فِقـهُ التَّعامُـل بين الزَّوجين وقَبَسَاتٌ مِن بيتِ النُّبُـوَّة
رسالةٌ إلى كُلِّ أُسـرة : فِقـهُ التَّعامُـل بين
الزَّوجين وقَبَسَاتٌ مِن بيتِ النُّبُـوَّة ~
تأليف : أبي عبدالله مصطفى بن العدويّ
بِسْـمِ اللهِ الرَّحمَـنِ الرَّحِيـم
المُقـدِّمـــة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وبعـد .
فإن الخير كل الخير ، والتوفيق غاية التوفيق ، والنجاة والسلامة والرشاد في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله ، لا يشك في ذلك مُسلمٌ ، ولا يرتابُ في ذلك عاقل ، ولا يتردد في ذلك مُؤمِنٌ بالله واليوم الآخر، ورَبُّ العِزَّةِ سُبحانه يقول في كتابه :﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ الأنعام/38 .
ويقولُ سُبحانه عن كتابه : ﴿ هَذَا هُدًى ﴾ الجاثية/11 ، ويقول عز وجل : ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ الجاثية/20 .
وسنة رسول الله مُبيِّنة لكتاب الله ، وقوله وحُي ، كما قال تعالى : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ النجم/3-5 .
فلَمَّا كان الأمر كذلك ، لَزِمَ كُلِّ حَريصٍ على الخير أن يُلِمَّ بأكبر قدر ممكن من كتاب الله ومن سنة رسول الله ، وتأتي بعد ذلك مرحلةُ الفقه في الدين ، فيَعمَدُ الشخصُ إلى الفِقه في كتاب الله وسنة رسوله ، فينزل كل نصًّ منزلته اللائقة به ، وحينئذٍ يظهر له جليًّا مدى أهمية قول الله عز وجل : ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ البقرة/269 ، ومدى أهمية قول رسول الله : (( مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقهه في الدين )) (1) .
فإذا رَزَقَ اللهُ العبدَ تَعَلُّمَ الكتاب والسُّنَّة ، وعلم صحيح السُّنَّة من السقيم الذي لم يثبت منها ، ورَزَقَهُ اللهَ الفِقهَ في الكتاب والسُّنَّة ، ومع ذلك رُزِقَ الإخلاصَ ، فقد حاز كل الخير ووُفِّقَ في دُنياه وأخراه كل التوفيق ، ونجح في معاملاته مع الخَلْقِ ، فالفِقهُ في كتاب الله وسُنَّةِ رسول الله أصلٌ في نجاح كل شأنٍ مِن شئون الحياة مِمَّا يُتَقَرَّبُ به إلى الله عز وجل .
هذا وبين أيدينا موضوعٌ مِن الأهمية بمكان ، يحتاجُ إلى التفقه فيه كُلُّ شخصٍ ، فهو موضوع يهم الوالد والولد , ويهم الأم والبنت , ويهم الزوجة والزوج , ويهم الطفل والجارية ، فكُلٌّ له فيه نصيب ، وكُلٌّ قائمٌ فيه بدور ، ألا وهو موضوع فقه التعامل الأسري ، أردتُ طَرْقَ هـذا الموضوع حتى يَعرِفَ كُلٌّ الذي له والذي عليه , وكيف يتعاملُ مع غيره على ضوء كتاب الله وسنة رسول الله ، وسيرة سلفنا الصالح رحمهم الله ، فيسيرُ في حياته سيرًا رشيدًا سالكًا السبيل المُثلى والصراط السويّ المستقيم المُوصل إلى جنَّاتِ النعيم .
وبدايةً أَحُثُّ نفسي وكُلَّ قارئٍ أن يُكثِرَ مِن الاستغفار ؛ فإن الذنب يَحولُ بين العبد والفهم ، فالمعصيةُ والذنبُ يُرسبان على القلب طبقةً ، وينكتان على القلب نكتًا كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم (2) : (( إن المؤمنَ إذا أذنب كانت نُكتةٌ سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبُه ، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبَه ذاك الرَّيْن الذي ذكر الله عز وجل في القرآن : ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ المطففين/14 )) .
وهـذه الذنوب والمعاصي جالبةٌ للمصائب ومُزيلةٌ للنعم ، قال تعالى : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ... ﴾ الشورى/30 .
وقال تعالى : ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾النساء/160 . وعدم الفهم لكتاب الله وسنة رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - مُصيبةٌ مِن المصائب ، وتقوى الله سببٌ لتحصيل العِلم وجلب الفهم ، كما قال تعالى : ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ البقرة/282 .
وجديرٌ بكُلِّ مَن جَالَسَ هـذا الكتاب هـذه الدقائق أو السّويعات أن يُكثِرَ مِن الصلاةِ على النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - وخاصة كلما مر بذكره عليه الصلاة والسلام ، وكلما قرأ قولَه صلواتُ الله وسلامُه عليه , فلله ملائكةٌ تُبلِّغُ نبيَّنا مِنَّا السلام , والنبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقول : (( من صلَّى عليَّ واحدةً ، صلَّى اللهُ عليه عشرًا )) (3) .
هـذا وأُلْفِتُ النظرَ إلى أنَّ موضوعَ هـذا الكتاب كان مُحاضرةً أُلْقِيَت بمدينةِ المنصورة بجمهورية مصر , ثم طُلِبَ مِنِّي إعادتُها في عِـدَّةِ مُحافظات , ثم قُمتُ بتنقيحها وتحقيق أحاديثِها مع التخريج المُختصَر المؤدِّي للغرض ؛ خشيةَ المَلَل وإلحاق بعض الإضافات عليها لطبعِها .
فإلـى الرسالــة ، أسألُ اللهَ أن ينفعنا بها والمسلمين ، وأن يُصلِحَ بها بين أسرهم ، ويُضمد بها جُروحَهم ، واللهُ مِن وراءِ القَصْدِ مُحيط ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .
وصَلِّ الَّلهم على سيِّدِنا مُحمدٍ وعلى آلهِ وصَحبِهِ وسلِّم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق