشيب موسوم بالوهن والفتور والخور في القوى الحيوية.
وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء عبد الله ابن أبي حدرد الأسلمي، فأتى بعد أن عرف مذاهبهم، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصدهم، واستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية بن خلف دروعا، قيل مائة درع، وقيل أربعمائة درع. ثم خرج في اثنى عشر ألف مسلم، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح.
ثم استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، ومضى عليه السلام وفي جملة من اتبعه: عباس بن مرداس في بني سليم، والضحاك ابن سفيان الكلابي، وجموع من بني عبس وذبيان.
وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى «ذات أنواط» يخرج إليها الكفار يوما معروفا في العام، يعظمونه، فتصايح جهال الأعراب؛ يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: قلتم، والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: «اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون» إنها السنن، لتركين سنن من كان قبلكم .
ثم نهض فلما أتى وادي حنين، وهو واد حدور من أودية تهامة، وهوازن قد كمنت في جنبتي الوادي، وكان ذلك في عماية الصبح فحملوا على المسلمين، حملة رجل واحد، فولّى المنهزمون المغلولون لا يلوي أحد على أحد، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرجعوا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلي والعباس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه جعفر، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وجماعة غيرهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، واسمها (دلدل) والعباس آخذ بحكمتها .
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب الشجرة، وكان العباس جهير الصوت جدا، ثم أمره أن ينادي: يا معشر المهاجرين، بعد ذلك.
فلما نادى العباس بمن ذكرنا، وسمعوا الصوت، ذهبوا ليرجعوا، وكان الرجل منهم لا يستطيع أن يثني بعيره لكثرة المنهزمين، فيأخذ درعه ليلبسها، ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره، ويكر راجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع حواليه منهم نحو المائة، استقبلوا هوازن، وحمي وطيس الحرب بينهم، وحين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب والفزع والوهل والجزع، فلم يملكوا أنفسهم، وقد رماهم صلى الله عليه وسلم بالحصباء بقبضة يده الشريفة، فما من أحد منهم إلا أصابته، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام:
«وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى»
انهزمت هوازن هزيمة منكرة، وقد استمرّ القتل في بني مالك، وقد قتل منهم يومئذ سبعون رجلا.
وفي هذه الغزوة قال عليه الصلاة والسلام: «من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه.
===========================================
غزوة الطائف:
=======
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين، في شوال سنة ثمان .
قال ابن حزم: لم يشهد عروة بن مسعود، ولا غيلان بن سلمة الثقفيان حصار الطائف ولا يوم حنين، وكان كلاهما بجرش يتعلمان صنعة المجانيق والدبابات.
سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه من الجعرانة إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على البحرة، وهي بحرة الرغاء من لية، فابتنى بها صلى الله عليه وسلم مسجدا، فصلى فيه.
ثم نزل بالقرب من الطائف، فتحصنت منه ثقيف، وحار بهم المسلمون، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال عن ذلك المنزل إلى موضع المسجد المشهور
اليوم، وهو (وادي العقيق) فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وكان معه صلى الله عليه وسلم اثنتان من أمهات المؤمنين إحداهما أم سلمة رضي الله عنها.
وقيل إن موضع المسجد اليوم بين منزلهما في موضع مصلاه صلى الله عليه وسلم، وقد تولى بناء ذلك المسجد عمرو بن أمية ابن وهب بن مالك الثقفي.
وقد رماهم عليه الصلاة والسلام بالمنجنيق، ثم دخل نفر من المسلمين تحت دبابة ودنوا من الطائف، فصب عليهم أهل الطائف سكك الحديدة المحماة، ورموا بالنبل، فأصابوا منهم قوما.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب أهل الطائف ما خلا عنب ابن مسعود الذي استرحمه في ماله فكف عنه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل عن الطائف، وكان يجير بن زهير أبي سلمى.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، ثم أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين.
ثم كان عدد سبي هوازن ستة آلاف نفس، وكان منهم الشيماء أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، فأكرمها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاها وأحسن إليها، ورجعت إلى بلادها مختارة لذلك.
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال بين المسلمين، ثم أعطى من نصيبه من الخمس المؤلفة قلوبهم.
وكان المؤلفة قلوبهم- مع حسن إسلامهم- متفاضلين في الإسلام، منهم الفاضل المجتهد كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وغيرهم.
وأتى كعب بن زهير تائبا معتذرا من ذنبه مادحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فعفا عنه
==================================================
Our Blog
الدرس الرابع والعشرون من سلسله غزوات النبي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق