بسم الله الرحمن الرحيم
دروس من الحج وخطبة الوداع
عناصر الخطبة
العنصر الأول / من حِكَمِ الحج وفضائله
العنصر الثاني / الحج والسفر الأخير إلى الله
العنصر الثالث / يوم عرفة ووقفات مع خطبة حجة الوداع
إن الحمد لله، أحمده سبحانه وتعالى الذي جعل الموت مخلصا للأتقياء وموعدا لهم للراحة من دار الابتلاء , وجعله سوء منقلب للأشقياء, فإذا ذكر عندهم الموت فإذا قلوبهم نافرة, سبحانه , له الشكر على الإنعام بالنعم الظاهرة والباطنة , وله الثناء الحسن على ما أعطى ومنع, وأشهد ألا إله إلا الله وحدة لا شريك له, له الحمد في الأولى والآخرة, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله, أرسله لإنفاذ أمره, وإنهاء عذره, وتقديم نذره, فأيده بالحجج الباهرة, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها المسلمون عباد الله /
فإن رحلة الحج لها حكم وفضائل كثيرة ومتعددة من وفق لها ولفهمها فقد فاز فوزا عظيماً فمنها
.... أنها تعلمنا أن الأنبياء كلهم دين واحد والى هذا المكان حجوا
ففى صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا : وَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي . قَالَ ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا .
.....ومن الحج نتعلم أننا أمة الأخلاق والقيم
يقول الله سبحانه: ((الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، هذا يدلنا على أن الحاج لا ينبغي له أن يرفث ولا يفسق ولا يجادل بل ينبغي له أن يشتغل بذكر الله وطاعة الله سبحانه وتعالى، والكلام الطيب النافع ويبتعد عما لا ينبغي من الرفث ومن الفسوق والجدال، لأنه في عبادة عظيمة فينبغي له احترامها وصيانتها عما لا ينبغي . فالحج مدرسة وتربية على التخلق بالأخلاق الحسنة من الحلم وتحمل الأذى من الخلق
...... ومن الحج نتعلم التوكل على الله تعالى وحسن الثقة بما وعد الله
فقد ترك سيدنا ابراهيم عليه السلام هاجر ورضيعها فى صحراء مقفرة وليس معهم شيئ فهذه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لما قالت لإبراهيم : " آلله أمرك بهذا " قال : " نعم " قالت : اذاً فلن يضيعنا " فرفع الله ذِكْرَها وبدأ الناس يسعون مثلها بما فيهم الأنبياء عليهم السلام .
والى يومنا هذا نجنى ثمرة يقين هاجر بالله ونشرب من ماء زمزم ونسعى كما سعت فمنه نتعلم تربية النفس على عدم اليأس من روح الله مهما اشتدت الخطوب وعظمت الكروب فإن الله بيده الفرج فهذه أم إسماعيل كاد وليدها أن يهلك ، وبدأت تركض من جبل إلى آخر تتطلع للفرج فأتاها من حيث لا تحتسب إذ نزل الملك فضرب الأرض فخرج ماء زمزم وما فيه من شفاء لأمراض القلوب والأبدان .
ومن رحلة الحج نتذكر سفرنا الأخير إلى الله تعالى
نرتدي ملابس غير مخيطة بيضاء أشبه ما تكون بالكفن الذي يلبسه الأموات وكلنا يوما ما سنلبسه يتوجه الحجيج الى الله تعالى تاركين كل متعلقات الدنيا الرؤوس عارية وليس لهم غاية الا هو وايضا يتوجه الميت ويذهب الى مكان ليس له الا ربه سبحانه , فعلى من أراد العبرة والعظة أن يأخذ الدروس ويتذكر هذا اليوم الذي لا مفر منه ولا مهرب
فمن خاف الوعيد قصر عليه البعيد , ومن طال أمله ضعف عمله , وكل ما هو آت قريب .
إن الله لم يخلقكم عبثا , ولم يترككم سدا, فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غدا, فالأجل مستور والأمل خادع.
نشيع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها , نتكلم كلام الدنيا ونرى مواكب الأموات تمر بنا , فلا نفكر ولا نعتبر ولا نقدر أننا سنموت كما ماتوا ومات من كان أصح منا وكان أشد منا قوة وأكبر سلطانا وأكثر أعوانا فما دفعت عنه الموت صحته ولا حماه منه سلطانه ولا أعوانه نعرف بعقولنا إن الموت كأس سيشرب منها كل حي ولكننا ننسى هذه الحقيقة بشعورنا وعواطفنا وتحجبها عنا شواغل يومنا وتوافه دنيانا يقول كل واحد منا بلسانه إن الموت حق وإنه مقدر على كل حي ,ويقول بفعله لن أموت لقد كتب الموت على كل نفس إلا نفسي فلا يزال في العمر فسحه ولن يأتيني أجلي أبدا
أيها المؤمنون / اذكروا الموت والسكرات, وحشرجة الروح والزفرات, فمن أكثر ذكر الموت عجل التوبة ونشط على العبادة وقنع بالقليل
أيها العصاة توبوا قبل أن تموتوا يروى عن حبيبكم ورسولكم الناصح لكم صلى الله عليه وسلم (( بادروا بالأعمال قبل أن تشغلوا فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر((
عباد الله / استعدوا وتجهزوا ليوم لا ينفع فيه مال ولا ولد ولا منصب ولا جاه فلقد وقف نبيكم صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال (( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ))
ولما سئل عليه الصلاة والسلام من أكيس الناس قال (( أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له , أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))
ورحم الله ابن مسعود رضى الله عنه كان يقول إذا قعد: إنكم في ممر الليل والنهار: في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة؛ فمن يزرع خيراً: يوشك أن يحصد رغبة، ومن يزرع شراً: يوشك أن يحصد ندامة؛ ولكل زارع مثل ما زرع.
لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له؛ فمن أعطى خيراً: فالله تعالى أعطاه، ومن وقي شراً: فالله تعالى وقاه؛ المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة.حلية الأولياء
بل ان الجسد ليقشعر وهو يقرأ كلام عن سيدٍ من كبار الصحابة ألا وهو أبو الدرداء عن أم الدرداء، أن أبا الدرداء لما احتضر، جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
عبدالله اعلم ليس لك بعد الموت من دار الا الجنة او النار فاستعد وتجهز وشمر
عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فتيانه حين حضرته الوفاة؛ فقال: اذهبوا، واحفروا، وأوسعوا، وأعمقوا؛ فجاؤا، فقالوا: قد حفرنا، وأوسعنا، وأعمقنا.
فقال: والله، إنها لإحدى المنزلتين: إما ليوسعن علي قبري، حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة، فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي، وما أعد الله تعالى لي من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث؛ ولئن كانت الأخرى ـ ونعوذ بالله منها ـ: ليضيقن علي قبري، حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث.حلية الأولياء
ورحم الله من قال
عجبت للإنسان في فخره ...... وهــــو غداً في قبره يُقبر
ما بال مـــن أوّلـه نـطفـة ....... وجيفــــة آخـــره يفــجــر
أصبح لا يملك تقديم ....... مـــا يرجو ولا تأخير مـا يحدر
وأصبح الأمر إلى غيره ...... فيكلّ ما يقضى و ما يقدر
أيها المسلمون عباد الله /
الدروس والعبر من رحلة الحج كثيرة عظيمة الشأن والقدر وها نحن أيام قليلة ويأتينا يوم عرفة وهو يوم له فضائل ليست لغيره من الأيام
1 / يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آيه؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) "المائدة: 3" قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة
2/ يوم عرفة صيامه يكفر سنتين:
فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) "رواه مسلم
وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة
3/ يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف:
ففي صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً) رواه أحمد وصححه الألباني
فاللهم تب علينا وتقبل منا واغفر لنا ياكريم وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم
نهاية الخطبة الاولى ........................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم الى يوم الدين وبعد
عباد الله تعد خطبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وهى الحجة الوحيدة والأخيرة التى حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فى العام العاشر للهجرة تُعَد دستورًا للأمة الإسلامية ومنهجًا للبشرية جمعاء؛ فلقد أتم الله رسالته إلى البشرية على يد أشرف وأكرم رسول بعث إلى الإنسانية، ووضع الدعائم لقيام الدولة الإسلامية ولاستخلاف الأمة الإسلامية والتمكين لدين الله الحنيف في الأرض إلى يوم البعث والنشور
ومن هذه الأسس والبنود حرمة الدم والمال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن دماءكم وأموالكم- وفي رواية أعراضكم- عليكم حرام كحرمة
يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا؛ يضرب بعضكم رقاب بعض
الأساس الثاني قوله صلى الله عليه وسلم ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبدالمطلب؛ فإنه موضوع كله
أي إن كل أمر من أمر الجاهلية موضوع؛ فما التفاخر بالإنسانية والأعراق إلا جاهلية موضوعة، والاستبعاد الذي ينشأ من المقاضاة الربوية أيضًا موضوع؛ فهذه الأرجاس التي هي من تقاليد بل من عادات ومعالم المجتمع الجاهلي القديم اجتثَّها صلى الله عليه وسلم من أصولها، وأبعدها من منطلق الإنسانية وتقدمها الفكري والحضاري، وأعلنها صريحةً بأنها حثالة مدفونة تحت قدميه، ولقد بدأ بنفسه فوضع دم ابن ربيعة بن الحارث ووضع ربا العباس بن عبد المطلب
اتقوا الله في النساء
أوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرًا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه؛ فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون" قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكثها إلى الناس: "اللهم اشهد.. اللهم اشهد" ثلاث مرات.
- الوقوف بجانب الضعيف حتى لا يكون هذا
الضعف ثغرةً في البناء الاجتماعي، فأوصى صلى الله عليه وسلم في خطبته بالمرأة والرقيق على أنهما نموذجان عن الضعفاء؛ فقد شدد صلى الله عليه وسلم في وصيته على الإحسان إلى الضعفاء، وأكد في كلمة مختصرةٍ جامعةٍ القضاء على الظلم البائد للمرأة في الجاهلية، وتثبيت ضمانات حقوقها وكرامتها الإنسانية التي تضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية
وختاما يامن لم يشأ الله لك ان تكون مع الحجاج هذا العام
جدد نيتك وكن مستعد لتكون من حجاج بيت الله العام القادم فالاعمال بالنيات
لا تحرم نفسك من أجر صلاة الصبح في جماعة ثم الجلوس في المصلى لذكر الله إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين فهى تعدل حجة وعمرة تامة تامة كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
لا تحرم نفسك من أجر صلاة العشاء والصبح في جماعة قال عقبة بن عبد الغافر : ( صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة ، وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة)
لا تحرم نفسك من المشي في حاجة المسلمين قال ابن رجب في اللطائف ص351 : ( قال الحسن : مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق