سلسله أمهات المؤمنين
الدرس الحادي عشر من سلسله أمهات المؤمنين
=======================
ميمونة بنت الحارث الهلالية
آخر أمهات المؤمنين ( ... - 51 هـ) ( ... - 671 م)
هي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية: آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت هي أيضا آخر من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين. وكان اسمها «برّة» فسمّاها «ميمونة» وكانت بايعت بمكة قبل الهجرة وكانت زوجة أبي رهم بن عبد العزى العامري ثم مات عنها وفي سنة سبع تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى عليها، وقد اشتهرت بالورع والصلاح والخشية والإخبات، ومن عجب أنها توفيت في (سرف) وهي نفس الموضع الذي بنى عليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرب من مكة، ودفنت فيه، وكان ذلك عن عمر يقدر بثمانين سنة .
في فتح مكة لما دخلها المسلمون وهم ألفا رجل موحد يقودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يملك بخطامها عبد الله بن رواحة الأنصاري انكشف المشركون وانجلوا عنها مغلولين مدحورين فما فيها منهم يومئذ أحد.ودخل الموحدون مكة آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون ... وكان هذا تحقيقا للرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في ذلك قوله تعالى:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً .
واندفع الموكب الهائل إلى بيت الله الحرام ملبين مهللين مكبرين: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك .
وتتصاعد إلى عنان السماء نداآت اليقين والصدق من الأبرار أهل التقوى وأهل المغفرة تحمد الله وتشكر فضله على نعمة التبريز والظهور على أعدائه، فيعلو صوت الموحدين:لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده .
في هذا الموكب المهيب الرهيب الذي ارتفعت فيه راية الإسلام عالية خفاقة في العالمين، واندكت صروح الشرك واندحرت فلول المشركين في هذا الموكب الصاخب كانت ثمّ سيدة من فضليات سيدات مكة ترنو إلى أمل كبير تحلم بتحقيقه ألا وهو أن تكون أمّا للمؤمنين الأبطال الظافرين ... إنها برّة بنت الحارث بن حزن بن بجير العامرية الهلالية وهي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأخوات مؤمنات) وكان لها أخوات من أمها هنّ:
زينب بنت خزيمة أم المؤمنين المسماة أم المساكين وأسماء بنت عميس الخثعمية زوج جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين (الطيار) وسلمى بنت عميس زوج حمزة بن أبي طالب شهيد أحد أسد الله.كانت أمهن هند بنت عوف بن زهير بن الحارث التي قيل عنها إنها أكرم عجوز في الأرض أصهارا حيث إن أصهارها: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحمزة، والعباس، وجعفر، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. وكان لها أيضا أصهار آخرون من المبرزين وذوي المكانة والمنزلة بين أقوامهم. وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم برة بنت الحارث وسمّاها (ميمونة) وفي رواية أنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى فيها قوله تعالى:
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .
ولما أن انتهت الأيام الثلاثة التي كانت منصوصا عليها في صلح الحديبية، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرس بميمونة بمكة بين ظهراني قريش لكنهم لم يوافقوه وعرض عليهم في رفق بالغ:ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟؟ .
فكان رد القرشيين جافيا غليظا ...لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا.
فوفاء بالوعد والعهد المبرم المقطوع وفي الموعد المضروب أذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين بالرحيل ومزايلة البلد مخلفا مولاه أبا رافع بمكة ليلحق به في صحبة ميمونة....
وقرب التنعيم في (سرف) جاءت ميمونة بصحبة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في ذي القعدة من سنة سبع فبنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمّاها صلى الله عليه وسلم (ميمونة) وذلك لكون هذا الزواج تم في مناسبة مباركة ميمونة وهي دخوله عليه الصلاة والسلام أم القرى (مكة) لأول مرة منذ سنوات سبع ومعه رجاله من غير خوف ولا وجل ...
ثم دخلت ميمونة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسعها قلبه وفؤاده ووجدانه ... وكانت غير قادرة على مواجهة الضرائر بحال لكنها كان يعتصرها شعور دخيل مستور غير ظاهر بالغيرة منهن ... وكانت تدرك بفراستها شعور رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه لعائشة الذي يفوق الوصف..
حتى إنه كان عندها في مرض موته وعرفت بثاقب نظرها ونفاذ بصيرتها رغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهواه فرضيت أن ينتقل إلى بيت عائشة رضي الله عنها ليمرض فيه ... وكأنها تكتفي بأن تكون أما للمؤمنين في مناسبة ميمونة مباركة على المسلمين جميعا.
وكانت طيبة النفس مطمئنة القلب لم يعلق بها من زخرف الدنيا ولا مظهرها الخلوب شيء فقد كانت أقصى أمنياتها أن تكون زوجا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون أما للمؤمنين فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها وكان لها ما أرادت لخلوص نيتها وصدق يقينها وإخلاصها الصريح المحصن لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وتوفيت رضي الله عنها سنة إحدى وخمسين على الأرجح صلى عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ودفنت بسرف ... فرضي الله عنها وأرضاها في دار المقامة.
Our Blog
الدرس الحادي عشر من سلسله أمهات المؤمنين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق