روي عن أنس بن مالك رضي الله عن قال : كان أبوبكر الصدِّيق رضي الله إذا رأى صلى الله عليه وسلم مقبلاً يقول :
أمين المصطفى بالخير يدعو كضوء البدر زايلة الظلام .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينشد قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان : [ لو كنت من شىء سوى بشر كنت المضيء لليلة البدر ] ثم يقول عمر وجلساؤه : كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن كذلك غيره .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللّون ، مشرباً بحمرة ، أدعج العين سبط الشعر ، كثّ اللحية ، ذات وفرة ، دقيق المسربة ، كأن عنقه إبريق فضّه من لبته إلى سرته شعر يجــــــــــــري كالقصب ، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره ، شثن الكف والقدم ، إذا مشى كأنّما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنّما يتقلع من صخر ، إذا التفت التفت جميعاً ، كأن عرقه اللؤلؤ ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، ولا الفاجر ولا اللئيم ، ولم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ : " بين كتفيه خاتم النبوّة وهو خاتم النبيّين أجود الناس كفّاً وأجرأ الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس بذمته ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبّه يقول ناعته : لم أرّ قبله ولا بعده مثله " .
وقال البّراء بن عازب : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلّة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه . وقالت أم معبد الخزاعية في صفته صلى الله عليه وسلم رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة مليح الوجه ، حسن الخلق ، لم تُعْبهُ ثجلة ، ولم تزريه صعلة ، وسيماً قسيماً ، في عينيه دعج وفي أشفاره عطف ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثافة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق ، لا نزر ولا هدر ، كأن منطقه خزات نظم ، لا باين طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصناً بين غصنين وهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفُّون به إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا لأمره ، محفود محشود لا عابس ولا مفند .
وعن أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه أّنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ، أزهر اللون ، ليس بالأبيض الأمهق ، ولا بالأدم وليس بجعد قطط ولا سبط رجل .
وقالت هند بنت أبي هالة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخّماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلاّ فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحاجبين من غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمّله اشم ، كث الحية ، أدعج ، سهل الخدّين ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادناً متماسكاً ، سواء البطن والصدر ، مسيح الصّدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرّد ، موصول ما بين اللبّة والسرّة بشعر يجري كالخطّ ، عاري الثديين والبطن وما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، عريض الصـــــــدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شثن الكفين والقدمين ، مسائل الأطراف ، سبط القصب ، خُمصانِ الأخمصين ، مسيح القديمن ينبو عنها الماء ، إذا زال زال تقلّعاً ، ويخطو تكفؤاً ، ويمشي هوناً ، ذريع المشية ، إذا مشى كأنّما ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ويبدأ من لَقِيه بالسلام .
تفسير مافيه من الغريب
الوضاة : الحسن والجمال ، والأبلج والمتبلِّج : الحسن المشرق المضيء ولم يرِد أبلج الحاجب لأنها وصفته بالقرن ، والثلجة : بالثاء المثلّثة والجيم عظيم البطن مع استرخاء أسفله ويروى بالنون والحاء المهملة وهو النحول والدقّة وضعف التركيب ، والازراء : الاحتقار بالمشي والتهاون به ، والصعلة : صغر الرأس ، ويروي صقلة بالقاف والصقل منقطع الأضلاع من الخاصرة أي ليس بأنحلٍ عظيم البطن ولا بشديد لحوق الجنبين بل هو كما لا تعيبه صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم .
الوسيم : المشهور بالحسن كأنّه صار الحسن له علامة ، والقسيم : الحسن قسمة الوجه ، والدعج : شدّة سواد العين ، والأشفار : حروف الأجفان التي تلتقي عند التغميض والشعر نابت عليها ويُقال لهذا الشعر الأهداب واردة في شعر أشفاره ، والغطف : بالغين والعين وهو بالمعجمة أشهر الطوال ومعناه أنها مع طولها منعطفة متثّنية .
وفي رواية وطف : وهو الطول أيضاً ، والصحل شبه البحة وهو غلظ في الصوت.
وفي رواية صهيل وهو قريب منه لان الصهيل صوت الفرس وهي تصهل بشـــــــدّة وقوة ، والسطع : طول العنق ، والكثافة ، والكثاثة كثرة في إلتفاف واجتماع ، والأزج المتقوس الحاجبين وقيل طول الحاجبين ودقّتهما وسبوغهما إلى مؤخر العين ، والأقرن : المتّصل أحد الحاجبين بالآخر ؛ وسما : أي علا برأسه ويده .
وفي رواية : وسما به أي علا بكلامه على مَنْ حوله من جلسائه ، والفصل فسرته بقولها : لا نزر ولا هدر أي ليس كلامه بقليل لا يُفهم ولا بكثير يمل ، والهدر : الكثير . وقولها لا تقتحمه عين من قصر : أي لا تزدريه لقصره فتجاوزه إلى غيره بل تهابــــــــه وتقبله ، والمحفود : المخدوم ، والمحشود : الذي يجتمع الناس حوله . وانضر : أحسن ، والعابس : الكالح الوجه ، والمفند : المنسوب إلى الجهل وقلة العقل ، وفخماً مفخماً : عظيماً معظماً ، والمشذب : الطويل ، والعقيقة : الشعر ، والعرنين : الأنف ، والقنا : فيه طول ودقّة أرنبته وحدب في وسطه ، والشم : ارتفاع القصبة واستواء أعلاها وإشراف الأرنبه قليلاً ، وضليع الفم : أي واسعه ، والشنب في الأسنان : وهو تحدد أطرافها ، والمسرّبة : الشعر المستدَّق ما بين اللبّة إلى السرّة ، والجيد : العنق ، والدمية : الصورة ، والبادن : العظيم البدن ، والمتماسك : المستمسك اللحم غير مسترخيه .
وقوله : سواء البطن والصدر : يريد أن بطنه غير مستفيض فهومساوٍ لصدره ، وصدره عريض فهو مساوٍ لبطنه ، وأنور المتجرد : يعني شديد بياض ما جرد عنه الثوب ورحب الراحة : واسع الكفّ ، والشثن : الغليظ .
وقوله : خمصان الأخمصين : الأخمص ما ارتفع عن الأرض من باطن القدم ، وأراد ذلك منهما مرتفع . وقد روى هذا بخلاف ذلك .
وقوله : مسيح القدمين : يريد ممسوح ظاهر القدمين فالماء إذا صبّ عليها مرَّ مرّاً سريعاً لاستوائهما وانملاسهما .
وقوله : يخطو تكفياً : يريد أنه يمتد في مشيته ويمشي في رفق كغير مختال ، والصبب : الانحدار .
في أخلاقه عليه السلام
في أخلاقه عليه السلام
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كنا إذا احمر البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان أسخى الناس ، ما سُئل شيئاً قط فقال لا ، وكان أحلم الناس ، وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، وكان لا ينتقم لنفسه ، ولا يغضب لها إلاّ أن تنتهك حرمات الله فيكون لله ينتقم ، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحــــــــد ، والقريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في الحق واحد ، وما عاب طعاماً قطّ إن اشتهاه أكله وإن لم يشتهه تركه ، وكان لا يأكل متكئاً ، ولا يأكل على خوان ، ولا يمتنع من مباح ، إن وجد تمراً أكله ، وإن وجد خبز بُرّ أو شعير أكله ، وإن وجد لبناً اكتفى به ، أكل البطيخ بالرطب وكان يحب الحلو والعسل .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار وكان قوتهم التمر والماء ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ويكافىء على الهدية ، لا يتأنف في مأكلٍ ولا ملبس يأكل ما وجد ، ويلبس ما وجد ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ، ويعود المريض ، وكان أشد الناس تواضعاً ، يجيب من دعاه من غنيٍ أو فقير أو دني أو شريف ، وكان يحب المساكين ، ويشهد جنائزهم ، ويعود مرضاهم ولا يحقّر فقيراً لفقره ، ولا يهاب ملكاً لملكه ، وكان يركب الفرس والبعير والبغلة والحمار ، ويردف خلفه عبده أو غيره ، لا يدع أحداً يمشي خلفه ، ويقول : خلّوا ظهري للملائكة ، ويلبس الصوف ، وينتعل المخصوف ، وكان أحب اللباس إليه الحبرة وهي من برود اليمن فيها حمرة وبياض ، وخاتمه من فضة ، فصّه منه يلبسه في خنصره الأيمن وربما لبسه في الايسر ، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع وقد أتاه الله مفاتيح خزائن الأرض كلّها فأبى أن يأخذها واختار الآخرة عليها ، وكان يُكثر الذِّكر ، ويقلّ اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، أكثر الناس تبسّماً ، وأحسنهم بشراً ، مع أنه كان متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، وكان يحب الطيب ، ويكره الريح الكريهة ، يتألّف أهل الشرف ، ويكرم أهل الفضل ، لا يطوي بشره على أحد ولا يجفو عليه ، ويرى اللعب المباح فلا ينكره ، ويمزح ولا يقول إلاّ حقّاً ، ويقبل معذرة المعتذر إليه ، له عبيد وإنما لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، لا يمضي له وقت في غير عمل لله أو فيما لا بد منه أو لأهله منه ، رعى الغنم . وقال : ما من نبي إلاّ وقد رعى الغنم .
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خُلُقَهُ القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ، وصح عن أنس بن مالك قال : ما مسست ديباجا ولا حريراً ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط كانت أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فما قال أف قطّ ، ولا قال لشيء فعلتُه لم فعلت كذا وكذا ولا لشىء لم أفعله ألا فعلت كذا وكذا . وقد جمع الله له كمال الأخلاق ومحاسن الأفعال ، وآتاه علم الأولين والأخرين ، وما فيه من النجاة والفوز ، وهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب ولا معلم له من البشر ، نشأ في بلاد الجهل والصحاري آتاه الله ما لم يؤتِ أحداً من العالمين ، واختاره على جميع الأولين والآخرين فصلوات الله عليه صلاة دائمة إلى يوم الدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق