هذا الحديث العظيم وهذا الحديث فيه بضع الخصال............ اما الخصلة الأولي من هذه الخصال فهي:
*الصدق: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتى يكتب عند الله صديقا).رواه البخاري(2093)، ومسلم(2607
وقال الفضيل بن عياض: (ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب) ((روضة العقلاء)) لأبي حاتم البستي (ص 52). .
وقال الأحنف لابنه: (يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب، أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق؛ يدلُّ على اعتدال وزن العقل)
وقال الجنيد: (حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/20).
اما الخصلة الثانية*الوفاء بالوعد: هي سمة من سمات المؤمنين،وعلامة من علامات المتقين.
من الأخلاق الإسلامية الرفيعة، والصفات المحمودة التي حثنا عليها الإسلام: الوفاء بالوعد، يقول الله -تعالى- عن إسماعيل -عليه السلام- مادحاً إياه بصفة الوفاء بالوعد: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} سورة مريم(54). قال مجاهد: "لم يعد شيئا إلا وفى به". وقال مقاتل: "وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل". وقال الكلبي : "انتظره حتى حال عليه الحول!"1. وفي معنى وفاء إسماعيل عليه السلام بالوعد أنه "وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به"2.
وفي المقابل حذرنا الله -عز وجل- من إخلاف الوعد، وبين أنه صفة من صفات المنافقين -والعياذ بالله-، فقد جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان).
فمن وعد إنساناً وعداً فإن عليه أن يفي بوعده إلا أن يكون الوعد وعداً بمعصية أو بما فيه مفسدة، أو ما إلى ذلك، فإنه لا يفي به بل عليه أن يخلفه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة"
بل إن إخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه، يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح"
كل شيء في الهوى مستحسن *** ما خلا الغدر وإخلاف الوعود
اما الخصلة الثالثة*الأمانة: عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(المؤمن من أمنة الناس على أموالهم وأنفسهم).رواه ابن ماجة)(3934)، وصححه الألباني رحم الله في (صحيح سنن ابن ماجة)(3178).
قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة)
وعن ابن أبي نجيح قال: (لما أُتِي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت)
وقال عبد الله بن مسعود: (القتل في سبيل الله كفَّارة كلِّ ذنب إلَّا الأمَانَة، وإنَّ الأمَانَة الصَّلاة والزَّكاة والغسل مِن الجنابة والكيل والميزان والحديث، وأعظم مِن ذلك الودائع)
وعن خالد الربعي قال كان يقال: (إنَّ مِن أجدر الأعمال أن لا تُؤخَّر عقوبته أو يُعجَّل عقوبته: الأمَانَة تُخَان، والرَّحم تُقْطَع، والإحْسَان يُكْفَر)
واما _الخصلة الرابعةحفظ الفروج: لقوله تعالى:{والذين هم لفروجهم حافظون}[ الؤمنون:5].
عن سهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة))
قال ابن عبد البر: (في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفرج، وما بين اللحيين الفم، وما بين الرجلين الفرج، ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر، وقذف المحصنات، وأخذ أعراض المسلمين، ومن الفم أيضا شرب الخمر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، ومن الفرج الزنى واللواط)
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: ( فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه، أو الصمت عما لا يعنيه ضمن له الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة... فإن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلا في خير سلم، وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر)
اما الخصلة الخامسة*غص البصر:لقوله تعالى:{قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذالك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.[النور:30].
جاءَ الأمرُ الإلهيُّ للمؤمنين والمؤمناتِ كافةً بغضِ البصرِ وحفظِه، قال الله سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [النور: 30-31].
والعين مرآةُ القلب، فإذا غضَّ الإنسان بصرَه غضَّ القلب شهوتَه وإرادتَه، واستراحت الحواس وهدأت وقامت بواجباتها التي من اجلها خلقها البارئ عز وجل، بينما إذا أطلق الإنسان بصره أطلق القلب شهوته مما يؤدي في النهاية إلى الوقوع في الهوى والخطيئة التي من شأنها أن تجلب العار وتغذي الرذيلة وتعمل على نشرها حتى تموت الشهامة وتنهار المروءة فتتفشى الموبقات وتنتشر الأمراض ويبتعد القوم عن ذكر الله عز وجل في مجالسهم ويحل محله الحديث حول الغانيات والصرعات التي تدعو إلى العري والابتذال.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لِعَلِىٍّ، رضي الله عنه «يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ».
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: «العينان تزنيان، وزناهما النظر».
اما الخصلة السادسة*كف الأيدي:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول اله صلى الله عليه وسلم:(مر رجل بغص شجرة على ظهر الطريق، فقال: والله لأ نحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأ دخل الجنة).رواه مسلم[128-(11914)]بعد الحديث(2617).
كُفّ أذاك عن الناس تتنزل عليك الرحمة. إياك أن تؤذي الناس، واستمع لحديث النبي (ص): "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". انظر إلى النبي كيف يعرف المسلم الحقيقي: هو الذي يكف أذاه عن الناس، كل الناس. وانظر إلى تقديم النبي للسان على اليد على الرغم من أنّ اليد أخطر، لأن الإيذاء باللسان أسهل وأيسر، ولكنه أشد تأثيراً على النفس من الإيذاء باليد،
وكفّ الأذى سر السلام الاجتماعي. وإذا كان الإسلام قد نادى بحق الإنسان في الحياة ودعا إلى حمايته من آفات المجتمع، فإنّه دعا إلى خير المجموع وصيانته من شرور الفرد، وطالب الفرد بأن يرعى حق الجماعة في سبيل حفاظه على حقه، وألا ينسى أن صلاحه يعود على المجتمع بالطبع.
ولهذا، تعددت وتنوعت الأحاديث التي حث فيها النبي (ص) الفرد والمجتمع على كف الأذى، ومراعاة حقوق الآخرين، وعدم التعدّي عليها، حتى لو بمجرد التعدي المعنوي.
استمع معي إلى هذه الأحاديث لنرى معاً اهتمام الإسلام بهذا الخلق.
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: صعد رسول الله (صلي الله عليه وسلم. المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر.. من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه.. لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله".
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب/ 58).
بل الإيذاء يبطل ثواب الصدقات والأعمال الصالحة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى...) (البقرة/ 264).
بل جعل الإيذاء وعدم كف الأذى سبباً من أسباب دخول النار. "قال رجل: يا رسول الله.. إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار، قال: يا رسول الله.. فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وصدقتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة".
ولكن موضوع كف الأذى موضوع فضفاض. كيف أحكمه؟ وكيف أحدده؟ وما حدود كف الأذى؟
كف الأذى يكون بالحواس: الشم، السمع، البصر، اللمس.
فتكف الأذى عن طريق الشم، بأن تكف أذى رائحتك من الأكل أو من دخان السجائر أو دخان السيارة. عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنّ مسجدنا ولا يؤذين بريح الثوم". وفي لفظ "فإنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوم آدم". والحديث، وإن كان في المسجد، ولكنه يختتم بأن الرائحة تؤذي الناس كما تؤذي الملائكة، وفيه دعوة نبوية لمراعاة كف الأذى عن طريق حاسة الشم.
ويكون كف الأذى عن طريق السمع، بكف أذى صوتك وأذى لسانك أو أصوات منبهات السيارة أو صوت التلفاز أو الغيبة والنميمة، وأشد أنواع إيذاء السمع هو إيذاء مشاعر الآخرين.
وهو يكون عن طريق النظر بأن تكُف عن أذى عيون الناس بإلقاء القمامة في الشوارع أو إلحاق ضرر بالبيئة من حيث الشكل الجمالي لها، فتكون أنت السبب في تغييرها إلى الأسوأ، وبالكتابة فوق المنشآت والواجهات.
وعن طريق اللمس كُفّ أذى يديك، ولا تضرب أحداً، وتعلم من رسول الله (صلي الله عليه وسلم) "ما ضرب رسول الله امرأة ولا طفلاً ولا خادماً قط". الا ان يجاهد في سبيل الله
وكُف أذى كل حواسك. جرب وحاول هذا الأسبوع أن تعيش بهذا الخلق حتى تصل إلى تعريف المسلم الحقيقي، لأنك سلمت الناس من لسانك ويدك، وحتى تكون قمت بأداء آلاف الصدقات عن نفسك. إنّ المسلم، كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف، كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن الناس، لأن ذلك من المعروف، وداخل في معنى الصدقة. قال أبوذر: "قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".
وعن أبي موسى، عن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: "على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت؟ إن لم يفعل. قال: يمسك عن الشر فإنّها صدقة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق