Our Blog

الدرس الثامن من سلسله أمهات المؤمنين

سلسله  أمهات النبي
الدرس الثامن من سلسله أمهات المؤمنين (جويريه)
===============================
جويرية بنت الحارث الخزاعية
سيدة بني المصطلق (الأخيذ الحسناء) ( ... - 56 هـ) ( ... - 676 م.)
هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار  من خزاعة  إحدى أمهات المؤمنين  كانت زوجا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسافع بن صفوان الذي قتل يوم المريسيع سنة ست للهجرة.
وكان الحارث بن أبي ضرار شريفا في الجاهلية، سيدا في قومه، مشارا إليه بالبنان  وقد سبيت مع بني المصطلق  فافتداها أبوها  وكان نصيبها الحسن  وفألها الطيب أن تكون مقسومة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان اسمها (برّة) فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اسم (جويرية) وكانت من  فضليات النساء أدبا وفصاحة. وقد روت سبعة أحاديث متفقا عليها عند الشيخين  ومخرجة في الصحيحين. وقد لقيت ربها راضية مرضيا عنها سنة ست وخمسين للهجرة عن عمر يناهز خمسا وستين سنة وقيل في رواية أخرى سبعين سنة.
ذكرت كتب التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان انتصر انتصارا ساحقا ماحقا على جموع الأحزاب الذين تحزبوا عليه من المشركين الذين دفعهم اليهود دفعا حتى يأتوا على المسلمين في ديار هجرتهم.وكان المشركون أخيافا مختلفين  وأوزاعا متباينين اجتمعوا على عقيدة واحدة وتحت راية واحدة لهدف واحد هو الإطاحة بالإسلام والمسلمين فما لبثوا أن أمكن الله تعالى منهم، وجعل أمرهم حديثا مضروبا فمكن الله من رقابهم سيوف الإسلام الماضية المشحوذة باليقين والإيمان.
في هذه الواقعة المشهودة (وقعة الخندق) لم يكن المسلمون غير ثلاثة آلاف موحد من عمالقة الفرسان والكماة الشجعان والمغاوير البسلاء، وكانت قريش قد أقبلت برجلها وعدتها وعتادها، وبأبطالها وفرسانها في عشرة آلاف من الأحابيش، يظاهرهم لفيف من بني كنانة وتهامة، ثم غطفان ومن والاهم من النجديين، وكان اليهود قد أماطوا اللثام، وحسروا النقاب عن وجوههم الكالحة، وضمائرهم المريضة السقيمة المعتلة، ونقضوا عهدهم، وجهروا بذلك، رافعين لواء الغدر والخيانة والخديعة ... واندفعوا على المسلمين مغيرين عليهم في اجتياح مروع حتى ضاقت على المسلمين الأرض بما رحبت ولم يكن لهم منجاة من الأمر إلا بالتسليم لله تعالى وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، ومع أنهم زلزلوا زلزالا شديدا، وكسر في ذرعهم، فقد حفر المسلمون الخندق بمشورة وبرأي سلمان الفارسي. وكان رأيا سديدا مباركا فيه جعل الدائرة تدور على أعداء الله وزلزل أقدامهم، ورعب قلوبهم، وكسر شوكتهم، وألان عريكتهم، وجعلهم أحاديث فسرعان ما كروا راجعين إلى ديارهم من حيث أتوا، مغلولين مقهورين مقموعين، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد حصار شديد عنيف على مدى سبع وعشرين ليلة متواصلة.
كان النصر على أعداء الله ساحقا ومروعا، شفى الله به الصدور، وأفلج به الحجة، وأذل به الحق سبحانه أعناق الطامعين فانقلبوا خاسرين ناكبين مغلولين.
وما أن تخفف المسلمون الظافرون من شكتهم ومن أسلحتهم، حتى أخلدوا يلتمسون الراحة، وما هي إلا سويعات حتى سمعوا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ينادي:  من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة  .
وفي فهم هذا النداء انقسم الناس إلى فريقين في فقه مقصوده صلى الله عليه وسلم من أمره ألايصلين السامع المطيع العصر إلّا في بني قريظة، وكان إقراره صلى الله عليه وسلم لكلا الفريقين تسويغا وتجويزا للاجتهاد ومشروعية التدبر والتأمل  حتى في وجوده صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.فالبعض فهم أنه لا بد أن ينفذ الأمر على ظاهر اللفظ فسارع بالنهوض وخف لتنفيذ هذا الأمر، وفي معتقده أن الظاهر هو المقصود باللفظ ومدلوله ...ولم ير هذا النفر داعيا لتأويله فأنظروا صلاة العصر حتى بلوغهم بني قريظة ...لكن الاخرين رأوا أن اللفظ محمول على المجاز وهو كناية من النهوض والمسارعة بعزيمة قوية  وهمة شجاعة فصلوا في الطريق لفهمهم وفقههم بأن الظاهر ليس مقصودا لذاته.. وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء، وهؤلاء، من غير تثريب أو لوم أو إنحاء ...وحصر المسلمون يهود بني قريظة خمسة وعشرين يوما، وانتهى أمرهم بالتسليم، ويومئذ فرح المؤمنون بنصر الله ... ثم كانت بعد ذلك غزوة بني لحيان ثم غزوة ذي قرد ... ولم يسترح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك غير شهر أو بعضه حتى نما إلى علمه أن بني المصطلق الخزاعيين يحشدون الحشود ويجيشون الجيوش يزمعون لقاءه، ويعمدون إلى مواجهته  وأن الصدام صار وشيكا ... وكان زعيمهم في هذا الاستعداد والتأهب الحارث بن أبي ضرار بن حبيب  سيدهم وكبيرهم، وكانت الملحمة عند ماء يسمى المريسيع، وكانت حفرتها عائشة رضي الله عنها.
وكانت الواقعة، حيث اشتجرت الأسنة، والتحم الفرسان، وقصرت الأعنة، واصفرت الألوان، وحمي الوطيس، وخفقت الأعمدة على المغافر، وسطع الرهج من سنابك الخيل، وتداعت الأصوات، وتجاوبت الأصداء، وترجرجت الأرض وبلغت القلوب الحناجر حتى أسفرت الحرب بعد هياجها عن انكشاف أعداء الله، وانكسار شوكتهم، وولوا مدبرين، ولم يكن له محيص ولا تحويل عن القتل والأسر.
وسيقت أبطالهم أسارى، كما سيقت النساء سبايا ومنهن  برّة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب  عميدهم وسيدهم وكبيرهم، وهي الأخيذ الحسناء الجميلة التي قاربت العشرين من عمرها. تستمتع بخلابة وحسن فائق لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه.
ذات يوم استأذنت في الدخول على رسول الله صلى الله عليه والمثول بين
يديه لتسأل عن كتابتها على ثابت بن قيس الأنصاري   الذي كانت وقعت في سهمه، فكاتبها على نفسه، ولما أذن لها بالمثول بين يديه صلى الله عليه وسلم وحكت له هذا الأمر رقّ قلبه من هلع وذعر الشابة العربية المليحة الغانية الحسناء الهلوع عندما قالت وهي مكروبة ملهوفة ضارعة:يا رسول الله، أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ... فكاتبته على نفسي ... ثم جئتك أستعينك على أمري  .
أخذته صلى الله عليه وسلم الشفقة والحدب والرقة عليها، وقال لها:فهل لك في خير من ذلك؟  .سألت في حيرة وقلق ولهفة:  وما هو يا رسول الله؟  .
قال: أقضي عنك كتابتك وأتزوجك  .
فتألق وجهها الجميل بفرحة الغبطة، وقالت وهي لا تكاد تصدق أنها قد نجت من الضياع والهوان:  نعم، يا رسول الله!  قال عليه الصلاة والسلام:  قد فعلت  .
ودخلت (برّة) التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم (جويرية) بيت النبوة لتصبح أما للمؤمنين، بعد أن كانت أخيذا سبية تجرعت الذل والهوان وهي العربية المضرية الخزاعية ابنة سيد قومها.
وفي رواية أخرى ذكرها صاحب الاستيعاب أن أباها هو الذي ذهب وأعد
بكرين أخفاهما في شعاب مكة ليفتدي بهما ابنته من الأسر، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفدي ابنته، فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البكرين اللذين أخفاهما في شعاب مكة ولم يعرف بأمرهما أحد شهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حقا وصدقا، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تخيير ابنته بين أن تكون طليقا من الأسر بالفدية وبين أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فقبل أبوها وخيّرها فاختارت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختارت الإيمان لتكون في أحمى جناب، وأجمل جوار، فيزداد شرفها رفعة، وتنال ذكرا طيبا حسنا إلى يوم القيامة، فرضي الله عنها وأرضاها. وذكر في السيرة أن صداقها كان أربعمائة درهم.
ولم تكن هناك امرأة خلعت على قومها من الكرامة والبركة مثل ما صنعت جويرية، حيث إن أهلها من تلك اللحظة التي بنى عليها رسول الله صلى الله عليه صاروا أصهارا له فكان كل صحابي بيده أسرى منهم أطلقه أو أطلقهم أحرارا تكريما لمكانة مصاهرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: قد أعتق أهل مائة بيت من بني المصطلق.
وكانت السيدة عائشة أول من رآها وهي على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقبلتها، وكأن خوفا شديدا قد ألقي في قلب السيدة عائشة إذ شعرت أن شيئا سيحدث إرهاصا وتوقعا إذا ما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تقول السيدة عائشة:وكانت  أي جويرية  امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه،فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أن سيرى منها ما رأيت .
بتصرف من السيرة.
ولقيت ربها راضية مرضيا عنها  بعد أن عمت بركتها قومها جميعا  ونجت بنفسها وبأهلها وذويها  وحسبها أن تكون أما للمؤمنين  فأعزها الله بعد ذلة  ورفع شأنها، وأعلى ذكرها، فرضي الله عنها وأرضاها وسلام عليها في الصالحين، والحمد لله رب العالمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.