أسمه ونسبه ونشأته :
هو الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعفي البخاري أمير مؤمنين في الحديث المولود سنة 194هجري المتوفي سنة 256 هجري صاحب " الجامع الصحيح " احد الكتب الستة التي مدار الإسلام عليها واصح كتاب بعد كتاب الله عزوجل وأصح ما جمعه البشر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
شيوخه وتلامذته :
كان أول أمره – رحمه الله – أن أُلهم حب الحديث في الكُتّاب وهو صغير ابن عشر سنين وعند بلوغه سن التكليف خرج من بخارى بنية الحج مع أمه وأخيه الأكبر وأقام بمكة لطلب الحديث ولما بلغ سن الثامنة عشرة صنف كتاب " قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم " ثم رحل إلى عدة بلدان في طلب الحديث فكتب بخراسان – إيران - ومدن العراق والحجاز ومصر والشام ..
ومن خلال رحلات البخاري في طلب الحديث لقيا كبار علماء الأمصار فكان شيوخه يزيدون على الألف شيخ منهم إمام أهل السنة والجماعة وكبير علماء المسلمين في زمانه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة ( 241 هـ ) وعالم خراسان إسحاق بن راهوية الحنظلي المتوفى سنة ( 238هـ ) ومحمد بن يوسف البيكندي والمسندي ومكي بن إبراهيم وأبو عاصم النبيل وغيرهم كثير من أهل العلم والفضل .
هيئتـه وعلمـه :
وأما عن هيئته وعلمه فكان البخاري – رحمة الله – نحيفاً ليس بطويل ولا بالقصير إلى السُمرة اقرب . قال محمد بن إسحاق بن خزيمة : " ما تحت أديم السماء اعلم بالحديث من البخاري " ولما دخل البخاري إلى بغداد سمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر و دفعوا إلى عشرة أشخاص منهم كل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقون ذلك على البخاري ثم تواعدوا على امتحانه في وقت محدد ومجلس معين فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الخرسانيين والبغداديين وغيرهم فلما اطمأن المجلس بأصحابه انتدب إليه واحد من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري : " لا اعرفه " فسأله عن آخر فقال : " لا أعرفه " فما زال يُلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول : " لا اعرفه " فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون : " الرجل فهم " ومن كان منهم ضدَّ ذلك يضن أن البخاري قد عجز وقصر ولم يفهم ثم انتدب رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري : " لا أعرفه " فسأله عن آخر فقال : " لا أعرفه " فلم يزل يلقي يزل يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول : " لا اعرفه " ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على قوله : " لا أعرفه " فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال : أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فردَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين كذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل .
وأما عقيدته فلا شك أن أبى عبد الله البخاري من كبار علماء الملة الإسلامية وإمام من أئمة المسلمين وأن أقواله في باب الاعتقاد حُجة ناصعة وخير دليل على ذلك ما قاله في صحيحة في أماكن متفرقة .. فمثلاً قال في تعريف الإيمان : " هو قول وفعل ويزيد وينقص " ويريد بذلك أن يقرر عقيدة أهل السنة ويرد على المرجئة الذين لا يرون زيادة ونقصان الإيمان .
وفي باب أسماء الله وصفاته قال في أخر الصحيح في " كتاب التوحيد " : ( باب قول الله تعالى : { وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } ) ويريد بذلك إثبات السمع والبصر لله , وقال : ( باب قول الله تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } ) يريد إثبات النفس لله , وقال ( باب قول الله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } ) يريد إثبات الوجه لله تعالى , وقال ( باب قول الله تعالى : {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ) يريد إثبات اليدين لله تعالى وغير ذلك من الأبواب التي تدل على عقيدة البخاري – رحمه الله - الموافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة .
وأما موقفه من بعض أهل البدع والزنادقة فقال في كتاب خلق أفعال العباد في حكم الجهمية والرافضة : " ما أبالي أصليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى .. ولا يُسلم عليهم ولا يُعادون ولا يُناكحون ولا يشهدون ولا تُؤكل ذبائحهم
مؤلفـاتـه :
وأما مؤلفات أبي عبد الله البخاري فهي كثيرة ومن أجلها كتاب " الجامع الصحيح " المعروف بصحيح البخاري فقد جمع اصح الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان سبب تصنيفه للجامع انه كان في مجلس إسحاق بن راهوية فقال إسحاق : " لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح " . وقال البخاري : " ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين " وقال الفَرْبري : " سمعه منه – أي الصحيح – تسعون ألفاً وأمضى في تأليفه ست عشر سنة " .
ومن كتبه كتاب " الأدب المفرد " سماه بهذا الاسم لكي يُعرف انه غير كتاب الأدب الموجد ضمن الصحيح و كتاب " رفع اليدين في الصلاة " وكتاب " التاريخ الكبير " وكتاب " التاريخ الأوسط " وكتاب " التاريخ الصغير " وكتاب " خلق أفعال العباد " وغيرها
وفـاتــه :
ومع هذا فقد كان البخاري على تقوى وزهد وورع وشجاعة وحسن أخلاق راغباً في الآخرة معرضاً عن الدنيا قال – رحمه الله – حاثاً على اغتنام الأوقات :
أغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلته
وكان من العجائب التي حصلت لأبي عبد الله البخاري أنه وقع له ذلك أو قريب منه حيث توفي في خرتنك من بلاد سمرقند سنة ( 256 هـ ) بعد خروجه من البيت بعشرين خطوة أحس بضعف ثم أضطجع فدعا بدعوات ومات بعدها - رضي الله عنه وأرضاه - .
المراجـع :
1/ وفيات الأعيان لأبن خلكان . دار صادر 4/ 188 .
2/ تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي . دار إحياء التراث العربي 2/ 555 .
3/ تهذيب الكمال للحافظ أبي الحجاج المزي . مؤسسة الرسالة , بيروت .
4/ هدي الساري مقدمة فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني قسم ترجمة البخاري . مكتبة العبيكان 501 .
5/ خلق أفعال العباد . دار أطلس الخضراء , الرياض .
6/ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري لشهاب الدين القسطلاني . مكتبة عباس الباز , مكة المكرمة .
بسم الله ما شاء الله .....جزاك الله خيرا ونفع بك .... وزادك الله علما وخلقا وورعا
ردحذف