Our Blog

رمضان شهر التقوى


رمضان شهر التقوى
============
اعلم -بارك الله فيك-: أن الغاية المنشودة من فريضة الصوم هي الوصول إلى التقوى فهي غاية الغايات
الغاية من خلق الجن والإنس هي العبادة قال الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56، 57]
الغاية من العبادة التقوى قال تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]
تعريف التقوى
يقول العلامة القيم رحمة الله " وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانا و احتسابا أمرا و نهيا , فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالأمر و تصديقا بوعده , و يترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهى و خوفا من وعيده
قال طلق ابن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى " قالوا وما التقوى؟
قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله " " وهذا من أحسن ما قيل في حد التقوى "
فان كل عمل لابد له من مبدأ و غاية , فلا يكون العمل طاعة و قربة حتى يكون مصدرة عن الإيمان فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض لا العادة و لا الهوى و لا طلب المحمدة و الجاه  , و غير ذلك بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان , و غايته ثواب الله و ابتغاء مرضاته و الاحتساب , و لهذا كثير ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي -  - من صام رمضان إيمانا و احتسابا     ومن قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا     
"فالتقوى ...... حساسية في الضمير، وشفافية في الشعور، وخشية مستمرة، وحذر دائم، وتوق لأشواك الطريق ...... طريق الحياة .... الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمطامح، وأشواك المخاوف والهواجس، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعاً ولا ضراً".  
فالصيام يورث العبد التقوى كما قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
و هذا ما اخبرنا به النبي – صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "الصيام جُنةٌ وحصنٌ حصين من النار". 
قال النووي: هو بضم الجيم ومعناه سترة ومانع من الرفث والآثام ومانع أيضاً من النار، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم.  
و الصيام حصن حصين يمنع العبد من السقوط في بحر الشهوات عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعَبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رَبِّ، مَنَعته الطعامَ والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعته النومَ بالليل، فشَفِّعْني فيه"، قاَل: "فيشفعانِ".  .
فإن قلت: كيف يحققها العبد؟
الجواب بحول الملك الوهاب: إن الطريق إلى التقوى رسمه الله تعالى لنا ووضحه لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وإليك بيان ذلك:
تمام التقوى
قال أبو الدرداء: " تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراما، يكون حجابا بينه وبين الحرام، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه قال الله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 7] فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، ولا شيئا من الخير أن تفعله " 
وقال الحسن " مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام
وهذا ما يصوره لنا النبي-صلى الله عليه وسلم -: فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات واقع الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه   
وتأمل حال إمام المتقين -صلى الله عليه وسلم -: كيف كان يحقق التقوى في مأكله فقد أخرج البخاري عن انس رضي الله عنه قال   مر النبي -صلى الله عليه وسلم -: -بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها    
عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال " تضور النبي-صلى الله عليه وسلم -ذات ليلة فقيل له ما أسهرك؟ قال: إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها، ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة فما أدرى أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي فذلك الذي اسهرني    
وهكذا علم أصحابه -صلى الله عليه وسلم -التقوى في المأكل والمشرب حتى أن أبا بكر يتقيأ من لقمة أكلها فيها شبهه مخافة أن ينبت منها شيئ فيدخل النار
وقالوا: كنا نترك تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام، ومن وسائل تحقيق التقوى: أن يستشعر العبد باطلاع الله عليه فيستحى عند ذلك من المعصية ويجتهد في الطاعة قال الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]
يقول العلامة ابن كثير -رحمه الله " أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم من بر وبحر، في ليل أو نهار، في البيوت أو القفار الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ويعلم سركم ونجواكم "  
ويقول سبحانه وتعالى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها أية بهذا المعنى
ثم قال " الإمام الشنيقطي -رحمه الله – ( )اعلم أن الله تبارك وتعالى ما انزل من السماء إلى الأرض واعظا اكبر ولا زاجرا أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القران , من انه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه رقيب عليهم وأمثالها في القران , من انه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه رقيب عليهم ليس بغائب عما يفعلونه , وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم مثلا ليصير به كالمحسوس ، فقالوا : لو فرضنا أن ملكا قتالا للرجال سفاكا للدماء , شديد البطش , والنكال على من انتهك حرمته ظلما , وسيافه قائم على رأسه ولنطع مبسوط للقتل والسيف يقطر دماء ,وحول هذا الملك الذي هذه صفته
جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحد من الحاضرين ( )  يهتم بريبه أو بحرام يناله من بيات الملك وأزواجه وهو ينظر إليهم عالم بأنه مطلع عليه ؟ لا وكلا، بل جميع الحاضرين يكونون خائفين وجلة قلوبهم خاشعة عيونهم ساكنة جوارحهم خوفا من بطش ذلك الملك ولا شك ولله المثل الأعلى إن رب السماوات والأرض جل وعلا اشد علما وأعظم مراقبة، واشد بطشا وأعظم نكالا وعقوبة من ذلك الملك وحماه في أرضه محارمه، فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه وأنه مطلع على ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه وخشي الله تعالى وأحسن عمله لله جل وعلا "  
وقد دلت الأحاديث على ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات من وجوب مراقبة الله تعالى والاستحياء منه حق الحياء.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: إِنَّا نَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبَلاَءَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.  
وقال سفيان بن عيينة – رحمه الله-" الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى يستحى، وهل دخل أهل التقوى إلا من الحياء "فمن استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس "أي رأسه " وما وعى " ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة، وحتى لا يستعملها إلا فيما يحل " وليحفظ البطن وما حوى " إي وما جمعه الجوف باتصاله به من القلب والفرج واليدين والرجلين فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيء في معصية الله فان الله ناظر إلى العبد لا يواريه شيء "  
وعن أسامه بن شريك رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت "   
ومن وسائل الحصول على التقوى: أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك.
قال: الشيخ مصطفى السباعي – رحمه الله – إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحة إذا علم الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان "
ويقول ابن القيم – رحمه الله – وملاك الأمر كله الرغبة في الله وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه وإلى لقائه فإن لم يكن للعبد همة على ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم تكن له همه عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه فإن لم تطاوعه نفسه لشيء من ذلك فليعلم أنه خلق للجحيم لا للنعيم ولا يقدر على ذلك بعد قدرة الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه فلم
يجعل الله طريقا إلى الجنة غير مخالفته، ولم يجعل للنار طريقا غير متابعته قال الله تعالى {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)} [النازعات 37 – 41]
وقال تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن 46]
قيل هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامة بين يديه في الآخرة فيتركها الله وقد أخبر الله عز وجل أن إتباع الهوى يضل عن سبيله فقال الله تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26} [ص 26]
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله انه أظلم الظالمين فقال الله عز وجل {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص 50]
وجعل سبحانه المتبع قسمين لا ثالث لها: إما ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإما الهوى فمن اتبع أحداهما لم يمكنه إتباع الآخر   
وهيا نتأمل هذا التدريب العملي لوصول إلى التقوى عندما ينازع العبد شيطانه ويدعه إلى الغواية والضلال مع واحد من أولى الألباب اقتحمت عليه الرزيلة بابه وتكشفت له عن مفاتنها التي تخلب الأنظار انه قاضى من قضاة الإسلام: إنه التابعي الجليل عبيد بن عمير * يسمى قاضى مكة وكان الصحابة يحضرون مجلس وعظة ويبكون فيه ويتأثرون ........... في يوم من الأيام كانت امرأة جميلة بمكة وكان لها زوج فنظرت إلى وجهها في المرآة فأعجبت بجمالها، وقالت لزوجها أترى أحد يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال نعم
قالت من؟ قال: عبيد بن عمير، قالت: فأذن لي فلأفتنه، قال قد أذنت لك، قال فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن مثل فلقة القمر، فقال لها: اتق الله يا أمة الله، قالت: إني قد فتنت بك فانظر في أمري، قال إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقت نظرت في أمرك، قالت لا تسألني عن شيء إلا قد صدقتك، قال: أخبريني: لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة
قالت: اللهم لا: قال صدقت، قال: فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمسألة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة، قالت: اللهم لا، قال: صدقت
قال: لو إن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت اللهم لا، قال صدقت
قال: فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أو بشمالك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت اللهم لا، قال قد صدقت
قال فلو وقفت بين يدي الله للمسألة أكان يسرك أني قد قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا
قال: صدقت
قال: اتق الله يا أمة الله فقد انعم الله عليك وأحسن إليك، فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت أنت بطال ونحن بطالون، فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول: مالي ولعبد بن عمير، أفسدت على امرأتي كانت في كل ليلة عروسا فصيرها راهبة " 
فهذه هي كمال التقوى أن يعلم أن الله أقرب إليه من حبل الوريد
إذا ما هممنا صدنا وازع التقى    فولى على أعقابه الهم خاسئا
وقال آخر:
لا خير فيمن لا يراقب ربه        عند الهوى ويخافه إيمانا
       حجب التقى سبل الهوى فأخو       التقى يخشى إذا وافى المعاد هوانا
فالله هو القائم على كل نفس في رزقها ومماتها وسعادتها وشقاوتها
قال الحارث المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب.
ومما يوصل العبد إلى درجة التقوى ويحول بينه وبين المعاصي والشهوات ما أوضحه لنا إبراهيم بن أدهم – رحمه الله – فقد جاء رجل إليه فقال يا أبا إسحاق: إني مسرف فأشتهى أن تعلمني شيئاً أتنفع به؟
فقال – رحمه الله – إني معلمك خمسة خصال: إن قدرت عليها لم تصبك معصية ولا تؤنبك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق، قال أما الأولى: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه ؟! قال أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه ؟!!
قال: لا
وأما الثانية: إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن شيئاً من بلاده
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، ثم قال: إذا دكان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن ؟!
قال: يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ؟!! ويرى ما تجاهره به ؟!!
قال: لا، هات الثالثة
قال: إذا أردت أن تعصي الله فاذهب إلى مكان لا يراك فيه
قال الرجل: أين أذهب والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ؟!
قال: أفيحسن بك أن تعصاه وهو يراك ؟!
قال: لا هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً، وأعمل لله خالصاً.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع الموت عن نفسك وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟!  قال: هات الخامسة:
قال: إذا جاءك الزبانية ليأخذوك يوم القيامة إلى النار فلا تذهب معهم، قال لا يدعوني ولا يقبلوا مني
قال: فكيف ترجو النجاة ؟!
قال الرجل: حسبي حسبي أنا أستغفر الله وأتوب إليه  
وبعد هذا المنهج التربوي الذي قدمه أولوا الألباب يصل العبد إلى تقوى رب الأرباب ويحوز الأجر والثواب  
التقوى الواجبة هي بفعل الواجبات وترك المحرمات، وقد أمرنا الله بها، فقال ـ:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70].
فالصائم الذي يضيع الصلاة عن وقتها أو مع الجماعة في المسجد لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يعق والديه لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يشرب الخمر أو الدخان أو يتناول المخدرات لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يفطر عمدا بدون عذر شرعي لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يزني لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يسرق لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يأكل الربا والرشوة ويتعامل بهما لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يكذب ويغتاب وينم ويلعن ويشتم لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي ينظر إلى المحرمات ويتابع المسلسلات الهابطة لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يغش في بيعه وشرائه ومعاملاته لم يحقق تقوى الله في صيامه
والصائم الذي يؤذي جيرانه لم يحقق تقوى الله في صيامه
وهؤلاء كلهم قد خسر الثمرة من هذا الصيام الذي لم يشرعه الله لمجرد الامتناع عن الطعام والشراب عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.