السؤال في القبر
فقد
تواترت الاخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كما بينا قبل ذلك
في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين فيجب
اعتقاد ثبوت ذلك والايمان به ولا نتكلم في كيفيته اذ ليس للعقل
وقوف علي كيفيته لكونه لا عهد له به في هذه الدار والشرع لا يأتي
بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ... فإن عود
الروح الي الجسد ليس علي الوجه المعهود في الدنيا بل تعاد اليه اعاده
غير الاعاده المألوفه في الدنيا ..... وقال بن القيم أما احاديث
عذاب القبر ومسائله منكر ونكير فكثيره متواتره عن النبي صلي الله
عليه وسلم
ويقول
صلي الله عليه وسلم ..... ما من شئ لم اكن رأيته الا رأيته في مقامي
هذا حتي الجنه والنار ولقد أوحي الي انكم تفتنون في قبوركم مثل او
قريبا من فتنه المسيح الدجال ..
وبقول
صلي الله عليه وسلم ....... وأما فتنه القبر فبي تفتنون وعني
تسألون فاذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ثم يقال له ما هذا
الرجل الذي كان فيكم ؟ فيقول محمـــــــــــــــــــــد
رســــــــــــــول الله صلي الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله
فصدقناه ..فيفرج له فرجه قبل النــــــــــــار فينظر اليها يحطم بعضها
بعضا فيقال له انظر الي ما وقاك الله ..ثم يفرج له فرجه الي الجنه
فينظر الي زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك منها ويقال له علي
اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث ان شاء الله ....
واذا
كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا فيقال له ما كنت تقول فيقول لا
أدري .. فيقال ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟فيقول سمعت الناس يقولون
قولا فقلت كما قالوا ... فيفرج له فرجه قبل الجنه فينظر الي زهرتها وما
فيها فيقال له انظر الي ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجه قبل النار
فينظر اليها يحطم بعضها بعضا ويقال هذا مقعدك منها وعلي الشك كنت
وعليه مت وعليه تبعث ان شاء الله ....ثم يعذب
ويقول
صلي الله عليه وسلم إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال
من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم
كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء
ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من
الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا
أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي
ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا
يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن
فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به
إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى
السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا
كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها
أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان
له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان
له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك
فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي
فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من
روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب
طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت
فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم
الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من
الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح
فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها
النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما
ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة
عين حتى يجعلوها في تلك المسوحويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه
الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا
الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في
الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ { لا تفتح لهم أبواب السماء }
فيقول
الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد
روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا
أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل
الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي
فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق
عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن
الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك
الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة
السؤال:
هل عذاب القبر على البدن أو على الروح؟
الإجابة: الأصل أنه على الروح
لأن الحكم بعد الموت للروح والبدن جثة هامدة ولهذا لا يحتاج البدن إلى
إمداد لبقائه فلا يأكل ولا يشرب بل تأكله الهوام فالأصل أنه على الروح، لكن
قال شيخ الإسلام ابن تيمية[ ] : إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم
معها، وأن لأهل السنة قولاً آخر بأن العذاب أو النعيم يكون للبدن دون الروح
واعتمدوا في ذلك على أن هذا قد رئي حسّاً في القبر[ ] فقد فتحت بعض
القبور ورئي أثر العذاب على الجسم، وفتحت بعض القبور ورئي أثر النعيم على
الجسم، وقد حدثني بعض الناس أنهم في هذا البلد هنا في عنيزة كانوا يحفرون
لسور البلد الخارجي، فمروا على قبر فانفتح اللحد فوجد فيه ميت أكلت كفنه
الأرض وبقي جسمه يابساً لكن لم تأكل منه شيئاً حتى إنهم قالوا: إنهم رأوا
لحيته وفيها الحنا وفاح عليهم رائحة كأطيب ما يكون من المسك، فتوقفوا
وذهبوا إلى الشيخ وسألوه فقال: دعوه على ما هو عليه واجنبوا عنه، احفروا من
يمين أو من يسار.
فبناء
على ذلك قال العلماء[ ] : إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على
هذا وهذا، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن القبر ليطبق على الكافر حتى تختلف أضلاعه"، فهذا يدل على أن
العذاب يكون على الجسم لأن الأضلاع في الجسم والله أعلم.
السُّؤَال فِي الْقَبْر هَل هُوَ عَام فِي حق الْمُسلمين وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكفَّار أَو يخْتَص بِالْمُسلمِ وَالْمُنَافِق؟
قَالَ
أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب التَّمْهِيد والْآثَار الدَّالَّة تدل
على أَن الْفِتْنَة فِي الْقَبْر لَا تكون إِلَّا لمُؤْمِن أَو مُنَافِق
كَانَ مَنْسُوبا إِلَى أهل الْقبْلَة وَدين الْإِسْلَام بِظَاهِر
الشَّهَادَة وَأما الْكَافِر الجاحد الْمُبْطل فَلَيْسَ مِمَّن يسْأَل عَن
ربه وَدينه وَنبيه وَإِنَّمَا يسْأَل عَن هَذَا أهل الْإِسْلَام فَيثبت
الله الَّذين آمنُوا ويرتاب المبطلون
وَالْقُرْآن
وَالسّنة تدل على خلاف هَذَا القَوْل وَأَن السُّؤَال للْكَافِرِ
وَالْمُسلم قَالَ الله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل
الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين
وَيفْعل الله مَا يَشَاء} وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَنَّهَا نزلت فِي
عَذَاب الْقَبْر حِين يسْأَل من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك
وَفِي
الصحيحن عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي أَنه قَالَ إِن العَبْد إِذا وضع
فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه انه ليسمع قرع نعَالهمْ وَذكر
الحَدِيث زَاد البخارى وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ مَا
كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى كنت أَقُول مَا يَقُول
النَّاس فَيُقَال لَا دَريت وَلَا تليت وَيضْرب بِمِطْرَقَةٍ من حَدِيد
يَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن هَكَذَا فِي البخارى
وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر بِالْوَاو وَقد تقدم فِي حَدِيث أَبى سعيد
الخدرى الذى رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْإِمَام أَحْمد كُنَّا فِي جَنَازَة
مَعَ النَّبِي فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي
قبورها فاذا الْإِنْسَان دفن وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه جَاءَ ملك وَفِي
يَده مطراق فأقعده فَقَالَ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَإِن كَانَ مُؤمنا
قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول لَهُ صدقت فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى
النَّار فَيَقُول هَذَا مَنْزِلك لَو كفرت بِرَبِّك وَأما الْكَافِر
وَالْمُنَافِق فَيَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى
فَيُقَال لَا دَريت وَلَا اهتديت ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة
فَيَقُول لَهُ هَذَا مَنْزِلك لَو آمَنت بِرَبِّك فَأَما إِذْ كفرت فان
الله أبدلك بِهِ هَذَا ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ثمَّ يقمعه
الْملك بالمطراق قمعة يسمعهُ خلق الله إِلَّا الثقلَيْن فَقَالَ بعض
الصَّحَابَة يَا رَسُول الله مَا أحد يقوم على رَأسه ملك إِلَّا هيل عِنْد
ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت
فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل
الله مَا يَشَاء
وَفِي
حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الطَّوِيل وَأما الْكَافِر إِذا كَانَ فِي قبل
من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا نزل عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة من
السَّمَاء مَعَهم مسوح وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ ثمَّ تُعَاد روحه
فِي جسده فِي قَبره وَذكر الحَدِيث وَفِي لفظ فاذا كَانَ كَافِر جَاءَهُ
ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله مَا هَذِه
الرّوح الخبيثة فَيَقُولُونَ فلَان بأسو أَسْمَائِهِ فاذا انْتهى بِهِ
إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا أغلقت دونه قَالَ يرْمى بِهِ من السَّمَاء ثمَّ
قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من
السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} قَالَ فتعاد
روحه فِي جسده ويأتيه ملكان شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه
فَيَقُولَانِ من رَبك فَيَقُول هاه لَا أدرى فَيَقُولَانِ لَا دَريت
فَيَقُولَانِ مَا هَذَا النَّبِي الذى بعث فِيكُم فَيَقُول سَمِعت
النَّاس يَقُولُونَ ذَلِك لَا ادرى فَيَقُولَانِ لَهُ لَا دَريت وَذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى {ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء} وَذكر
الحَدِيث
وَاسم
الْفَاجِر فِي عرف الْقُرْآن وَالسّنة يتَنَاوَل الْكَافِر قطعا كَقَوْلِه
تَعَالَى {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَقَوله
تَعَالَى {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} وَفِي لفظ آخر فِي حَدِيث
الْبَراء وَإِن الْكَافِر إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من
الدُّنْيَا نزل اليه مَلَائِكَة شَدَّاد غضاب مَعَهم ثِيَاب من نَار
وسرابيل من قطران فيحتوشونه فتنزع روحه كَمَا ينْزع السفود الْكثير الشّعب
من الصُّوف المبتل فاذا أخرجت لَعنه كل ملك بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وكل
ملك فِي السَّمَاء
وَذكر
الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ انه ليسمع خَفق نعَالهمْ إِذا ولوا مُدبرين
فَيُقَال يَا هَذَا من رَبك وَمَا دينك وَمن نبنيك فَيَقُول لَا أدرى
فَيُقَال لَا دَريت وَذكر الحَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس
بن خباب عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زَاذَان عَن الْبَراء وَفِي حَدِيث
عِيسَى بن الْمسيب عَن عدى بن ثَابت عَن الْبَراء خرجنَا مَعَ رَسُول فِي
جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ وَإِن
الْكَافِر إِذا كَانَ فِي دبر من الدُّنْيَا وَقبل من الْآخِرَة وحضره
الْمَوْت نزلت عَلَيْهِ مَلَائِكَة مَعَهم كفن من نارو وحنوط من نَار فَذكر
الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فَترد روحه إِلَى مضجعه فيأتيه مُنكر وَنَكِير
يثيران الأَرْض بأنيابهما ويفحصان الأَرْض بأشعارهما أصواتهما كالرعد
القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثمَّ يَقُولَانِ يَا هَذَا من
رَبك فَيَقُول لَا أدرى فينادى من جَانب الْقَبْر لادريت فيضربانه بمرزبة
من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا من بَين الْخَافِقين لم تقل ويضيق عَلَيْهِ
قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه وَذكر الحَدِيث
وَرَوَاهُ
الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن أَبى النّظر هَاشم بن الْقَاسِم حَدثنَا
عِيسَى بن الْمسيب فَذكره وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة عَن خصيف عَن
مُجَاهِد عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار ومعنا
رَسُول الله فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ وَقَالَ رَسُول الله وَإِذا
وضع الْكَافِر أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك
فَيَقُول لَا أدرى فَيَقُولَانِ لَهُ لادريت الحَدِيث وَقد تقدم
وَبِالْجُمْلَةِ
فعامة من روى حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ فِيهِ وَأما الْكَافِر
بِالْجَزْمِ وَبَعْضهمْ قَالَ وَأما الْفَاجِر وَبَعْضهمْ قَالَ وَأما
الْمُنَافِق والمرتاب وَهَذِه اللَّفْظَة من شكّ بعض الروَاة هَكَذَا فِي
الحَدِيث لَا أدرى أى ذَلِك قَالَ وَأما من ذكر الْكَافِر والفاجر فَلم
يشك وَرِوَايَة من لم يشك مَعَ كثرتهم أولى من رِوَايَة من شكّ مَعَ
انْفِرَاده على أَنه لَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ فان الْمُنَافِق
يسْأَل كَمَا يسْأَل الْكَافِر وَالْمُؤمن فَيثبت الله أهل الْإِيمَان ويضل
الله الظَّالِمين وهم الْكفَّار والمنافقون وَقد جمع أَبُو سعيد الخدرى
فِي حَدِيثه الذى رَوَاهُ أَبُو عَامر العقدى حَدثنَا عباد بن رَاشد عَن
دَاوُد بن أَبى هِنْد عَن أَبى نَضرة عَن أَبى سعيد قَالَ شَهِدنَا مَعَ
رَسُول الله جَنَازَة فَذكر الحَدِيث وَقَالَ وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو
منافقا يَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى وَهَذَا
صَرِيح فِي أَن السُّؤَال للْكَافِرِ وَالْمُنَافِق وَقَول أَبى عمر رَحمَه
الله وَأما الْكَافِر الجاحد الْمُبْطل فَلَيْسَ مِمَّن يسْأَل عَن ربه
وَدينه فَيُقَال لَهُ لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من جملَة المسئولين وَأولى
بالسؤال من غَيره وَقد أخبر الله فِي كِتَابه أَنه يسْأَل الْكَافِر يَوْم
الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم
الْمُرْسلين} وَقَالَ تَعَالَى فوربكم لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا
يعْملُونَ وَقَالَ تَعَالَى {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن
الْمُرْسلين} فَإِذا سئلوا يَوْم الْقِيَامَة فَكيف لَا يسْأَلُون فِي
قُبُورهم فَلَيْسَ لما ذكره أَبُو عمر رَحمَه الله وَجه
هل
سؤال منكر ونكير هل هو مختص بهذه الأمة، أو يكون لها ولغيرها؟؟؟
هذا
موضع تكلم فيه الناس، فقال أبو عبد الله الترمذي: "إنما سؤال الميت في هذه
الأمة خاصة، لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبوا كفت
الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمدا بالرحمة إماما
للخلق، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل
في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ الإيمان[ ] في قلبه
فأمهلوا، فمن ها هنا ظهر أمر النفاق[ ] ، وكانوا يسرون الكفر ويعلنون
الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قبض الله لهم فتاني
القبر[ ] ليستخرجا سرهم بالسؤال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، فـ{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}
[إبراهيم: 27]".
وخالف
في ذلك آخرون منهم عبد الحق الأشبيلي والقرطبي، وقالوا: "السؤال لهذه
الأمة ولغيرها"، وتوقف في ذلك آخرون منهم أبو عمر بن عبد البر، فقال: "وفي
حديث زيد بن ثابت عن النبي[ ] أنه قال: «إنَّ هذهِ الأمةَ تُبتلى في
قبورها» (رواه مسلم)، ومنهم من يرويه: "تسأل" وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون
هذه الأمة خصت بذلك، فهذا أمر لا يقطع عليه" .
وقد
احتج من خصه بهذه الأمة بقوله: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها»، وبقوله
«أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم» (صحيح الجامع، رقم: 5722)، وهذا ظاهر في
الاختصاص بهذه الأمة، قالوا ويدل عليه قول الملكين له: «ما كنتَ تَقولُ في
هذا الرجلِ؟ قال: فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنهُ عبدُ اللهِ ورسولُهُ»
(رواه مسلم)، فهذا خاص بالنبي وقوله في الحديث الآخر: «وأما فتنة القبر فبي
تفتنون، وعني تسألون» (صحيح الجامع، رقم:1361)
وقال
آخرون لا يدل هذا على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم، فإن قوله:
«إن هذه الأمة» إما أن يراد به أمة الناس، كما قال تعالى: {وَمَا مِن
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} [الأنعام:38]، وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة،
وفي الحديث: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها» (سنن الترمذي).
وفيه أيضا حديث: «قرصت نملة نبيًا من لأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت،
فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح» (رواه البخاري[ ]
)، وإن كان المراد به أمته الذي بعث فيهم، لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم
من الأمم، بل قد يكون ذكرهم إخبارًا بأنهم مسئولون في قبورهم، وأن ذلك لا
يختص بمن قبلهم، لفضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم. وكذلك قوله: «أوحي
إلي أنكم تفتنون في قبوركم» (صحيح الجامع، رقم:5722)، وكذلك إخباره عن قول
الملكين: «ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ؟ قال: فأمَّا المؤمنُ فيقولُ:
أشهدُ أنهُ عبدُ اللهِ ورسولُهُ» (رواه مسلم)، هو إخبار لأمته بما تمتحن به
في قبورها، والظاهر -والله أعلم- أن كل نبي مع أمته كذلك، وأنهم معذبون في
قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم، كما يعذبون في الآخرة بعد
السؤال وإقامة الحجة، والله سبحانه وتعالى أعلم"
هل
يُفتن غير المكلفين من الأطفال والمجانين في قبورهم؟؟؟؟
ج: يقول
الدكتور عمر سليمان الأشقر كما في "القيامة الصغرى" (ص 47):إنه جاء في
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/257): أن الفِتنة عامَّة لجميع المكلَّفين،
إلا النبيِّين، فقد اختُلف فيهم[1]، وإلَّا الشهداء والمرابطين، ونحوهم
ممن جاءت النصوص دالَّة على نجاتهم من الفتنة. واختُلف في غير المكلَّفين
من الصبيان والمجانين، فقد ذهب جمع من العلماء إلى أنهم لا يُفتنون، وممن
قال بهذا القاضي أبو يعلى وابن عقيل، ووِجْهة نظر هؤلاء أن المحنة تكون لمن
كلف، أمَّا من رُفع عنه فلا يدخل في المحنة؛ إذ لا معنى لسؤاله عن شيء لم
يكلَّف به.وقال آخرون: "بل يفتنون، وهذا قول أبي الحكيم الهمداني وأبي
الحسن ابن عَبدُوس، ونقله عن أصحاب الشافعي، وقد روى مالك وغيره عن أبي
هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على طفل،
فقال: ((اللهمَّ قِهِ عذابَ القبر وفتنةَ القبر))، وهذا القول موافق لقول
من قال: إنهم يمتحنون في الآخرة، وإنهم مكلفون يوم القيامة، كما هو قول
أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن
الأشعري عن أهل السنة واختاره هو، وهذا مقتضى نصوص الإمام أحمد؛ اهـ (راجع
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 4/257-277). قال الإمام ابن
قيم الجوزية في كتابه "الروح" (ص 117، 119): "أما المسألة الثالثة عشرة:
وهي أن الأطفال هل يُمتحنون في قبورهم؟اختلف الناس في ذلك على قولين: هما
وجهان لأصحاب أحمد، وحجة من قال: إنهم يسألون: أنه يشرع الصلاة عليهم،
والدعاء لهم، وسؤال الله أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر.كما ذكر مالك في
"موطئه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
صلَّى على جنازة صبي فسُمع من دعائه: ((اللَّهمَّ قِهِ عذابَ
القبر)).واحتجوا بما رواه عليُّ بن معبد عن عائشة رضي الله عنها: "أنه مرَّ
عليها بجنازة صبي صغير، فقيل لها: ما يُبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا
الصبي، بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر". واحتجوا بما رواه هنَّاد بن
السَّري: ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي
هريرة - رضي الله عنه - قال: "إن كان ليُصلى على المنفوس ما إن عمل خطيئة
قط، فيقول: اللَّهم أجِرْه من عذاب القبر". قالوا: "والله سبحانه يُكمل لهم
عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويُلهمون الجواب عما يُسألون عنه"، قالوا:
"وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة،
وحكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث، "فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع
امتحانهم في القبور". وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه:أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلَّى على
جنازة يقول: ((اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا
وكبيرنا، وذكَرِنا وأُنثانا، اللَّهم من أحييتَه منَّا فأحيه على الإسلام،
ومن توفَّيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهُمَّ لا تحرمنا أجره ولا تضلنا
بعده))
قال
الآخرون: السؤال إنما يكون لمن عَقل الرسولَ والمُرسل، فيُسأل هل آمن
بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: "ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث
فيكم؟" فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنتَ تقول
في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟! ولو رُدَّ إليه عقله في القبر، فإنه لا
يُسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا
بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولاً ويأمرهم
بطاعة أمره وعقولهم معهم، فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار، فذلك
امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في
الدنيا من طاعة أو عصيان، كسؤال الملكين في القبر. وأما حديث أبي هريرة رضي
الله عنه: فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل، على ترك طاعة أو فِعل
معصية قطعًا، فإن الله لا يُعذِّب أحدًا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد
يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبةً على عمل عمله،
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت ليعذَّب ببكاء أهله عليه)) أي:
يتألَّم بذلك ويتوجَّع منه، لا أنه يُعاقَب بذنب الحي، ﴿ وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]، وهذا كقول النبي صلى الله عليه
وسلم: ((السَّفر قِطعةٌ من العذاب))؛ (البخاري ومسلم). فالعذاب أعمُّ من
العقوبة، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره
إلى الطفل، فيتألم به، فيُشرَع للمصلِّي عليه أن يسأل الله تعالى له أن
يقيه ذلك العذاب، والله أعلم"
إن الله تبارك وتعالى إذا شاء أطْلَعَ
بعضَ عباده في دار الدنيا على عذاب أهل القبور، وقد أعطى الله رسوله القدرة
على سماع المعذبين في قبورهم؛ ففي الحديث الذي يرويه مسلم في "صحيحه" عن
زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في
حائط لبني النجَّار على بَغلة له، ونحن معه، إذ حادت به[1] فكادت تُلقيه،
وإذا أقبُرٌ ستَّة أو خمسة أو أربعة، فقال: ((مَن يعرف أصحابَ هذه
الأقبُر؟)) فقال رجل: أنا، قال: ((فمتى مات هؤلاء؟)) قال: ماتوا في
الإشراك، فقال: ((إن هذه الأمُّة تُبتلى في قُبورها، فلولا ألا تدافنوا[2]
لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القَبر الذي أسمع منه)). وفي "صحيحي
البخاري ومسلم" و"سنن النسائي" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: خرج
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما غَربت الشَّمس، فسَمع صوتًا،
فقال: ((يَهودُ تُعذَّب في قبورها)). ويدل على سماع الرَّسول - صلى الله
عليه وسلم - للمعذَّبين في قبورهم الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم في
"صحيحيهما" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه: أن الرسول - صلى الله
عليه وسلم - مرَّ بقبرين، فقال: ((إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في
كبير...)) الحديث. • وعذابُ القبر تَسمعه البهائم أيضًا، وقد مرَّ بنا في
الحديث السابق، والذي رواه مسلم عن زيد بن ثابت: "بينما النبي - صلى الله
عليه وسلم - في حائط لبني النَّجار على بغلة له ونحن معه؛ إذ حادت به فكادت
أن تلقيَه، وإذا أقبُر سِتة أو خمسة أو أربعة...".قال القرطبي - رحمه الله
- في هذا الحديث، كما جاء في كتاب "التَّذكرة" (ص 163): وإنما حادَت به
البغلة لمَّا سمِعت من صَوت المعذَّبين، وإنما لم يسمعه من يَعقل من الجن
والإنس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن
يُسمعكم من عذاب القبر)). وفي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
"دخلتْ عَليَّ عجوزٌ من عَجائز يهودِ المدينة، فقالت: إن أهل القبور
يُعذَّبون في قبورهم، قالت: فكذَّبتُها، ولم أنعم أن أصدقها، قالت:
فخرَجَت، ودخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسول
الله، إن عجوزًا من عجائز يهود أهل المدينة دخلت فزعمت أن أهل القبور
يُعذَّبون في قبورهم، قال: صَدَقَت، إنهم يُعذَّبون عذابًا تسمعه البهائم
كلُّها، قالت: فما رأيتُه بعدُ في صلاة إلا يَتعوَّذ من عذاب القبر".قال
ابن القيم كما في كتاب "الروح" (ص 72):"وقال بعض أهل العلم: ولهذا السبب
يذهب الناس بدوابهم إذا مَغَلَت إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين
كالإسماعيلية، والنُّصَيْرِيَّة، والقَرامِطة من بني عُبيد... وغيرهم الذين
بأرض مصر والشام، فإن أصحاب الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور
اليهود والنصارى، قال: فإذا سمعت الخيل عذاب القبر أحدَثَ لها ذلك فزعًا
وحرارة تذهَب بالمغل[3]. وقد قال عبدالحق الإشبيلي: "حدثني الفقيه أبو
الحكم بن برخان - وكان من أهل العلم والعمل - أنهم دَفنوا ميِّتًا بقريتهم
في شرق إشبيليَّة، فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحيةً يتحدَّثون ودابَّة ترعى
قريبًا منهم، فإذا بالدابَّة قد أقبلت مُسرعةً إلى القبر، فجعلت أُذنَها
عليه كأنها تسمع، ثم ولَّت فارَّةً، ثم عادت إلى القبر، فجعلت أذنها عليه
كأنها تسمع، ثم ولَّت فارَّة، فعلت ذلك مرَّة بعد أُخرى، قال أبو الحكم:
فذكرتُ عذاب القبر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهم ليُعذَّبون
عذابًا تسمعه البهائم)
هل الأنبياء يُفتنون ويُسألون في قبورهم؟
قال ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" (ص 110):
وقد اختُلف في الأنبياء: هل يسألون في قبورهم؟ على قولين: وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره؛ اهـ.
والراجح أنهم لا يسألون، فقد جاء في الحديث: ((ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ يقصد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم".
وكذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - والذي أخرجه الإمام أحمد وفيه: ((ما هذا الرَّجل الذي بُعث فيكم؟)).
ومن هذين الدَّليلَين يتبيَّن: أن السؤال عن الأنبياء، وأنهم بذلك لا يُسْألون بل يُسأل عنهم.
وكذلك
حديث جابر - رضي الله عنه - وهو في "صحيح مسلم" في حَجَّة النبي - صلى
الله عليه وسلم - وفيه: ((وأنتم تسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟))، فهذه
الرواية تفسِّر الروايات الأخرى، والله أعلم.
تنبيه:
وهناك جملة أيضًا من الذين لا يُفْتنون في قبورهم، وهم:
من يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة من المسلمين
فقد
أخرج الإمام أحمد والتِّرمذي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة
الجمعة، إلا وقاهُ الله فتنة القبر))؛ (صحيح الجامع: 5773).
من مات مرابطًا في سبيل الله
أخرج
الترمذي وأبو داود عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: ((كل ميِّت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا[1]
في سبيل الله؟ فإنه يُنمَّى له عمله يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر)).
مَن مات بداءِ البطن:
فقد أخرج النسائي والترمذي عن عبدالله بن يَسار قال:
"كنت جالسًا وسليمان بن صُرَد، وخالد بن عُرْفُطة، فذكروا أن رجلاً توفِّي
مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهِدَا جنازتَه، فقال أحدهما للآخر:
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يقتله بطْنُه فلن يُعذب في
قبره))؟ فقال الآخر: بَلى، وفي رواية: صَدَقتَ".4- مَن مات شهيدًا في أرض
المعركة: فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن المِقدام بن مَعدِ يكَرِب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشَّهيد عند الله ستُّ خصال: يُغْفَر
له في أول دفعة، ويَرى مقعده في الجنَّة، ويُجار مِن عذاب القَبر، ويَأمَن
الفَزع الأكبر، ويُوضَع على رأسِهِ تاجُ الوقار، الياقوتَةُ منها خير من
الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجة من الحُور العِين، ويُشفَّع
في سبعين من أقربائه)).وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين
يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: ((كفى ببارقة السُّيوف على رأسه فتنة)).
ما مصير أطفال المسلمين الذين ماتوا في الصِّغَر
ج: قالت طائفة من أهل العلم: "إنهم في الجنة"ودليل
ذلك ما أخرجه أحمد والحاكم وابن حبَّان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم - عليه
السلام - في الجنة)).وعند الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: ((أولاد المسلمين في جبل في الجنة، يكفلهم
إبراهيم وسارة - عليهما السلام - فإذا كان يوم القيامة دُفعوا إلى
آبائهم)).• وذهبت طائفة: إلى أنه يُشهَد لأطفال المؤمنين عمومًا أنهم في
الجنَّة ولا يُشهد لآحادهم، كما يشهد للمؤمنين عمومًا أنهم في الجنة، ولا
يشهد لآحادهم، وهو قول إسحاق بن راهويه، نقله عن إسحاق بن منصور وحرب في
مسائلهما.ولعل هذا يرجع إلى الطِّفل المُعين لا يُشهَد لأبيه بالإيمان، فلا
يُشهَد له حينئذ أنه من أطفال المؤمنين، فيكون الوقف في آحادهم كالوقف في
إيمان آبائهم. • وحكى ابن عبدالبر عن طائفة من السلف: القول بالوقف في
أطفال المؤمنين. واستدل القائلون بالوقف، بما أخرجه مسلم من حديث فُضيل بن
عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت:
"تُوفِّي صبيٌ، فقلتُ: طُوبى له، عُصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((أَوَلا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق
لهذه أهلاً ولهذه أهلاً؟)). ويعارض هذا ما خرَّجه مسلم، من حديث أبي
السليل، عن أبي حسان، قال: "قلت لأبي هريرة رضي الله عنه: إنه قد مات لي
ابنتان، فما أنت مُحدِّثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تطيب
به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم، ((صِغارُهم دعاميصُ أهل الجنة، يتلقَّى
أحدهم أباه - أو قال: أبويه - فيأخذ بثوبه، أو قال بيده: فلا يَنتهي حتى
يُدخله الله وأباه الجنة))؛ (مسلم). وفي "الصحيحين" عن أنس - رضي الله عنه -
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من الناس مُسلم يموت له ثلاثةٌ
من الولد لم يبلغوا الحِنث إلا أدخله اللهُ الجنةَ بفضل رحمته إياهم)).
ولهذا قال الإمام أحمد: "هو يرجى لأبويه، فكيف يُشك فيه؟! يعني: أنه يُرجى
لأبويه بسبَبه دخولُ الجنَّة. ولعلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى
أولاً عن الشَّهادة لأطفال المُسلمين بالجنة قبل أن يطَّلع على ذلك؛ لأن
الشهادة على ذلك تحتاج إلى علم به، ثم اطَّلع على ذلك فأخبر به، والله
أعلم. قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "أهوال القبور" (ص 132): "بقية
المؤمنين سوى الشهداء ينقسمون إلى: أهل تكليف، وغير أهل تكليف، فهذا قسمان:
أحدهما: غير أهل التكليف؛ كأطفال المؤمنين، فالجمهور على أنهم في الجنة،
وقد حكى الإمام أحمد الإجماع على ذلك، وكذلك نص الشافعيُّ على أن أطفال
المسلمين في الجنة، وجاء صريحًا عن السَّلف على أن أرواحهم في الجنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق