لماذا نصوم رمضان؟
============
============
تجارة العلماء هي تجارة النيات، ومعنى ذلك: أنهم يستحضرون النيات الكثيرة في العمل الواحد، فيفوقون بالأجر من سواهم.
تجارة النيات أن تؤدي عملا واحدا وتنوي به أكثر من نية صالحة فتتداخل عبادة في عبادات، ونية في نيات، وثمرة ذلك أجور كثيرات، من رب كريم واسع المكرمات، جزيل الأعطيات.
قال الإمام الغزالي: ((ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير، وتشمره له، وتفكره فيه، فبهذا تزكو الأعمال وتتضاعف الحسنات)).
و هذا باب واسع , وسوق شاسع , كل يتاجر فيه حسب رأس ماله , وهو العلم والتقوى
قال ابن القيم/ الفوائد
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل
فما هي نيتك هذا العام ؟
هيا لنرى التجارة الرابحة و الأجور العظيمة :
أولا: تصوم رمضان لأنك مسلم آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم –ورسولا
والمسلم من استسلم لما شرع الله تعالى – (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)( النور )
والمسلم من اجتمعت فيه خمسة دعائم كما في الحديث
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وأقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)( )
يقول ابن بطال –رحمه الله - قال المهلب: فهذه الخمس هى دعائم الإسلام التى بها ثباته، وعليها اعتماده، وبإدامتها يعصم الدم والمال، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: تمت أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله - ، وبهذا احتج الصِّدِّيق حين قاتل أهل الردة حين مَنْعِهِمُ الزكاة، وقال: واللهِ لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واتبعه على ذلك جميع الصحابة
قال الإمام النووي –رحمه الله- قولهr( بني الإسلام على خمس )
أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلامه ، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه وهي خمس يتم بأركناه وهى خمس ،وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم ،فكذلك البناء المعنوي ،ولهذا قال ( الصلاة عمادالدين فمن تركها فقد هدم الدين )
وكذلك البقية ومما قيل في البناء المعنوي
بناء الأمور بأهل الدين ما صلحوا && وان تولوا فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوصى لا سراة لهم && ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبت لا يبنى إلا له عمد && ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
ثانيا ونصوم رمضان :حتى نحقق الغاية المنشودة من تلك الفريضة ألا وهي تقوى الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه بإطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى.
فالصوم منهج رباني من خلاله يحقق البعد معنى التقوى لان التقوى هي كما عرفها طلق بن حبيب (: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله)
وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال بلى قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال :
( خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى )
( واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى )
( لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى )
ثالثا أَصُومُ لأن الصوم لا مِثْلَ له:
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم-:"مُرني بعمل أدخل به الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-:": عليك بالصوم فإنه لا مثل له " ـ وفي رواية عند النسائي: " عليك بالصوم، فإنه لا عدل له"
ثالثا أَصُومُ لأن الصوم من أشرف العبادات:
فقد أضاف الله عز وجل الصوم له، فهذا يدل على تشريفه دون سائر العبادات فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:""قال الله عز وجل : "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" (متفق عليه)
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: كفى بقوله: "الصوم لي" فضلاً للصيام على سائر العبادات. اهـ
رابعا أَصُومُ لأن الصيام رفعة في الدرجـات، والله يعطي على الصيام ما لا يعطي على غيره:
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: المراد بقوله: "إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطَّلعَ عليها بعض الناس.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير.كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال: "إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به" (صحيح الترغيب:968)
وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم يُضَاعفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ : إلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"
ولك أن تتخيل إذا قال الله عز وجل الكريم "وأنا أجزي به" فكيف سيكون العطاء؟
خامسا أَصُومُ لأن الصوم في الصيف جزاؤه الري والسقيا يوم العطش:
فقد أخرج البزار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "أن رسول الله –رضي الله عنه - بعث أبا موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك، قد رفعوا الشِّراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف فوقهم يهتف يا أهل السفينة! قِفوا أخبركم بقضاء قضاهُ الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً، قال: إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف؛ سقاه الله يوم العطش". ـ الشِّراعُ: بكسر الشين المعجمة، هو قلاع السفينة.
ـ وفي رواية: "إن الله قضى على نفسه أن مَن أعطش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يُرويه يوم القيامة " (حسنة الألباني في "صحيح الترغيب":1/412)
فكان أبو موسى يتوخَّى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه.
سادسا أَصُومُ لأن للصائم دعوة لا ترد:أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- :
"ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر" (صحيح الجامع:3031)
وأخرج البيهقي أيضاً بسنده عن النبي r قال:"ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر" (صحيح الجامع:3032)
سابعا أَصُومُ حتى يكون خُلوف فمي أطيب عند الله من ريح المسك:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال: "والذي نفس محمدٍ بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك".
بصيامهم بين الناس لإخفائهم صيامهم في الدنيا.
وقال أبو حاتم ـ رحمه الله ـ: شعار المؤمنين في القيامة: التحجيل بوضوئهم في الدنيا، فرقاً بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم: طيبُ خُلُوفهم أطيب من ريح المسك؛ ليُعْرَفوا من ذلك الجمع بذلك العمل. نسأل الله بركة هذا اليوم.
ثامنا ـ أَصُومُ حتى أفرح عند فطري، وأفرح عند لقاء ربي:
فقد أخرج الإمام مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم-:":"للصائم فرحتان: فرحه حين يفطر، و فرحة حين يلقى ربه" وفي رواية:"للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه"
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
• أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً
• وأما فرحه عند لقاء ربه:
فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى:
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجرَاً} [المزمل:20]
تاسعا أَصُومُ لأن الصوم جُنَّة عن الشهوات:فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال:
"الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل".وعند الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال:
"يا كعب بن عُجرة: الصوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة برهان ـ أو قال: قربان ـ يا كعب بن عُجرة، الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها".
وعند الإمام أحمد أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما –
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خِصاء أمتي الصيام"
ففي الصوم كسر للشهوة، وقمع للشيطان بسد مسالكه وتضييق مجاريه؛ ولذلك وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب الذين ليس لهم قدرة على الزواج؛ ليُقوِّم أخلاقهم، ويكسر شهوتهم، ويعدل سلوكهم.
فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه - قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم-:":
"يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ـ والوجاء: هو رضُّ عروق الخصية من غير إخراج لها (والرَّضُّ: الدق والكسر) فيكون شبيهاً بالخِصاء.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
الجنة: الوقاية والستر، وتبيَّن بالروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار.
قال عياض ـ رحمه الله ـ:
معناه: ستره من الآثام، أو من النار، أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النووي.
قال الشيخ عمر الأشقر ـ رحمه الله ـ: الصيام جنة ووقاية يقي العبد الذنوب والمعاصي، والبغيض من الكلام، والسيئ من الفعال، وبذلك يتقي العبد النار.
قال المناوي ـ في "فتح القدير":الصوم وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة. اهـ
لأنه يقمع الهوى، ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فإن الشبع مجلبة للآثام، منقصة للإيمـان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم-:": "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه".
فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته، وتشوَّشت فكرته، وغلب عليه الكسل والنعاس؛ فيمنعه عن العبادات، ويشتد غضبه وشهوته فيقع في الحرام
و للحديث صلة و بقية في الدرس القادم
تجارة النيات أن تؤدي عملا واحدا وتنوي به أكثر من نية صالحة فتتداخل عبادة في عبادات، ونية في نيات، وثمرة ذلك أجور كثيرات، من رب كريم واسع المكرمات، جزيل الأعطيات.
قال الإمام الغزالي: ((ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير، وتشمره له، وتفكره فيه، فبهذا تزكو الأعمال وتتضاعف الحسنات)).
و هذا باب واسع , وسوق شاسع , كل يتاجر فيه حسب رأس ماله , وهو العلم والتقوى
قال ابن القيم/ الفوائد
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل
فما هي نيتك هذا العام ؟
هيا لنرى التجارة الرابحة و الأجور العظيمة :
أولا: تصوم رمضان لأنك مسلم آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم –ورسولا
والمسلم من استسلم لما شرع الله تعالى – (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)( النور )
والمسلم من اجتمعت فيه خمسة دعائم كما في الحديث
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وأقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ)( )
يقول ابن بطال –رحمه الله - قال المهلب: فهذه الخمس هى دعائم الإسلام التى بها ثباته، وعليها اعتماده، وبإدامتها يعصم الدم والمال، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: تمت أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله - ، وبهذا احتج الصِّدِّيق حين قاتل أهل الردة حين مَنْعِهِمُ الزكاة، وقال: واللهِ لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واتبعه على ذلك جميع الصحابة
قال الإمام النووي –رحمه الله- قولهr( بني الإسلام على خمس )
أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلامه ، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه وهي خمس يتم بأركناه وهى خمس ،وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم ،فكذلك البناء المعنوي ،ولهذا قال ( الصلاة عمادالدين فمن تركها فقد هدم الدين )
وكذلك البقية ومما قيل في البناء المعنوي
بناء الأمور بأهل الدين ما صلحوا && وان تولوا فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوصى لا سراة لهم && ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبت لا يبنى إلا له عمد && ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
ثانيا ونصوم رمضان :حتى نحقق الغاية المنشودة من تلك الفريضة ألا وهي تقوى الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه بإطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى.
فالصوم منهج رباني من خلاله يحقق البعد معنى التقوى لان التقوى هي كما عرفها طلق بن حبيب (: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله)
وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال بلى قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال :
( خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى )
( واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى )
( لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى )
ثالثا أَصُومُ لأن الصوم لا مِثْلَ له:
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم-:"مُرني بعمل أدخل به الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-:": عليك بالصوم فإنه لا مثل له " ـ وفي رواية عند النسائي: " عليك بالصوم، فإنه لا عدل له"
ثالثا أَصُومُ لأن الصوم من أشرف العبادات:
فقد أضاف الله عز وجل الصوم له، فهذا يدل على تشريفه دون سائر العبادات فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:""قال الله عز وجل : "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" (متفق عليه)
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: كفى بقوله: "الصوم لي" فضلاً للصيام على سائر العبادات. اهـ
رابعا أَصُومُ لأن الصيام رفعة في الدرجـات، والله يعطي على الصيام ما لا يعطي على غيره:
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: المراد بقوله: "إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطَّلعَ عليها بعض الناس.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير.كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال: "إن ربكم يقول: كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به" (صحيح الترغيب:968)
وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدم يُضَاعفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ : إلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"
ولك أن تتخيل إذا قال الله عز وجل الكريم "وأنا أجزي به" فكيف سيكون العطاء؟
خامسا أَصُومُ لأن الصوم في الصيف جزاؤه الري والسقيا يوم العطش:
فقد أخرج البزار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "أن رسول الله –رضي الله عنه - بعث أبا موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك، قد رفعوا الشِّراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف فوقهم يهتف يا أهل السفينة! قِفوا أخبركم بقضاء قضاهُ الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً، قال: إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف؛ سقاه الله يوم العطش". ـ الشِّراعُ: بكسر الشين المعجمة، هو قلاع السفينة.
ـ وفي رواية: "إن الله قضى على نفسه أن مَن أعطش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يُرويه يوم القيامة " (حسنة الألباني في "صحيح الترغيب":1/412)
فكان أبو موسى يتوخَّى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه.
سادسا أَصُومُ لأن للصائم دعوة لا ترد:أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- :
"ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر" (صحيح الجامع:3031)
وأخرج البيهقي أيضاً بسنده عن النبي r قال:"ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر" (صحيح الجامع:3032)
سابعا أَصُومُ حتى يكون خُلوف فمي أطيب عند الله من ريح المسك:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال: "والذي نفس محمدٍ بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك".
بصيامهم بين الناس لإخفائهم صيامهم في الدنيا.
وقال أبو حاتم ـ رحمه الله ـ: شعار المؤمنين في القيامة: التحجيل بوضوئهم في الدنيا، فرقاً بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم: طيبُ خُلُوفهم أطيب من ريح المسك؛ ليُعْرَفوا من ذلك الجمع بذلك العمل. نسأل الله بركة هذا اليوم.
ثامنا ـ أَصُومُ حتى أفرح عند فطري، وأفرح عند لقاء ربي:
فقد أخرج الإمام مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم-:":"للصائم فرحتان: فرحه حين يفطر، و فرحة حين يلقى ربه" وفي رواية:"للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه"
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
• أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً
• وأما فرحه عند لقاء ربه:
فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى:
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجرَاً} [المزمل:20]
تاسعا أَصُومُ لأن الصوم جُنَّة عن الشهوات:فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال:
"الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل".وعند الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم-:" قال:
"يا كعب بن عُجرة: الصوم جُنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة برهان ـ أو قال: قربان ـ يا كعب بن عُجرة، الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها".
وعند الإمام أحمد أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما –
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خِصاء أمتي الصيام"
ففي الصوم كسر للشهوة، وقمع للشيطان بسد مسالكه وتضييق مجاريه؛ ولذلك وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب الذين ليس لهم قدرة على الزواج؛ ليُقوِّم أخلاقهم، ويكسر شهوتهم، ويعدل سلوكهم.
فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه - قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم-:":
"يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ـ والوجاء: هو رضُّ عروق الخصية من غير إخراج لها (والرَّضُّ: الدق والكسر) فيكون شبيهاً بالخِصاء.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
الجنة: الوقاية والستر، وتبيَّن بالروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار.
قال عياض ـ رحمه الله ـ:
معناه: ستره من الآثام، أو من النار، أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النووي.
قال الشيخ عمر الأشقر ـ رحمه الله ـ: الصيام جنة ووقاية يقي العبد الذنوب والمعاصي، والبغيض من الكلام، والسيئ من الفعال، وبذلك يتقي العبد النار.
قال المناوي ـ في "فتح القدير":الصوم وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة. اهـ
لأنه يقمع الهوى، ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فإن الشبع مجلبة للآثام، منقصة للإيمـان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم-:": "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه".
فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته، وتشوَّشت فكرته، وغلب عليه الكسل والنعاس؛ فيمنعه عن العبادات، ويشتد غضبه وشهوته فيقع في الحرام
و للحديث صلة و بقية في الدرس القادم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق