أسباب النجاة من عذاب القبر
اخوتي فإن أكبر ما يقلق أهل الإيمان، ويفزع أهل الإحسان، هو مصيرهم يوم خروجهم من هذه الدنيا، إلى أين الذهاب؟ إلى رحمة أم عذاب؟ إلى نعيم أم جحيم؟ فلقد رأينا أكثر الناس يجتهدون كل الاجتهاد لاجتناب أسباب المرض وأسباب الفقر، يتخذون جميع الأسباب لئلا يقعوا في آفات الدنيا ومصائبها، فأولى بهم أن يجتهدوا لاجتناب العذاب الذي لا ريب في وقوعه، ونحن نعلم أن أكثر الناس له معرَّضون، والناجون منه قليلون، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، تراها بالحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، قد حيل بينها وبين أمانيها، تالله لقد وعظتْ فما تركت لواعظ من مقال، ونادت: يا عُمّار الدنيا لقد عمرتم دارا موشكة على الزوال، وخربتم داراً هي لكم دار المآل، عمرتم بيوتاً لغيركم سُكناها، وخربتم دارا ليس لكم سواها.
فاعلموا أن الأسباب المنجية من عذاب القبر سبعة:
أولا : - من
أسباب النجاة من عذاب القبر ؟ الدعاء والتعوذ بالله منه: فلم يُعبد
الله تعالى بمثل الدعاء، فهو العبادة كما قال رسول الله . إنه التذلل
والخضوع والافتقار له سبحانه، فأكثروا من أن تقولوا: اللهم إني أعوذ بك من
عذاب القبر، كأنك بدعائك تقول: اللهم إنه لا حول لي ولا قوة، وسأقدم يزما
على القبر، فليس لي سوى عفوك ومنِّك وكرمك.
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظم ذنبـي فلمـا قرنتـه بعفوك ربي كان عفوك أعظما
ولما
كان معظم الناس يتهاونون بالدعاء، وينسون التعوذ بالله من عذاب القبر،
علمنا رسول الله وأمرنا أن نقول في آخر صلاتنا بعد التحية قبل السلام:
((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا
والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال))، حتى إن بعض السلف كان يأمر من لم
يقل هذا الدعاء بإعادة الصلاة.
كما علمنا رسول الله أن نقول في جملة أذكار الصباح والمساء: ((ربِّ، أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)).
إذا
رآك الله تعالى وسمعك تتضرع إليه بذلك، تسأله النجاة من أعظم المهالك،
فإنه يستحي أن يرد عبده خائباً وهو القائل: ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ
[غافر:60]، وهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعـدّ لكل ما يُتوقع
يا من يُرَجَّـى في الشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع
ثانيا : -اجتناب
الأسباب الموجبة لعذاب القبر والتوبة إلى الله منها: ومن تلك الأسباب ترك
الصلاة حتى يخرج وقتها، والافتراء والكذب على الناس، وأكل الربا، والزنا،
وأذى المرأة لزوجها وجيرانها، وإتعاب المرأة زوجها بالنفقة، وإفطار يوم من
رمضان لغير عذر، والغلول، والمشي بالنميمة، وترك الاستبراء من البول.
يقول
ابن القيم رحمه الله تعالى: إن ارتكاب ما هو أعظم من هذا يوجب عذاب القبر
من باب أولى، قال: فالذي ينقل الأخبار ليوقع العداوة بين المسلمين وإن كان
صادقاً عذِّب في قبره، فما بالك بمن يكذب في ذلك؟! فهو أشد عذاباً، ومن ترك
الاستنزاه من البول الذي هو بعض واجبات الصلاة، فالذي يترك الصلاة أعظم
منه عذاباً، والذي سرق شملة من المغنم وله فيها حق لأنه قاتل عذِّب في
قبره، فما بالك بمن يأخذ ما ليس له فيه حق؟! إذن فليسارع العبد إلى التوبة
من ذلك كله.
ثالثا : - قراءة سورة الملك: أي حفظها والمبادرة إلى فهمها، فقد روى أصحاب السنن عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن سورة في القرآن ثلاثون آية
شفَعَت لصاحبها حتى غفر له: تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ)). وصح
أن النبي سماها المانعة.
لذلك ثبت عن جمع من السلف أنهم كانوا يعلّمون أهليهم وأولادهم سورة الملك، ولا ينامون حتى يقرؤوها.
رابعا : - الشهادة
في سبيل الله: فقد روى الترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب قال: قال
رسول الله : ((للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده
من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج
الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة
من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه)).
وروى
النسائي أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم
إلا الشهيد؟! فقال رسول الله : ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)).
خامسا : - الموت
مرابطاً في سبيل الله: والرباط هو الإقامة بثغور البلدان الإسلامية
وحدودها لحراستها من العدو، وفضل الرباط عظيم، فقد روى مسلم عن سلمان
الفارسي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((رباط يوم وليلة خير من
صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه،
وأمِن الفتّان)).
وفي
سنن الترمذي عن فضالة بن عبيد أن النبي قال: ((كل ميت يختم له على عمله
إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه ينمَّى له عمله إلى يوم القيامة،
ويأمن من فتنة القبر)).وهناك
مبشرات للعبد تبشره وتبشر كل من يحبه بأنه ناجٍ إن شاء الله من عذاب
القبر، قد عدّها بعض العلماء أسباباً، وفي الحقيقة هي ليست من عمل العبد،
لذلك نعدها من المبشرات:
سادسا : -الموت بداء البطن: ففي سنن الترمذي والنسائي بسند صحيح عن عبد الله بن يسار قال: كنت جالساً وسليمان بن صُرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا حضرا جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله : ((من قتله بطنه فلن يعذّب في قبره))؟! فقال الآخر: بلى.
سابعا : - الموت
يوم الجمعة: ففي سنن أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو عن
النبي قال: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله
فتنة القبر)).
هذه
ـ اخوتنا ـ أسباب العذاب وأسباب النجاة من عذاب القبر، ذكرناها لإخواننا
المؤمنين، فمن صدرت منه هفوة توجب له العذاب جاءت أسباب النجاة بألف شفيع،
ولا أذكركم إلا بأهمها: الدعاء واجتناب أسباب العذاب وإلى الله المرجع
والمآب.
فنسأل
الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يجيرنا
وإياكم من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة
المسيح الدجال والحمد لله رب العالمين...
أسأل الله ان ينجينا من عذاب القبر يارب العالمين وان يجمعنا واياكم في جنته ودار كرامته إخوانا علي سرر متقابلين ..
يتابع من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق