بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
إن التعدي على العباد و أخذ حقوقهم بغير حق ، حتى و إن كانوا كفارا أمره عظيم عند الله جل جلاله، فعلينا أن لا نستهين بذلك و لو كان شيئا يسيرا .أيها الأحبةإن للظلم مرارة و شدة على النفس يَشعر بها المظلوم ،ولذلك حرمه ربنا جل جلاله على نفسه، وجعله بين الخلائق محرما، فعن أبي ذر-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:قال الله تبارك و تعالى:" يا عبادي إني حَرَّمْتُ الظلم على نفسي، وجعَلْتُهُ بينكم مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا ..."
قال شيخ الإسلام ابن تيمية–رحمه الله-:"فإن هذا خطاب لجميع العباد أن لا يظلم أحد أحدا،وأمر العالم في الشريعة مبنى على هذا، وهو: العدل في الدماء والأموال و الأبضاع والأنساب والأعراض"
أيها الكرام
إن الظالم لما أعجبته نفسه وطغى عليه حب الذات استحقر غيره وأخذته العزة بالإثم، فنراه إذا أخطأ لا يُقر بخطئه ،و إذا اسْتُنصح لا يقبل النصيحة ،و الله المستعان.ونسي هذا الضعيف ! أن ظلمه للناس وبال عليه في الدنيا و خزي و ندامة يوم القيامة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -:"إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة".
فالظالم متوعد في هذه الدار الفانية بالعقاب، فإن أمهله الله جل جلاله و لم يؤاخذه مباشرة بجريرته، فإنه سبحانه لن يُهمله بل سيأخذه أخذ عزيز مقتدر إذا لم يبادر بالتوبة إلى الله وذلك بالرجوع عن ظلمه و الاستغفار عن ما فعله.
فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله عز وجل ليملي - يؤخر- للظالم، حتى أَخَذَهُ لم يُفْلِتْهُ – لم يطلقه-"، ثُمَّ قَرَأَ ( وَكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إِن أخذه أليمٌ شديدٌ )
قال الحافظ المناوي–رحمه الله-:"وفيه تسلية للمظلوم، ووعيد للظالم، وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال".فيض القدير( 2/4)فلا يَحسب الظالم أن الله يخفى عليه ما يفعل أو هو غافل عنه ، قال تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" حيث أمهلهم ،وأدر عليهم الأرزاق وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم ، فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما ، حتى إذا أخذه لم يفلته ". تفسير السعدي (ص 427)هذا جزاءه في الدنيا أما في الآخرة فعقابه أشد ، نسأل الله العافية ، فظلمه ظُلمةٌ عليه ووبال، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الظلم ظلمات يوم القيامة " .
قال ابن الجوزي –رحمه الله-:"وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب ، ولو استنار بنور الهدى لنظر في العواقب ، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي اكتسبوه في الدنيا من التقوى ظهرت ظلمات الظالم فاكتنفته".
فيا أيها الظالم تذكر أن ظلمك وتعديك على الناس بأكل حقوقهم و الكلام في أعراضهم سيؤدي بك إلى الإفلاس يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلن تجد ما ينفعك بعد أن وزعت حسناتك التي جنيتها في الدنيا على من ظلمتهم، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أَتَدْرُونَ ما الْمُفْلِسُ"؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال" إِنَّ الْمُفْلِسَ من أُمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا وقَذَفَ هذا ،وأَكَلَ مَالَ هذا، وَسَفَكَ دَمَ هذا وَضَرَبَ هذا، فَيُعْطَى هذا من حَسَنَاتِهِ وهذا من حَسَنَاتِهِ،فإن فنيت حَسَنَاتُهُ قبل أَن يُقْضَى ما عليه أُخِذَ من خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عليه ثم طُرِحَ في النار ".
قال الإمام النووي–رحمه الله- :"وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلسا! وليس هو حقيقة المفلس، لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته،وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته،وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المُقطِع،فتؤخذ حسناته لغرمائه،فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه
فيا أيها المخلوق اتق الله في نفسك و في غيرك و احذر من ظلم الناس، و اتق دعوتهم ، وإن كانوا فجارا ، فإنها مستجابة ولو بعد حين ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"دعوة المظلوم مستجابة،وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه"
فإن كنت قد ظلمت الخلق فبادر بالتخلص من خطيئتك والتوبة منها في الدنيا قبل أن يُقتص منك يوم القيامة ويؤخذ حتى من حسناتك ، والله المستعان .
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من كانت عنده مَظْلِمَةٌ لأخيه فَلْيَتَحَلَّلْهُ منها،فإنه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ من قبل أن يُؤْخَذَ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذَ من سيئات أخيه فَطُرِحَتْ عليه"
.
فالله أسأل أيها الأحبة أن يعيذنا و إياكم من ظلم الناس و التعدي عليهم ، وأن يرزقنا العدل و الإنصاف في أمورنا كلها فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .
اللهم امين وجزاك الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتك اخي في الله
ردحذف