سلسله أمهات المؤمنين
الدرس الثاني عشر من سلسله أمهات المؤمنين
=======================
مارية القبطية أم إبراهيم ( ... - 16 هـ) ( ... - 637 م)
هي مارية بنت شمعون القبطية أم إبراهيم من سراري النبي صلى الله عليه وسلم مصرية الأصل ولدت في قرية (حفن) من كورة (أنصنا) بمصر وقد أهداها المقوقس كبير القبط صاحب مصر والإسكندرية سنة سبع للهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهداه أيضا معها أختها (سيرين) ثم ولدت له مارية إبراهيم فقال: أعتقها ولدها. ثم أهدى سيرين أختها إلى الصحابي الجليل شاعر الإسلام وشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه فأنجبت منه ولده عبد الرحمن بن حسان وقد عني بها الراشدان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فكانا ينفقان عليها.وقد توفيت في خلافة عمر رضي الله عنه ثم دفنت بالبقيع ببقعة العالية بالمدينة.
وشاع في أرجاء المدينة وطار الخبر في نواحيها أن شابة مصرية جميلة بيضاء حلوة جعدة الشعر لها ملامح جذابة جاءت من بلاد النيل هدية للنبي صلى الله عليه من المقوقس فأنزلها عليه الصلاة والسلام بمنزل لحارثة بن النعمان الأنصاري قرب المسجد.
وكانت أولى نسائه صلى الله عليه وسلم بحثا لهذا الموضوع عائشة رضي الله عنها لكنها استقرت إلى أن هذه الشابة لا خطر منها في الراجح لأنها وإن كانت ساحرة خلوبا إلا أنها جارية قبطية غريبة مهداة من سيد إلى سيد وحسب.
لكن اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كان واضحا ومثيرا ... ثم عرض عليها وأختها الإسلام فأسلمتا وكان أنزلهما على أم سليم بنت ملحان ثم حولها إلى مال له بالعالية ... ثم اختصها بنفسه عليه الصلاة والسلام ووهب أختها حسان بن ثابت.
ومر عامان وهي في كنفه صلى الله عليه وسلم ورعايته وهي تراودها وتراوحها كل لحظة ذكريات السيدة هاجر التي أهداها ملك مصر إلى النبي إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وقد جاءت حاملة معها عبق النيل وصفاء مائه، وخضرة شاطئه، وطيب واديه ... ثم حملت منه وأنجبت له الولد ...
فما المانع إذن أن تكون الحوادث مكرورة وأن التاريخ عندما يكون الحظ مواتيا لا يستبعد أن يعيد نفسه مرة أخرى فإنها ربما كانت صورة مكرورة أو معادة مما سبق مع المصرية الحسناء الخلوب هاجر ثم ضرب عليها الحجاب شأن أمهات المؤمنين فأرضاها ذلك كل الرضى ...
وكان خبرا سارا ومثيرا أن أعلن أن مارية القبطية صارت حاملا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنه حرصا عليها وعلى جنينها الذي يسكن في أحشائها ورغبة في راحتها نقلها صلى الله عليه وسلم إلى (العالية) بضواحي المدينة لمزيد من العناية وتوفيرا للراحة.
ولأجل مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام وكذلك هاجر أم إسماعيل عليه السلام أيضا جد العرب العدنانية، أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبط مصر خيرا ...
وفي صحيح الإمام مسلم بن الحجاج عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما) ، أو قال: (ذمة وصهرا) .
ولذلك فإنه لما كان فتح مصر سنة عشرين ذكر عمرو بن العاص في مفاوضات الصلح: «وقد أعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنّا مفتتحوكم، وأوصانا بكم حفاظا لرحمنا فيكم، وأن لكم إن أجبتمونا ذمة إلى ذمة، ومما عهد إلينا أمير المؤمنين: استوصوا بالقبطيين خيرا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالقبطيين خيرا؛ لأن لهم رحما وصهرا» «1» .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أنجبت مارية له صلى الله عليه وسلم إبراهيم الذي أعتق أمه من الرق، ثم حمل وليدها وابنه بين يديه في غبطة وسماه «إبراهيم» تيمنا بإبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام.
ودب دبيب الغيرة في قلب عائشة بنت أبي بكر التي كادت تحترق من الحزن رغم محاولاتها كتمان ذلك تماما، لكن لا يقدم ذلك ولا يؤخر في القدر المقدور ...
لقد قرت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد الذي رزقه الله به من الحسناء المصرية (مارية) وهو يربو على الستين من عمره....
وما كان يؤجج الغيرة، ويثير الحفائظ، مثل كثرة اختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالية ...
لكن لم يشب إبراهيم عن الطوق حتى غرب نجمه وغار وهو في مهده، وانطفأ مصباحه المنير فقد مرض ولما يبلغ العامين من عمره ... ونزل به المرض نزولا شديدا لم ينفع له تمريض ولم يدفع منه شيئا ...
وجاءه صلى الله عليه وسلم معتمدا لشدة ما به من الألم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فالتقط صغيره من حجر أمه وعيناه مغرورقتان بالدموع الواكفة وقلبه مضطرم بالنيران المشبوبة وفؤاده محزون تتقطع نياط قلبه ... وتغرب عينا إبراهيم بعد لحظة وداع فاترة النظرات إلى الملامح والتقاسيم ... وينظر رسول الله صلى الله وسلم لابنه وهو يكيد بنفسه فيقول:إنا يا إبراهيم لا نغني عنك من الله شيئا.
وأخرج الشيخان في الصحيحين، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على (أبي سيف، القين) وكان ظئرا لإبراهيم عليه السّلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشمه.
ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ... فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمعان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا بن عوف، إنها رحمة . ثم أتبعها أخرى فقال صلى الله عليه وسلم:إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
وكان إبراهيم عليه السلام ولد سنة ثمان وقضى نحبه سنة عشر من الهجرة على الأرجح.
ثم قال عليه الصلاة والسلام وعيناه تكفان وتهضبان سخين العبرات وانحنى على جثمان صغيره المسجى يقبله ثم قال:يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون. تبكي العين وتدمع ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وفي رواية ولا نقول ما يسخط الرب .
ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إبراهيم طويلا فما أهل عليه ربيع السنة التالية إلا وكان لاحقا بالرفيق الأعلى ...ثم بقيت بعده مارية رضي الله عنها بضع سنوات في شبه عزلة عن الحياة والأحياء لا تكاد تشعر بالدنيا من حولها حبيسة دارها حلس بيتها وأدركها الوهن والحزن العميق والكابة ... فلا تكاد تبرح وتزايل دارها إلا لزيارة الحبيبين في المسجد أو في البقيع ... ولما دنت ساعة الرحيل أسلمت الأنفاس وجادت بالروح إلى بارئها راضية مرضيا عنها وحشد عمر رضي الله عنه لجنازتها الناس وصلى عليها ثم دفنها بالبقيع فرضي الله عنها وأرضاها وسلام عليها في جنات النعيم.
===========================
وهنا سؤال يطرح نفسه هل ماريه تعد من أمهات المؤمنين ؟
=========================================
فأمهات المؤمنين تطلق عند أهل العلم على كل امرأة عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل بها.
جاء في الموسوعة : يؤخذ من استعمال الفقهاء أنهم يريدون بـ " أمهات المؤمنين " كل امرأة عقد عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلمودخل بها , وإن طلقها بعد ذلك على الراجح .
وعلى هذا فإن من عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها فإنها لا يطلق عليها لفظ " أم المؤمنين " . ومن دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التسري , لا على وجه النكاح , لا يطلق عليها " أم المؤمنين " كمارية القبطية . ويؤخذ ذلك من قوله تعالى في سورة الأحزاب { وأزواجه أمهاتهم } . انتهى.
فتبين من هذا أن مارية القبطيةليست من أمهات ألمؤمنين لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعقد عليها . وإنماتسرى بها فولدت له إبراهيم، ومع أنها ليست من أمهات المؤمنين، فإنه لا يجوز لها الزواج بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
جاء في شرح الخرشي لمختصرخليل المالكي :
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه يحرم على غيره أن يأخذ من دخل بها النبي عليه الصلاة والسلام ومات عنها لا طلقها، وكذا تحرم السرية وأم الولد التي فارقها بموت أو عتق أو بيع، وبعبارة أخرى أي ونكاح مدخولته لغيره وسواء كانت حرة أو أمة انتهى.
وجاء في كتاب الحاوي للماوردي الشافعي :
فأما من وطئها من إمائه النبي ، فإن كانت باقية على ملكه إلى حينوفاته مثل مارية أم ابنه إبراهيمحرم نكاحها على المسلمين ، وإن لم تصر كالزوجات أما للمؤمنين لنقصها بالرق. انتهى
جاء في مواهب الجليل للحطابالمالكي :
وقد قال ابن القطان من أصحابنا في كتاب الإقناع في مسائل الإجماع: اتفقوا على أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق حرا وأمه مارية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمة على الرجال بعده غير مملوكة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يطؤها بعد ولادتها، وأنها لم تبع بعده ولا تصدق بها وإنما كانت بعده عليه السلام حرة. انتهي
=========================================
المصادر والمراجع
===========
نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم السيد الجميلى
تراجم سيدات بيت النبوة رضي الله عنهن. دكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ طبعة أولى- نشر دار الريان للتراث 1988 م.
السيرة النبوية لابن هشام بتحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا- مطبوعة دار التراث العربي- القاهرة 1979 م
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار دكتور السيد الجميلي دار المشرق العربي بمصر طبعة أولى 1987 م.
الروض الأنف للسهيلي طبعة مؤسسة مختار والكليات الأزهرية 1972م.
الروض المعطار في خبر الأقطار (معجم جغرافي) لمحمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق د. إحسان عباس- مؤسسة ناصر للثقافة 1980 م.
سنن أبي داود.
تفسير القرطبي والطبري وابن كثير والبحر المحيط.
- تفسير البحر المحيط لأبي حيان.
- تفسير الفخر الرازي الكبير.
- تفسير الكشاف للزمخشري.
- تفسير التسهيل لعلوم التنزيل.
الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر، مطبوع على هامش الإصابة 1939 م. ثم نقلت عن الطبعة الأخيرة أيضا.
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير طبعة مصر 1280 هـ.
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني طبعة مصر 1939 م.
والأخيرة أيضا.
الأعلام لخير الدين الزركلي، الطبعة الأولى ثم الطبعة الأخيرة (السابعة) دار العلم للملايين 1986 م.
أنساب الأشراف للبلاذري بتحقيق الدكتور محمد حميد الله. طبعة دار المعارف 1959 م.
تاريخ الطبري. الطبعة الأولى، ثم طبعة مؤسسة الأعلمي- بيروت لبنان، بدون تاريخ.
العشرة المبشرون بالجنة. تأليف الدكتور السيد الجميلي طبعة دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان 1984 م.
فتوح البلدان للبلاذري- تحقيق رضوان محمد رضوان. نشر العلمية 1983 م.
- معجم البلدان لياقوت الحموي- طبعة دار صادر بيروت. بدون تاريخ.
- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي ط. العلمية 1984 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق