Our Blog

الصدق هو النجــــــــــــــــــاه



أيها الإخوة الكرام، إذا لم يكن الفرق بين المؤمن و غير المؤمن فرقا صارخا فليس هذا هو الإيمان، ليس الإيمان الذي يظهر 

لأداء عبادات، ولكن الإيمان يظهر في كل دقيقة من دقائق حياتك، إن تكلمت فأنت صادق، إن حكمت فأنت منصف، إن قدرت فأنت تعفو، ولا يشد الناس إلى الدين إلا الكمال الذي ينبغي أن يتحلوا به، ولا يشد الناس إلى الإسلام صلاتنا ولا صيامنا، ولا حجنا ولا زكاتنا، يشد الناس إلى الإسلام صدقُنا وأمانتنا، ورحمتنا وإنصافنا، الموقف الأخلاقي له قوة تأثير مذهلة، فما الذي فعله النبي الكريم حتى قال أبو سفيان:  ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً . 
كان صادقا، أمينا، رحيما، متواضعا، ما تكلم كلمة إلا طبقها، ما في قلبه على لسانه، والذي يقوله في قلبه حق وحقيقة.


إذاً: الإيمان يحتاج إلى جهد كبير، أما إذا جهدت، وتعرفت على الله، وطبقت منهجه، واتصلت به يغدو الأمر إليك سهلاً جداً، لا تظلم، لا تأخذ ما ليس لك، إن كنت تحت رقابة، أو من دون رقابة، إن كنت وحدك أو مع الناس.
قال ابن عمر لرجل:  بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال له الراعي: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ >>.
لعلك تقول: هناك مبالغة، إن لم يحبك الناس من أعماق أعماقهم ففي الإيمان خلل.


صور من الصبغة الأخلاقية في حياة الصحابة:

كنت أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهِموا الإسلام كما نفهمه نحن الإسلام لما خرج من مكة، ما الذي جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ؟ ما الذي جعل الناس يقبلون على هذا الدين إقبالاً منقطع النظير ؟ لأنهم يروا أناساً يتحركون وفق منهج الله المبادئ كبيرة جداً.


بين سيدنا عمر وجبلة بن الأيهم:
في عهد سيدنا عمر ملك اسمه جبلة بن الأيهم وأعرابي من قبيلة فزارة، بالتعبير المعاصر من الدهماء، من السوقة، من الطبقة الدنيا، يقف في حضرة عمر أمام جبلة نداً لند، جبلة ملِك دخل في الإسلام، فرحّب به عمر، طاف جبلة بن الأيهم حول الكعبة فداس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي اشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملِك جبلة، وقف أمامه نداً لند، وقال له: 
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ 
قال جبلة: 
لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر: 
أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه 
أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
صعق جبلة.
قال: 
كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ 
قال عمر: 
نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها.
أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة: 
كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر: 
عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الدين.


قصة فتح سمرقند:
هل من المعقول لجيش ضخم ذهب إلى سمرقند وفتحها واحتلها، إن شئت أن تقول: يذهب وفد سراً من سمرقند إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويخبر الخليفة أن فتح هذه المدينة لم يكن شرعياً، الفتح الشرعي أن يعرض الإسلام على أهل المدينة، فإن أسلموا فهُم منا ونحن منهم، ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو الإسلام، فإن أبوا يدعون إلى دفع الجزية، فإن أبوا يقاتلون، يبدو أن هذا الجيش تجاوز الشرط الأول والثاني، وفتح المدينة، تروي الروايات أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كتب على قصاصة ورق صغيرة، وأعطى أمراً لقائد الجيش أن يخرج هؤلاء الوفد، نظروا، القصة مثل الخيال، هم في الطريق يشككون، فلما وصلوا يأتي أمر من خليفة إلى قائد الجيش أن انسحب، واسلك الطريق الشرعي في فتحها، حينما أعطوا هذه الورقة لقائد الحملة قبلها، وأعطى أمرا بالانسحاب، قالوا: لا، نحن أسلمنا جميعاً، ما دام الأمر هكذا فيه عدل.


والله أيها الإخوة، نقرأ التاريخ أحياناً من شدة غرابته لا يصدق، العدل بهذه الرحمة، بهذا الصدق، بهذه الأمانة، هكذا فتحت البلاد، فتحت بالعلم، فتحت بالإحسان، فتحت بالرحمة، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطعمون الأسرى أطيب الطعام، ويأكلون أردأه، حتى أسلم الأسير، الفرق كبير جداً، لقد رضي الله المؤمنين، والآن لا تطمع من أحد أن يقتنع بالإسلام إن لم تكن كاملاً، إن لم تكن منصفاً، إن لم تكن رحيماً، إن لم تكن حكيماً، معك فكر، ومعهم فكر، تتكلم، ويتكلمون، تؤلف كتابا، ألفوا مئة كتاب، قضية معلومات ومناقشة وحوار قضية سهلة جداً، أما الموقف الأخلاقي فهو الموقف البطولي.


صحابي جليل وقصة الوفاء بالعهد: 
هل من المعقول لصحابي جليل في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه، فقال لمن قبض عليه: عهدُ اللهِ إن أطلقتموني فلن أحاربكم، فأطلقوه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرّ به سروراً عظيماً، بعد سنتين هناك غزوة، هذا الصحابي دون أن يشعر نسي وعده، فانخرط مع الجنود، قال له النبي: ارجع، ألم تعاهدهم ؟ هذا هو الدين، الدين صدق، الدين أمانة.
الآن يا أيها الإخوة، ليس هناك شيء يشد الناس إلى الإسلام إلا أن يراك الناس بأعلى درجة من الصدق والأمانة والاستقامة.
النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان صادقاً، وكان أميناً، الآن يقول لك بعض المتطرفين: إن مال الكفار مباح لنا، من قال لك ذلك ؟ النبي عليه الصلاة والسلام لماذا وضع ابن عمه علياً رضي الله عنه مكانه في السرير ؟ ليؤدي الأمانات إلى أهلها، هذه أمانات من ؟ أمانات المشركين، لمَ لمْ يقل: هؤلاء مشركون، ومالهم حلالٌ لنا ؟ قال تعالى:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى..



عندما يكون الإنسان عظيماً ومحبوباً عند الله يكون عظيماً بين خلقه فيكتب له القبول وتحبه القلوب ويقتدي به الخلق وتتغنى بسيرته الأجيال وتنتفع بأفعاله وسلوكه المجتمعات ... والعظمة والسمو لا يصل إليها الفرد بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان ولا بكثرة الأتباع إنما تأتي بقيم وأخلاق يجب أن يتصف بها الفرد ويمارسها سلوكاً عملياً في الحياة ولعل من  أبرز هذه الأخلاق في حياة خلق الصدق ..  

 


وقد أثنى سبحانه وتعالى على خلق الصدق وأصحابه ورتب على ذلك الخيرية والثواب الجزيل فقال عن أنبيائه:(وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً)  ويقول جلّ ذكرهُ: ((وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيّاً)  وقال جلّ ثناؤه: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) (واشتهر يوسف عليه السلام بالصدق كما قال تعالى: ((يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ))  وجاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالصدق وعُرف به وبغيره من محاسن الأخلاق كما زكاه ربُّه وقال في وصفه: ((وَإِنَّكَ لعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وكان أهل مكة يسمونه بالصادق الأمين رغم عنادهم وكفرهم وعداوتهم له .. وبعد الهجرة كذلك ما عرف إلا صادقاً أميناً فكسب القلوب وفتحت له البلاد وآمن به وبدعوته الكثير من القبائل والأفراد والمجتمعات ..

 

 عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان أحد أحبار اليهود ، قال: ( لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، سمعت الناس يقولون: قد جاء محمد، قد جاء محمد، وانجفل الناس إليه، أي: ذهبوا إليه سراعاً قال: فكنت فيمن ذهب إليه، فلما استثبت في وجهه، عرفت أنه ليس بوجه كذاب قال: فسمعته يقول: ( يا أيها الناس أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )

 

.. والمسلم مطالب بأن يكون صادقاً في اعتقاده وقوله وفعله وسلوكه وهذا هو الإيمان .. الصدق مرتبط بالإيمان فقد يقع المسلم في ما لا يُحمد من الصفات ، غير أنه لا يقع منه الكذب ؛ لاستبعاد ذلك منه قال تعالى( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون

أيها المؤمنون/عبــاد الله :-   إن الناس من حولنا والأمم والشعوب والأفراد لا يحكمون علينا إلا من خلال تصرفاتنا وأفعالنا وأقوالنا فأن كنا صادقين كانت الثمرة مرجوة والأثر واضح ... 

انتقل إمام أحد المساجد في بريطانيا إلى مدينة لندن و كان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد وكان أكثر الأحيان يستقل نفس الباص ويرى نفس السائق وذات يوم دفع أجرة الباص و جلس, فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة ...  فكّر الإمام وقال لنفسه أن عليه إرجاع المبلغ الزائد لأنه ليس من حقه ثم فكّر مرة أخرى وقال في نفسه: "إنسَ الأمر, فالمبلغ زهيد وضئيل ... و لن يهتم به أحد ... توقف الباص عند المحطة التي  يريدها الإمام .. ولكنه قبل أن يخرج من الباب ... توقف لحظة ومد يده وأعطى السائق العشرين بنساً وقال له: تفضل... أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!!! فأخذها السائق وابتسم وسأله: "ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ 

 إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام  ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك" وعندما نزل الإمام من الباص  شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! 

فتمسك بأقرب عمود ليستند عليه,و نظر إلى السماء و دعا باكيا: يا الله , كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً !!! .. نعم .. هكذا يجب أن نكون صادقين ونستشعر مسئولية الدين والقيم والأخلاق والأمانة التي تحملناها وحتى لا نكون ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل من أجل شهوة عارضة أو متاع زائل أو فتنة مضله أو منصب أو مال .

 

.ذلك  أن الصدق هو قول الحق والالتزام به ومطابقة الكلام للواقع وقد أمر الله تعالى بالصدق، فقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ولأن فيه النجاة في الدنيا والآخرة وفيه الثناء والذكر الحسن عند الله وعند الناس قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله صديقا ،  وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا

فما من أحد يحب أن يكتب عند الله كذاباً فيفضح عند أهل الأرض وعند أهل السماء ؟ والله تعالى يقول عنهم ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) . وضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة لمن يلتزم بالصدق في أقواله وأفعاله فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة (أطرافها) لمن ترك المراء وإن كان مُحِقَّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه) 

عبـــــاد الله :-   والصدق يكون مع الله في الإلتزام بدينه وتطبيق أحكامه وتقديم حبه وحب رسوله صلى الله عليه وسلم على كل حب  قال تعالى ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)  ويكون بإخلاص الأعمال والصدق في التوبة والإنابة ... فالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات يجب أن تكون لله في المنشط والمكره في العسر واليسر قال تعالى ( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) 

 

فالإستقامة على دين الله والمحافظة على العبادات وحب هذا الدين والتضحية من أجله شعار الصادقين وسبيل المؤمنين وسر نجاحهم و قد أثنى الله على المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لصدقهم وتحملهم والتزامهم بهذا الدين فقال تعالى ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) 

 ويكون الصدق في الأقوال وفي الشهادة وفي النصح والدلالة على الخير والتحذير من الشر فلا يكذب المسلم في حديثه مع الآخرين، وقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من أكبر الخيانات فقال: كَبُرَتْ خيانة أن تحدِّث أخاك حديثًا هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب)  وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في الحديث وخلف الوعد وعدّ ذلك من النفاق فقال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)

  وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهادة الزور  وقول الزور وعده العلماء من كبائر الذنوب ...

... وما أكثر ما يباع الإسلام اليوم وأخلاقه وقيمه و تضيع الحقوق والأموال ويرتكب الظلم وتطمس الحقائق بسبب قول الزور وشهادة الزور على المستوى السياسي والإعلامي والإجتماعي .. 

  شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وكان والياً عليها إلى عمر بن الخطاب فقالوا إنه لا يحسن أن يصلي بالناس فقال سعد : أما أنا فو الله ما كنت أصلي بهم إلا صلاة رسول الله فأرسل عمر لجنة تحقيق إلى الكوفة فكانوا يسألون الناس عنه وعن حكمه فيثنون خيراً إلا رجل يقال له أبو سعدة قال : أما إذا أنشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسَّريَّة، فقال سعد وهو يرى هذا الزور والبهتان  اللهم إن كان كاذبًا فأعْم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن، يقول أحد رواة الحديث : فأنا رأيته بعد ذلك قد سقط حاجباه على عينية  يتعرض للإماء والجواري في شوارع الكوفة، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد ...  

 فالصدق في الأقوال يجب أن يكون واضحاً وجلياً في سلوك المسلم في أسرته وفي تعامله مع أولاده وجيرانه وفي وظيفته وفي صحيفته ومجلته ومع طلابه وزملائه .. عن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يومًا -ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا- فقالت: تعالَ أعطِك، فقال لها: (ما أردتِ أن تعطيه؟). قالت: أردتُ أن أعطيه تمرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطِه شيئًا كُتِبَتْ عليك كذبة)  .. ويكون الصدق في التعامل مع الآخرين فالمهندس والبناء والعامل والتاجر وصاحب المصنع يجب أن يقوم كل واحد منهم بواجبه فلا غش ولا خداع ولا انتهازية .. من صدق مع الله يجب أن يصدق مع خلقه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏الْبَيِّعَان ِبِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ـ اَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا ـ فَاِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَاِنْ كَتَمَا وكذبا محقت بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا .

 فالتاجر قد يبيع دينه وهو في متجره يبيع ويشتري وذلك بالغش وإستحلال الأيمان الكاذبة وقد يكون عظيماً محبوباً عند الله وعند خلقه بصدقه وتعامله الحسن ، ..   إنه عندما يسكنُ الصدقُ قلبَ التاجر، ويدَ الصانع، وعينَ الحائك، ولسانَ المحدِّث والسياسي والخطيب، وقلمَ الكاتب والصحفي، ومخطَّطَ المهندس، ووصفة الطبيب، وسلوك المعلم ولسان المسؤل وسلوك الرجل وتعامل المرأة وأخلاق الشباب ..  عندئذٍ تسعد المجتمعات وتزدهر الأوطان وتحفظ الحقوق وتعم السعادة والطمأنينة قلوب الجميع ويحفظ المرء دينه وعقيدته ..

 إنه لا نجاة يوم القيامة إلا بالصدق ولا عظمة ولا سمو في هذه الدنيا إلا بالصدق وإن أبواب الجنة لا تفتح إلا لأهل الصدق عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم 

عبــــــــاد الله :-  إن هذه الأمة أمة صدق ومتى ما تخلى أبنائها عن هذا الخلق ظهرت فيه الخيانة وضاعت من حياتهم الأمانة وظهر بينهم التنازع والفشل وتسلط عليهم العدو وسقطوا من عين الله وعيون الناس ... ويوم أن كانت هذه الأمة تتصف بالصدق وتعمل به كان لهم صوت يسمع ورأي يؤخذ به وهيبةً ورهبةً تترجف من هولها قلوب الملوك وتهتز لعظمتها أقوى الجيوش   ...  

  روى ابن كثير قال :  لما كانت الحرب مع  الروم في جبهة قنسرين  ، فما كان منهم إلاّ أن فرُّوا وتحصنوا في مدينة قنسرين ؛ مدينة من مدنهم محصنة بالجدران المنيعة والأبواب الثقيلة التي لا يقتحمها مقتحم ، فماذا كان من خالد ؟ حاول اقتحامها فما استطاع، حاول أن يحاصرها حصاراً عاماً عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً فما أفلح، استعصت عليه، فما كان منه إلا أن دوَّن رسالة، قال في هذه الرسالة بثبات المؤمن الذي يثق بنصر الله جل وعلا: من خالد بن الوليد أبي سليمان إلى قائد الروم في بلدة قنسرين ... أما بعـد: فأين تذهبون منا؟ والذي نفس خالد بيده! لو صعدتم إلى السحب لأصْعَدَنا الله إليكم، أو لأمْطَركُم علينا ... )  فلما وصلت الرسالة إلى قائد الروم، قرأها فارتعدت فرائصه، وسقطت من بين يديه، وما كان منه إلا أن قال: افتحوا أبواب المدينة، واخرجوا مستسلمين، لا طاقة لنا بهؤلاء... إن العظمة والقوة لم تكن بكثرة الجيوش ولا بعدتها إنما كانت بالصدق مع الله ومع خلقه....

 

عبــــــــاد الله   يجب أن يكون كلٌ مِنَّا مثَلاً وقدوة للآخرين ولنكن دائماً صادقين  أمناء لأننا قد لا نُدرك أبداً من يراقب تصرفاتنا , ويحكم علينا كمسلمين ... وهذه هي العظمة التي ينبغي أن نعيش بها ونحيا بها بين الأمم ثم لنعلم أن الأجر عظيم والمثوبة من الله لا حدود لها لمن صدق وتخلق بأخلاق الصادقين وكان إماماً وقدوة في الخير  قال تعالى (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ)  ولنكثر  من الدعاء (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً)   هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.