رمضان شهر الرحمة
===========
اعلم -علمني الله وإياك -:
أن من صفات شهر رمضان أنه شهر الرحمة ويا لها من صفة قد انصبغ ذلك الشهر بها فهي رحمة عامة ورحمة شاملة رحمة.... فهيا لنتعرف على هذه الصفة عن كثب
إن من السمات التي يتصف بها ديننا الحنيف " الرحمة "، فالرحمة ظل وارف على كافة مبادئ الإسلام وتشريعاته وتعاليمه.
والرحمة صبغة ظاهرة في القرآن الكريم تتجلى في أحكامه وتوجيهاته كما تتجلى في لفظه وبيانه.
لقد أنزل الله كتابه العظيم هداية ورحمة للمؤمنين , قال تعالى : {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 1 - 3] وقال سبحانه : {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77], وقال سبحانه : " {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]. فالقرآن كتاب رحمة كما هو كتاب هداية للناس.
الرحمة لغةً: الرقّة، والتّعطّف، والرأفة، وما تقع به الرحمة كالغيث، والمطر، والرحمة اصطلاحاً: إيصال المنافع والمصالح إلى العبد وإن كرهتها نفس المعطي، وهي من صفات الله تعالى من محبته لعباده، قال تعالى: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [فاطر: 2].
دلائل رحمة الله في آيات الصيام
و هيا لنتعرف على مظاهر الرحمة في آيات الصيام يقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } [البقرة: 183 - 186]
أولا: أن الله تعالى افترضه علينا كما افترضه على الأمم من قبلنا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }و في ذلك تسلية للمسلم أن هذا الأمر ليس فيه بأوحد بل قد فرض على الأمم السالفة أيضا
يقول الفخر الرازي – رحمه الله-يعني هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم، ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لا يفرضها عليكم وحدكم وفائدة هذا الكلام أن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عم سهل تحمله. ( )
يقول ابن عاشور – رحمه الله-
والغرض الثاني أن في التشبيه بالسابقين تهوينا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان ولمن يستثقله من قريبي العهد بالإسلام، وقد أكد هذا المعنى الضمني قوله بعده: أياما معدودات. ( )
ثانيا: أن الله تعالى ما افترضه علينا طوال العام أو اشهرا عديدة بل افترضه علينا أياما معدودات تعد عدا و في ذلك تخفيفا على الأمة و رحمة بهم { أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}
قال ابن كثير: بين الله مقدار الصوم وأنه ليس في كل يوم لئلا يشق على النفوس، فتضعف عن حمله وأدائه، بل أياما معدودات " ثم ذكر أن الصيام كان في أول الإسلام أياما معدودات من كل شهر ثم نسخ بصيام شهر رمضان ( )
ثالثا: أن الله تعالى أسقطه عن المرضى والمسافرين وأصحاب الأعذار رحمة ورأفة بهم
قال تعالى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
إبقاء على رخصة الفطر للمريض والمسافر، مع قضاء ذلك الصوم في أيام أخر بعد زوال العذر. وقد تكرر ذكر هذا الحكم لئلا يتوهم نسخه بعد فرض الصوم ورفع الرخصة بالفطر والإطعام.
فالمرض والسفر يصيب المسلم بالمشقة والله تعالى رفع عن هذه الأمة الحرج والأغلال التي كانت على الأمم السابقة قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ} [الحج: 78]
فمن كان مريضا ولا يستطيع الصوم لمرض عارض فان الله تعالى رحمة به شرع ورخص له الفطر ثم القضاء بعد أن يعافيه الله تعالى
أما إن كان مريضا مرضا مزمنا دائما فالله تعالى أسقط عنه الصوم وشرع له الفدية
والسفر قطة من العذاب فهو يجلب المشقة على المسافر فاذا كان المسلم مسافرا لحاجة فان الله تعالى خفف عنه وشرع له الصوم
وكذلك الشيخ الكبير أسقط عنه الصوم رحمة به وأوجب عليه الفدية
رابعا بين سبحانه تعالى لنا سعة رحمته بعباده الصائمين فقال سبحانه { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
تقرير لقاعدة شرعية عامة كلها رحمة ورأفة ولطف؛ فالله عز وجل يريد التيسير والتخفيف على العباد في كل ما يشرعه ويأمر به وإن كان ظاهر بعض العبادات غير ذلك أحيانا. ومن غاية الرحمة واللطف أن تأتي هذه القاعدة الشرعية العامة في ثنايا أحكام الصيام فهي تضفي على الآيات ظلال المودة ونسمات الأنس بمحبة الله اللطيف الرؤوف بعباده المؤمنين. إذ إن هذه القاعدة تنفي كل ما قد يخامر القلب من إحساس بثقل هذه العبادة التي كلف بها. وتزرع الثقة بأن كل أحكام الله يسر ومرحمة، وأن الله سبحانه لا يشرع ما فيه العسر والمشقة على العباد، كيف يكون ذلك وهو أرحم الراحمين ؟!
قال ابن سعدي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله. وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
هذه القاعدة الربانية من أعظم دلائل رحمة الله. وكونها في ثنايا آيات الصيام دليل آخر على رحمته سبحانه.
خامسا : إباحة الأكل و الجماع ليلا : و من كمال الرحمة الربانية انه سبحانه وهو العليم الخبير الذي يعلم مدى ضعف الإنسان و عدم صبره عن البعد عن شهوته الحلال فشرع لهم سبحانه الليل ليقضوا فيه رغبتهم و يحفظوا فيه أبصارهم و لا يختانوا أنفسهم{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]
يمتن الله على عباده برحمته لهم ورأفته بهم , حيث تاب عليهم وعفا عنهم فيما وقع منهم من مخالفة شرعية في عهد التشريع الأول . فقد وقع بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في ذلك حين جامع بعضهم زوجته بعد نوم أو بعد العشاء. فصارحهم ربهم بما وقع منهم وبادرهم بالتوبة والعفو.
هذه بعض شواهد الرحمة الربانية التي تبينت لي في آيات الصيام في سورة البقرة، رحمة في الأحكام والتشريعات، ورحمة في الألفاظ والصيغ. ورحمة في المعاني والإيحاءات. تعاقبت في الآيات فظللتها بظلال من المودة واللطف والرأفة.
والمؤمن الذي يستشعر هذه الرحمة في وجدانه يخف عنده الإحساس بمشقة الصيام وتعبه. بل يحب هذه العبادة وتسعد روحه بظمأ الهواجر وتضور البطون. لأنه يتفيأ فيها رحمة الله البر الكريم الرؤوف الرحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق