اتقوا الله تعالى، وارقبوه، وامتثلوا أمره ؛ فإنه للظالمين بالمرصاد.
عباد الله!
إن من المهمات التى بعث بها نبي هذه الأمة محمد
وقد علق الله تعالى فلاح العبد بتزكية نفسه، وذلك بعد أحد عشر قسماً متوالياً؛ فقال عز وجل:
عباد الله!
ومن وسائل تزكية النفس : الخوف من الله تعالى.
وإذا
كان المسلم محتاجاً إلى تزكية نفسه بالخوف من الله تعالى في كل وقت؛ فإن
الحاجة إليه في هذا الزمن شديدة؛ لكثرة المغريات والفتن.
والله تعالى أمر عباده بالخوف منه، وكل أحد إذا خفته؛ هربت منه؛ إلا الله؛ فإنك إذا خفته؛ هربت إليه:
قال تعالى:
وقالى تعالى:
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن منازل
وقال
أيضاً: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه،
والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان؛ فالطائر جيد الطيران،
ومتى قطع الرأس؛ مات الطائر، ومتى فقد الجناحان؛ فهو عرضة لكل صائد وكاسر".
عباد الله!
والخائف من الله تعالى أجره عظيم ومنزلته رفيعة:
قال تعالى:
وقال عز وجل:
وقال
وقال
عباد الله!
وكل
إنسان يدعي الخوف من الله، ولكن هذا الخوف: إما أن يكون صورة، أو حقيقة ؛
فمن منعه الخوف من الله من فعل المحرمات؛ فخوفه حقيقة، ومن لم يمنعه الخوف
من الله من فعل المحرمات؛ وتمادى بها؛ فإن خوفه صورة لا حقيقة، وادعاؤه
كاذب.
وكنتيجة لهذا الخوف الصوري رأينا انتشار المعاصي والمنكرات في أوساط المسلمين؛ فما خاف الله حقيقة
من تجرأ على محارم الله، ما خاف الله حقيقة من ترك الصلاة أو تهاون فيها،
وما خاف الله حقيقة من تعامل بالربا، وما خاف الله حقيقة من استمع إلى آلات
اللهو المحرمة أو اشتراها بماله أو مكن من تحت يده من استماعها أو النظر
إليها أو باعها أو أعان على نشرها، وما خاف الله من شرب الدخان أو باعه،
وما خاف الله من ازدرى نعم الله.
وكذلك من النساء من كان خوفها من الله صورة لا حقيقية؛ فما خافت الله من تبرجت أمام.
الرجال الأجانب أو حلت بهم أو لانت بقولها للرجال، أو كانت فتنة لكل مفتون.
وبالجملة؛ فكل من ضيع أوامر الله وارتكب نواهيه؛ فما خاف الله تعالى، وعقابه عند الله أليم.
عباد الله!
النبى
عباد الله!
وكذلك كان الخوف من سمات صحابة الرسول
فتفكروا عباد الله في سيرة هؤلاء واقتدوا بهم، وقارنوا بين حالنا وحال أولئك القوم ؛ فستجدون أنهم في يقظة ونحن في نوم.
عباد الله!
والخوف ينقسم إلى أقسام:
قال
ابن رجب : "القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب
المحارم؛ فإن زاد على ذلك؛ بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل
الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات؛ كان ذلك
فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك؛ بأن أورث مرضاً أو موتاً أو وهماً
لازماً؛ بحيث يقطع عن السعى في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز
وجل؛ لم يكن محموداً".
وقال بعض العلماء: الخوف له قصور، وله إفراط، وله اعتدال، والمحمود منه هو الاعتدال والوسط:
فأما
القاصر منه؛ فهو الذى يجرى مجرى رقة النساء؛ يخطر بالبال عند سماع آية من
القرآن، فيورث البكاء، وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب
ذلك السبب عن الحس؛ رجع القلب إلى الفضلة؛ فهذا خوف قاصر، قليل الجدوى،
ضعيف النفع.
وأما المفرط؛ فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال، حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، وهو مذموم أيضاً؛ لأنه يمنع من العمل.
وأما خوف الاعتدال؛ فهو الذى يكف الجوارح عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات.
وما لم يؤثر في الجوارح؛ فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفاً.
قال بعض الحكماء: ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.
فالخوف
يحرق الشهوات المحرمة، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل
عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما؛ فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب
الجوارح، ويحصل في القلب الخشوع والذل والاستكانة ومفارقة الكبر والحقد
والحسد.
اللهم! اجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين!
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
| |||
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه، ولذلك قال النبي
عباد الله!
وهناك أمور يستجلب بها الخوف، وهي كثيرة:
أولها – وهو الجامع لكل ما يليه -: تدبر كلام الله تعالى وكلام نبيه
فإن تدبر هذا مما يعين على الخوف:
قال الله تعالى:
وقال سبحانه:
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله
الأمر الثاني مما يستجلب به الخوف: التفكر في الموت وشدته:
قال تعالي:
وقال
فيا أيها العاصي الذي قل خوفه من الله! أما تذكر ساعة يعرق لها الجبين، وتخرس من فجأتها الألسن، وتقطر قطرات الأسف من الأعين؟
فتذكر ذلك؛ فالأمر شديد، وبادر بقية عمرك؛ فالندم بعد الموت لا يفيد،
الأمر الثالث : التفكر في القبر وعذابه وهوله وفظاعته:
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قال: كنا مع رسول الله
وقال بعض الحكماء:
أنسيت يا مغرور أنك ميت
أيقن بأنك في المقابر نازل
الأمر الرابع: التفكر في القيامة وأهوالها:
قال تعالى:
وقال تعالى:
الأمر الخامس: التفكر في النار وشدة عذابها وما أعد الله عز وجل فيها لأعدائه:
قال تعالى:
الأمر السادس: تفكر العبد في ذنوبه:
فإنه
وإن كان قد نسيها؛ فإن الله تعالى قد أحصاها، وإنها إن تحط به؛ تهلكه؛ إن
وكله الله إليها، فليتفكر في عقوبات الله تعالى عليها في الدنيا والآخرة،
ولا يغرن المذنب النعم؛ فقد قال
وقال تعالى:
وقال
الأمر السابع: أن يعلم العبد أنه قد يحال بينه وبين التوبة:
وذلك بموت مفاجئ، أو فتنة مضلة، أو غفلة مستمرة، أو تسويف وإمداد إلى الموت أو غير ذلك، وعندها يندم حيث لا ينفع الندم.
الأمر الثامن: من الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى: التفكر في سوء الخاتمة:
فإن العبد ما يدري ما يحدث له في بقية عمره؟!
وقـد كـان رسول الله
وقال تعالى:
وقال
عباد الله!
هذه
بعض الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى، وكل إنسان أعلم بنفسه من
غيره من الناس؛ فإن كانت هذه الأمور موجودة فيه؛ فليحمد الله، وليسأل الله
الثبات، وإن كانت مفقودة؛ فعليه أن يعمل على تحصيلها؛ فإن الأعمال
بالخواتيم.
عباد الله!
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|
Our Blog
الخوف من الله
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق