اللقـــــــاء الســـــابع عشر
===============
*قال تعالي يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون *
فــــــــــأين المتـقــــــــــــــــــون
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم
القيامة أمر الله مناديا يقول هذا المنادي إني قد جعلت لكم نسبا وجعلت
أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان
فاليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون؟ وهذا الحديث له شاهد في قول
النبي صلى الله عليه وسلم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه لو جئت يوم
القيامة بأرفع وأفخر الأنساب لكن لا عمل معك فإنك لن تمر على الصراط ولن
تجتاز المواقف الرهيبة في أرض المحشر فينقطع كل نسب إلا نسب التقوى. وينقطع
كل تكريم إلا تكريم التقوى وينقطع كل تنافس إلا من تنافس على التقوى.
وصدق الله جل وعلا إذ يقول فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم...ينقطع كل
نسب إلا نسب التقوى فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون *
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين
خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.... إلى
آخر الآيات.
والصور هوالبوق الذي ينفخ فيه إسرافيل والمراد هنا النفخة الثانية للبعث.
والأنساب جمع نسب وهو الالتقاء في أصل مباشر كالتقاء الابن بالأب أو
الأب بالابن أو التقاء بواسطة كالعمومة والخؤولة.والنسب هو أول لحمة في
الكون تربط بين الناس في مصالح مشتركة وهو الالتقاء الضروري الذي يوجد لكل
الناس فقد لا يكون لك أصدقاء ولا أصحاب ولا زملاء عمل لكن لا بد أن يكون
لك نسب وقرابة وأهل.
فحين ينفي الحق سبحانه وتعالى النسب يقول فلا
أنساب بينهم. . فليس النفي لوجود النسب فإذا نفخ في الصور منعت البنوة من
الأبوة أو الأبوة من البنوة إنما النسب موجود حقيقة لكن لأن النسب المعروف
فيه التعاون على الخير والتآزر في دفع الشر فالنفي هنا لهذه المنفعة في
هذا اليوم بالذات حيث لا ينفع أحد أحدا فالنسب موجود لكن دون نفع فالنفع من
أمور الدنيا أن يوجد قوي وضعيف فالقوي يعين الضعيف ويفيض عليه أما في هذا
الموقف فالكل ضعيف.كما قال تعالى يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته
وبنيه لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه .ويقول كل نفس بما كسبت رهينة..
لذلك حينما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا سنحشر يوم القيامة
حفاة عراة تعجبت السيدة عائشة واستحيت من هذا الموقف فأخبرها رسول الله أن
الأمر ليس كذلك فهذا موقف ينشغل كل بنفسه والحال أصعب من أن ينظر أحد لأحد.
إذن النفي لنفع الأنساب لا للأنساب نفسها.وإن كان نفع الأنساب يمتنع
لهول الآخرة فقد يتسامى الإنسان فيمنع نفعه حتى في الدنيا عن ذوي قرابته إن
كانوا غير مؤمنين وقد ضربها الله مثلا في قصة نوح عليه السلام وولده
وخاطبه ربه إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح. فامتنع النسب حتى في الدنيا
فالبنوة ليست بنوة الدم واللحم البنوة خاصة عند الأنبياء بنوة عمل
واتباع.
وإذا تأملت تاريخ المسلمين الأوائل لوجدتهم يعتزون بالإسلام لا
بالأنساب فالدين والعقيدة هما اللحمة وهما الرابطة القوية التي تربط
الإنسان بغيره وإن كان أدنى منه في مقاييس الحياة.
قرأنا في قصة بدر أن
مصعب بن عمير رضوان الله عليه وكان فتى قريش المدلل وأغنى أغنيائها يلبس
أفخر الثياب ويعيش ألين عيشة فلما أشرب قلبه الإيمان زهد في كل هذا النعيم
وحرم من خير أهله ثم هاجر إلى المدينة وهناك رآه رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلبس جلد شاة فقال انظروا ماذا فعل الإيمان بأخيكم .
وفي المعركة
رأى مصعب أخاه أبا عزيز أسيرا في يد واحد من الأنصار هو الصحابي أبو اليسر
فقال له مصعب: اشدد على أسيرك يعني إياك أن يفلت منك فإن أمه غنية
وستفديه بمال كثير فنظر أبا عزيز إلى مصعب وقال: أهذا وصاتك بأخيك؟ فقال
هذا أخي دونك. إذن فلا أنساب بينهم حتى في الدنيا قبل الآخرة.
وفي
غزوة أحد استشهد مصعب بن عمير ولم يجدوا ما يكفنونه فيه إلا ثوبا قصيرا إن
غطى رأسه انكشفت رجلاه وإن غطى رجليه انكشفت رأسه فقال النبي صلى الله
عليه وسلم غطوا رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر
والسيدة أم حبيبة
بنت أبي سفيان لما أسلمت وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة لكن اتهمها البعض
بأنها هاجرت لا من إجل دينها ولكن من أجل زوجها فيشاء الله تعالى أن يظهر
براءتها فينتصر زوجها عبيد الله بن جحش هناك وتظل هي على الإيمان ولما علم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرها أراد أن يعوضها فخطبها لنفسه ولم
ينتظر إلى أن تجيء ليعقد عليها فوكل النجاشي ملك الحبشة ليعقد له عليها.
وبعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أبوها سفيان زيارتها
وكانت تمهد فراش رسول الله فلما أراد أبو سفيان أن يجلس عليه نحته جانبا
ومنعته أن يجلس وهو كافر على فراش رسول الله
فقال: أضنا بالفراش علي؟ فقالت: نعم.
إذن: نفع الأنساب يمتنع في الدنيا قبل امتناعه في الآخرة لكن الحق سبحانه
وتعالى تفضل بأن أبقى مطلوبات النسب في الدنيا ودعانا إلى الحفاظ عليها
حتى مع الكافرين لأنه سبحانه وسع الكافر فعلى المؤمن أن يسعه من باب أولى
فإن رأيت الكافر في شدة وقدرت أن تعينه فاعنه.
واقرأ في هذا قوله تعالى
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في
الدنيا معروفا. .فهما كافران بل ويريدانك كافرا ومع ذلك احفظ لهما حق
النسب ولا تقطع الصلة بهما.
ويروى أن إبراهيم عليه السلام وقد أعطاه
الله الخلة وقال عنه ..وإبراهيم الذي وفى. وابتلاه بكلمات فأتمهن مر
عليه عابر سبيل بليل فقبل أن يدخله ويضيفه سأله عن ديانته فأخبره أنه غير
مؤمن فأعرض عنه إبراهيم عليه السلام وتركه ينصرف فأوحى الله إليه يا
إبراهيم وسعت عبدي وهو كافر بي وتريده أن يغير دينه لضيافة ليلة؟ فأسرع
إبراهيم خلف الرجل حتى لحق به وأخبره بما كان من عتاب ربه له في شأنه
فقال الرجل نعم الرب الذي يعاتب أحبابه في أمر أعدائه وشهد أن لا إله إلا
الله وأن إبراهيم رسول الله.
ويرتقي أهل المعرفة بالنسب فيرون أنه
يتعدى الارتباط بسبب وجودك وهو الأب أو الأم فالنسب وإن كان ميلاد شيء من
شيء أو تفرع شيء من شيء فهناك نسب أعلى لا لمن أوجدك بسبب وإنما لمن
أوجدك بلا سبب الوجود الأول فكان عليك أن تراعي هذا النسب أولا الذي أوجدك
من عدم وإن أثبت حقا للوالدين لأنهما سبب وجودك.
فكيف بالموجد الأعلى؟
نعم إن الميزان الحقيقي الذي يرفع ويخفض هو: ميزان التقوى ...يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى...
لن تنفع العصبيات يوم القيامةإننا لن نسال يوم القيامة عن عصبيات ولا
أنساب إنما ستسال عن عمرك فيما أفنيته وعن علمك فيما انتفعت به وعن مالك
من أين اكتسبته وفيما تنفقه فهل أعددنا لهذه الأسئلة أجوبة؟
وقد روي
أن رجلا قال لنبي الله سيدنا عيسى عليه السلام أي الناس أفضل ؟ فأخذ
قبضتين من تراب وقال أي هاتين أفضل ؟ الناس خلقوا من تراب فأكرمهم
أتقاهم
عودا إلى ربكم واتقوه لعلكم تفلحون فالجنة ما أعدت إلا للمتقين
والمنزلة الرفيعة عند الله ليست إلا للمتقين وجهوا تنافسكم عليها وإليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق