Our Blog

رحله الي الدار الاخره ( السؤال في القبر ومسائل حول القبر)

السؤال في القبر

فقد تواترت الاخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كما بينا قبل ذلك في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والايمان به ولا نتكلم في كيفيته اذ ليس للعقل وقوف علي كيفيته لكونه لا عهد له به في هذه الدار والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ... فإن عود الروح الي الجسد ليس علي الوجه المعهود في الدنيا بل تعاد اليه اعاده غير الاعاده المألوفه في الدنيا ..... وقال بن القيم أما احاديث عذاب القبر ومسائله منكر ونكير فكثيره متواتره عن النبي صلي الله عليه وسلم

 ويقول صلي الله عليه وسلم ..... ما من شئ لم اكن رأيته الا رأيته في مقامي هذا حتي الجنه والنار ولقد أوحي الي انكم تفتنون في قبوركم مثل او قريبا من فتنه المسيح الدجال ..

 وبقول صلي الله عليه وسلم ....... وأما فتنه القبر فبي تفتنون وعني تسألون فاذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ثم يقال له ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ فيقول محمـــــــــــــــــــــد رســــــــــــــول الله صلي الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه ..فيفرج له فرجه قبل النــــــــــــار فينظر اليها يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر الي ما وقاك الله ..ثم يفرج له فرجه الي الجنه فينظر الي زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك منها ويقال له علي اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث ان شاء الله ....

 واذا كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا فيقال له ما كنت تقول فيقول لا أدري .. فيقال ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا ... فيفرج له فرجه قبل الجنه فينظر الي زهرتها وما فيها فيقال له انظر الي ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجه قبل النار فينظر اليها يحطم بعضها بعضا ويقال هذا مقعدك منها وعلي الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث ان شاء الله ....ثم يعذب 

ويقول صلي الله عليه وسلم إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوحويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ { لا تفتح لهم أبواب السماء }

فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة

 السؤال: هل عذاب القبر على البدن أو على الروح؟

الإجابة: الأصل أنه على الروح لأن الحكم بعد الموت للروح والبدن جثة هامدة ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه فلا يأكل ولا يشرب بل تأكله الهوام فالأصل أنه على الروح، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية[ ] : إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم معها، وأن لأهل السنة قولاً آخر بأن العذاب أو النعيم يكون للبدن دون الروح واعتمدوا في ذلك على أن هذا قد رئي حسّاً في القبر[ ] فقد فتحت بعض القبور ورئي أثر العذاب على الجسم، وفتحت بعض القبور ورئي أثر النعيم على الجسم، وقد حدثني بعض الناس أنهم في هذا البلد هنا في عنيزة كانوا يحفرون لسور البلد الخارجي، فمروا على قبر فانفتح اللحد فوجد فيه ميت أكلت كفنه الأرض وبقي جسمه يابساً لكن لم تأكل منه شيئاً حتى إنهم قالوا: إنهم رأوا لحيته وفيها الحنا وفاح عليهم رائحة كأطيب ما يكون من المسك، فتوقفوا وذهبوا إلى الشيخ وسألوه فقال: دعوه على ما هو عليه واجنبوا عنه، احفروا من يمين أو من يسار.
فبناء على ذلك قال العلماء[ ] : إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على هذا وهذا، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القبر ليطبق على الكافر حتى تختلف أضلاعه"، فهذا يدل على أن العذاب يكون على الجسم لأن الأضلاع في الجسم والله أعلم.

 السُّؤَال فِي الْقَبْر هَل هُوَ عَام فِي حق الْمُسلمين وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكفَّار أَو يخْتَص بِالْمُسلمِ وَالْمُنَافِق؟

قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب التَّمْهِيد والْآثَار الدَّالَّة تدل على أَن الْفِتْنَة فِي الْقَبْر لَا تكون إِلَّا لمُؤْمِن أَو مُنَافِق كَانَ مَنْسُوبا إِلَى أهل الْقبْلَة وَدين الْإِسْلَام بِظَاهِر الشَّهَادَة وَأما الْكَافِر الجاحد الْمُبْطل فَلَيْسَ مِمَّن يسْأَل عَن ربه وَدينه وَنبيه وَإِنَّمَا يسْأَل عَن هَذَا أهل الْإِسْلَام فَيثبت الله الَّذين آمنُوا ويرتاب المبطلون

وَالْقُرْآن وَالسّنة تدل على خلاف هَذَا القَوْل وَأَن السُّؤَال للْكَافِرِ وَالْمُسلم قَالَ الله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء} وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَنَّهَا نزلت فِي عَذَاب الْقَبْر حِين يسْأَل من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك

 وَفِي الصحيحن عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي أَنه قَالَ إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه انه ليسمع قرع نعَالهمْ وَذكر الحَدِيث زَاد البخارى وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس فَيُقَال لَا دَريت وَلَا تليت وَيضْرب بِمِطْرَقَةٍ من حَدِيد يَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن هَكَذَا فِي البخارى وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر بِالْوَاو وَقد تقدم فِي حَدِيث أَبى سعيد الخدرى الذى رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْإِمَام أَحْمد كُنَّا فِي جَنَازَة مَعَ النَّبِي فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فاذا الْإِنْسَان دفن وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه جَاءَ ملك وَفِي يَده مطراق فأقعده فَقَالَ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَإِن كَانَ مُؤمنا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول لَهُ صدقت فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيَقُول هَذَا مَنْزِلك لَو كفرت بِرَبِّك وَأما الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى فَيُقَال لَا دَريت وَلَا اهتديت ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيَقُول لَهُ هَذَا مَنْزِلك لَو آمَنت بِرَبِّك فَأَما إِذْ كفرت فان الله أبدلك بِهِ هَذَا ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ثمَّ يقمعه الْملك بالمطراق قمعة يسمعهُ خلق الله إِلَّا الثقلَيْن فَقَالَ بعض الصَّحَابَة يَا رَسُول الله مَا أحد يقوم على رَأسه ملك إِلَّا هيل عِنْد ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء

 وَفِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الطَّوِيل وَأما الْكَافِر إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا نزل عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة من السَّمَاء مَعَهم مسوح وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ ثمَّ تُعَاد روحه فِي جسده فِي قَبره وَذكر الحَدِيث وَفِي لفظ فاذا كَانَ كَافِر جَاءَهُ ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله مَا هَذِه الرّوح الخبيثة فَيَقُولُونَ فلَان بأسو أَسْمَائِهِ فاذا انْتهى بِهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا أغلقت دونه قَالَ يرْمى بِهِ من السَّمَاء ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} قَالَ فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه فَيَقُولَانِ من رَبك فَيَقُول هاه لَا أدرى فَيَقُولَانِ لَا دَريت فَيَقُولَانِ مَا هَذَا النَّبِي الذى بعث فِيكُم فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ ذَلِك لَا ادرى فَيَقُولَانِ لَهُ لَا دَريت وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء} وَذكر الحَدِيث

  وَاسم الْفَاجِر فِي عرف الْقُرْآن وَالسّنة يتَنَاوَل الْكَافِر قطعا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَقَوله تَعَالَى {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} وَفِي لفظ آخر فِي حَدِيث الْبَراء وَإِن الْكَافِر إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا نزل اليه مَلَائِكَة شَدَّاد غضاب مَعَهم ثِيَاب من نَار وسرابيل من قطران فيحتوشونه فتنزع روحه كَمَا ينْزع السفود الْكثير الشّعب من الصُّوف المبتل فاذا أخرجت لَعنه كل ملك بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وكل ملك فِي السَّمَاء

  وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ انه ليسمع خَفق نعَالهمْ إِذا ولوا مُدبرين فَيُقَال يَا هَذَا من رَبك وَمَا دينك وَمن نبنيك فَيَقُول لَا أدرى فَيُقَال لَا دَريت وَذكر الحَدِيث رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن يُونُس بن خباب عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زَاذَان عَن الْبَراء وَفِي حَدِيث عِيسَى بن الْمسيب عَن عدى بن ثَابت عَن الْبَراء خرجنَا مَعَ رَسُول فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار وَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ وَإِن الْكَافِر إِذا كَانَ فِي دبر من الدُّنْيَا وَقبل من الْآخِرَة وحضره الْمَوْت نزلت عَلَيْهِ مَلَائِكَة مَعَهم كفن من نارو وحنوط من نَار فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فَترد روحه إِلَى مضجعه فيأتيه مُنكر وَنَكِير يثيران الأَرْض بأنيابهما ويفحصان الأَرْض بأشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثمَّ يَقُولَانِ يَا هَذَا من رَبك فَيَقُول لَا أدرى فينادى من جَانب الْقَبْر لادريت فيضربانه بمرزبة من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا من بَين الْخَافِقين لم تقل ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه وَذكر الحَدِيث
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن أَبى النّظر هَاشم بن الْقَاسِم حَدثنَا عِيسَى بن الْمسيب فَذكره وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة عَن خصيف عَن مُجَاهِد عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار ومعنا رَسُول الله فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ وَقَالَ رَسُول الله وَإِذا وضع الْكَافِر أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك فَيَقُول لَا أدرى فَيَقُولَانِ لَهُ لادريت الحَدِيث وَقد تقدم

  وَبِالْجُمْلَةِ فعامة من روى حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ فِيهِ وَأما الْكَافِر بِالْجَزْمِ وَبَعْضهمْ قَالَ وَأما الْفَاجِر وَبَعْضهمْ قَالَ وَأما الْمُنَافِق والمرتاب وَهَذِه اللَّفْظَة من شكّ بعض الروَاة هَكَذَا فِي الحَدِيث لَا أدرى أى ذَلِك قَالَ وَأما من ذكر الْكَافِر والفاجر فَلم يشك وَرِوَايَة من لم يشك مَعَ كثرتهم أولى من رِوَايَة من شكّ مَعَ انْفِرَاده على أَنه لَا تنَاقض بَين الرِّوَايَتَيْنِ فان الْمُنَافِق يسْأَل كَمَا يسْأَل الْكَافِر وَالْمُؤمن فَيثبت الله أهل الْإِيمَان ويضل الله الظَّالِمين وهم الْكفَّار والمنافقون وَقد جمع أَبُو سعيد الخدرى فِي حَدِيثه الذى رَوَاهُ أَبُو عَامر العقدى حَدثنَا عباد بن رَاشد عَن دَاوُد بن أَبى هِنْد عَن أَبى نَضرة عَن أَبى سعيد قَالَ شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله جَنَازَة فَذكر الحَدِيث وَقَالَ وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقا يَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أدرى وَهَذَا صَرِيح فِي أَن السُّؤَال للْكَافِرِ وَالْمُنَافِق وَقَول أَبى عمر رَحمَه الله وَأما الْكَافِر الجاحد الْمُبْطل فَلَيْسَ مِمَّن يسْأَل عَن ربه وَدينه فَيُقَال لَهُ لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من جملَة المسئولين وَأولى بالسؤال من غَيره وَقد أخبر الله فِي كِتَابه أَنه يسْأَل الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} وَقَالَ تَعَالَى فوربكم لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ تَعَالَى {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} فَإِذا سئلوا يَوْم الْقِيَامَة فَكيف لَا يسْأَلُون فِي قُبُورهم فَلَيْسَ لما ذكره أَبُو عمر رَحمَه الله وَجه

  هل سؤال منكر ونكير هل هو مختص بهذه الأمة، أو يكون لها ولغيرها؟؟؟

هذا موضع تكلم فيه الناس، فقال أبو عبد الله الترمذي: "إنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة، لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبوا كفت الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمدا بالرحمة إماما للخلق، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا رَ‌حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ الإيمان[ ] في قلبه فأمهلوا، فمن ها هنا ظهر أمر النفاق[ ] ، وكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قبض الله لهم فتاني القبر[ ] ليستخرجا سرهم بالسؤال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، فـ{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَ‌ةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]".
وخالف في ذلك آخرون منهم عبد الحق الأشبيلي والقرطبي، وقالوا: "السؤال لهذه الأمة ولغيرها"، وتوقف في ذلك آخرون منهم أبو عمر بن عبد البر، فقال: "وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي[ ] أنه قال: «إنَّ هذهِ الأمةَ تُبتلى في قبورها» (رواه مسلم)، ومنهم من يرويه: "تسأل" وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك، فهذا أمر لا يقطع عليه" .
وقد احتج من خصه بهذه الأمة بقوله: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها»، وبقوله «أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم» (صحيح الجامع، رقم: 5722)، وهذا ظاهر في الاختصاص بهذه الأمة، قالوا ويدل عليه قول الملكين له: «ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ؟ قال: فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنهُ عبدُ اللهِ ورسولُهُ» (رواه مسلم)، فهذا خاص بالنبي وقوله في الحديث الآخر: «وأما فتنة القبر فبي تفتنون، وعني تسألون» (صحيح الجامع، رقم:1361)

 وقال آخرون لا يدل هذا على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم، فإن قوله: «إن هذه الأمة» إما أن يراد به أمة الناس، كما قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْ‌ضِ وَلَا طَائِرٍ‌ يَطِيرُ‌ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} [الأنعام:38]، وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة، وفي الحديث: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها» (سنن الترمذي). وفيه أيضا حديث: «قرصت نملة نبيًا من لأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح» (رواه البخاري[ ] )، وإن كان المراد به أمته الذي بعث فيهم، لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم من الأمم، بل قد يكون ذكرهم إخبارًا بأنهم مسئولون في قبورهم، وأن ذلك لا يختص بمن قبلهم، لفضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم. وكذلك قوله: «أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم» (صحيح الجامع، رقم:5722)، وكذلك إخباره عن قول الملكين: «ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجلِ؟ قال: فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنهُ عبدُ اللهِ ورسولُهُ» (رواه مسلم)، هو إخبار لأمته بما تمتحن به في قبورها، والظاهر -والله أعلم- أن كل نبي مع أمته كذلك، وأنهم معذبون في قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم، كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة، والله سبحانه وتعالى أعلم" 

 هل يُفتن غير المكلفين من الأطفال والمجانين في قبورهم؟؟؟؟

ج: يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر كما في "القيامة الصغرى" (ص 47):إنه جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/257): أن الفِتنة عامَّة لجميع المكلَّفين، إلا النبيِّين، فقد اختُلف فيهم[1]، وإلَّا الشهداء والمرابطين، ونحوهم ممن جاءت النصوص دالَّة على نجاتهم من الفتنة. واختُلف في غير المكلَّفين من الصبيان والمجانين، فقد ذهب جمع من العلماء إلى أنهم لا يُفتنون، وممن قال بهذا القاضي أبو يعلى وابن عقيل، ووِجْهة نظر هؤلاء أن المحنة تكون لمن كلف، أمَّا من رُفع عنه فلا يدخل في المحنة؛ إذ لا معنى لسؤاله عن شيء لم يكلَّف به.وقال آخرون: "بل يفتنون، وهذا قول أبي الحكيم الهمداني وأبي الحسن ابن عَبدُوس، ونقله عن أصحاب الشافعي، وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على طفل، فقال: ((اللهمَّ قِهِ عذابَ القبر وفتنةَ القبر))، وهذا القول موافق لقول من قال: إنهم يمتحنون في الآخرة، وإنهم مكلفون يوم القيامة، كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره هو، وهذا مقتضى نصوص الإمام أحمد؛ اهـ (راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 4/257-277). قال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه "الروح" (ص 117، 119): "أما المسألة الثالثة عشرة: وهي أن الأطفال هل يُمتحنون في قبورهم؟اختلف الناس في ذلك على قولين: هما وجهان لأصحاب أحمد، وحجة من قال: إنهم يسألون: أنه يشرع الصلاة عليهم، والدعاء لهم، وسؤال الله أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر.كما ذكر مالك في "موطئه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على جنازة صبي فسُمع من دعائه: ((اللَّهمَّ قِهِ عذابَ القبر)).واحتجوا بما رواه عليُّ بن معبد عن عائشة رضي الله عنها: "أنه مرَّ عليها بجنازة صبي صغير، فقيل لها: ما يُبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي، بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر". واحتجوا بما رواه هنَّاد بن السَّري: ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "إن كان ليُصلى على المنفوس ما إن عمل خطيئة قط، فيقول: اللَّهم أجِرْه من عذاب القبر". قالوا: "والله سبحانه يُكمل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويُلهمون الجواب عما يُسألون عنه"، قالوا: "وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة، وحكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث، "فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور". وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلَّى على جنازة يقول: ((اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكَرِنا وأُنثانا، اللَّهم من أحييتَه منَّا فأحيه على الإسلام، ومن توفَّيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهُمَّ لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده))

 قال الآخرون: السؤال إنما يكون لمن عَقل الرسولَ والمُرسل، فيُسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: "ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟" فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟! ولو رُدَّ إليه عقله في القبر، فإنه لا يُسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولاً ويأمرهم بطاعة أمره وعقولهم معهم، فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار، فذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان، كسؤال الملكين في القبر. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل، على ترك طاعة أو فِعل معصية قطعًا، فإن الله لا يُعذِّب أحدًا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبةً على عمل عمله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت ليعذَّب ببكاء أهله عليه)) أي: يتألَّم بذلك ويتوجَّع منه، لا أنه يُعاقَب بذنب الحي، ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((السَّفر قِطعةٌ من العذاب))؛ (البخاري ومسلم). فالعذاب أعمُّ من العقوبة، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل، فيتألم به، فيُشرَع للمصلِّي عليه أن يسأل الله تعالى له أن يقيه ذلك العذاب، والله أعلم"

 إن الله تبارك وتعالى إذا شاء أطْلَعَ بعضَ عباده في دار الدنيا على عذاب أهل القبور، وقد أعطى الله رسوله القدرة على سماع المعذبين في قبورهم؛ ففي الحديث الذي يرويه مسلم في "صحيحه" عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجَّار على بَغلة له، ونحن معه، إذ حادت به[1] فكادت تُلقيه، وإذا أقبُرٌ ستَّة أو خمسة أو أربعة، فقال: ((مَن يعرف أصحابَ هذه الأقبُر؟)) فقال رجل: أنا، قال: ((فمتى مات هؤلاء؟)) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: ((إن هذه الأمُّة تُبتلى في قُبورها، فلولا ألا تدافنوا[2] لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القَبر الذي أسمع منه)). وفي "صحيحي البخاري ومسلم" و"سنن النسائي" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما غَربت الشَّمس، فسَمع صوتًا، فقال: ((يَهودُ تُعذَّب في قبورها)). ويدل على سماع الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - للمعذَّبين في قبورهم الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بقبرين، فقال: ((إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير...)) الحديث. • وعذابُ القبر تَسمعه البهائم أيضًا، وقد مرَّ بنا في الحديث السابق، والذي رواه مسلم عن زيد بن ثابت: "بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النَّجار على بغلة له ونحن معه؛ إذ حادت به فكادت أن تلقيَه، وإذا أقبُر سِتة أو خمسة أو أربعة...".قال القرطبي - رحمه الله - في هذا الحديث، كما جاء في كتاب "التَّذكرة" (ص 163): وإنما حادَت به البغلة لمَّا سمِعت من صَوت المعذَّبين، وإنما لم يسمعه من يَعقل من الجن والإنس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر)). وفي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخلتْ عَليَّ عجوزٌ من عَجائز يهودِ المدينة، فقالت: إن أهل القبور يُعذَّبون في قبورهم، قالت: فكذَّبتُها، ولم أنعم أن أصدقها، قالت: فخرَجَت، ودخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسول الله، إن عجوزًا من عجائز يهود أهل المدينة دخلت فزعمت أن أهل القبور يُعذَّبون في قبورهم، قال: صَدَقَت، إنهم يُعذَّبون عذابًا تسمعه البهائم كلُّها، قالت: فما رأيتُه بعدُ في صلاة إلا يَتعوَّذ من عذاب القبر".قال ابن القيم كما في كتاب "الروح" (ص 72):"وقال بعض أهل العلم: ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مَغَلَت إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالإسماعيلية، والنُّصَيْرِيَّة، والقَرامِطة من بني عُبيد... وغيرهم الذين بأرض مصر والشام، فإن أصحاب الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى، قال: فإذا سمعت الخيل عذاب القبر أحدَثَ لها ذلك فزعًا وحرارة تذهَب بالمغل[3]. وقد قال عبدالحق الإشبيلي: "حدثني الفقيه أبو الحكم بن برخان - وكان من أهل العلم والعمل - أنهم دَفنوا ميِّتًا بقريتهم في شرق إشبيليَّة، فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحيةً يتحدَّثون ودابَّة ترعى قريبًا منهم، فإذا بالدابَّة قد أقبلت مُسرعةً إلى القبر، فجعلت أُذنَها عليه كأنها تسمع، ثم ولَّت فارَّةً، ثم عادت إلى القبر، فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولَّت فارَّة، فعلت ذلك مرَّة بعد أُخرى، قال أبو الحكم: فذكرتُ عذاب القبر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهم ليُعذَّبون عذابًا تسمعه البهائم)

 هل الأنبياء يُفتنون ويُسألون في قبورهم؟
قال ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" (ص 110):
وقد اختُلف في الأنبياء: هل يسألون في قبورهم؟ على قولين: وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره؛ اهـ.
والراجح أنهم لا يسألون، فقد جاء في الحديث: ((ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ يقصد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم".

وكذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - والذي أخرجه الإمام أحمد وفيه: ((ما هذا الرَّجل الذي بُعث فيكم؟)).
ومن هذين الدَّليلَين يتبيَّن: أن السؤال عن الأنبياء، وأنهم بذلك لا يُسْألون بل يُسأل عنهم.
وكذلك حديث جابر - رضي الله عنه - وهو في "صحيح مسلم" في حَجَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((وأنتم تسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟))، فهذه الرواية تفسِّر الروايات الأخرى، والله أعلم.
تنبيه:
وهناك جملة أيضًا من الذين لا يُفْتنون في قبورهم، وهم:

من يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة من المسلمين

فقد أخرج الإمام أحمد والتِّرمذي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاهُ الله فتنة القبر))؛ (صحيح الجامع: 5773).


من مات مرابطًا في سبيل الله

أخرج الترمذي وأبو داود عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل ميِّت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا[1] في سبيل الله؟ فإنه يُنمَّى له عمله يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر)).


 مَن مات بداءِ البطن:

فقد أخرج النسائي والترمذي عن عبدالله بن يَسار قال: "كنت جالسًا وسليمان بن صُرَد، وخالد بن عُرْفُطة، فذكروا أن رجلاً توفِّي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهِدَا جنازتَه، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يقتله بطْنُه فلن يُعذب في قبره))؟ فقال الآخر: بَلى، وفي رواية: صَدَقتَ".4- مَن مات شهيدًا في أرض المعركة: فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن المِقدام بن مَعدِ يكَرِب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشَّهيد عند الله ستُّ خصال: يُغْفَر له في أول دفعة، ويَرى مقعده في الجنَّة، ويُجار مِن عذاب القَبر، ويَأمَن الفَزع الأكبر، ويُوضَع على رأسِهِ تاجُ الوقار، الياقوتَةُ منها خير من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجة من الحُور العِين، ويُشفَّع في سبعين من أقربائه)).وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: ((كفى ببارقة السُّيوف على رأسه فتنة)).

 ما مصير أطفال المسلمين الذين ماتوا في الصِّغَر

ج: قالت طائفة من أهل العلم: "إنهم في الجنة"ودليل ذلك ما أخرجه أحمد والحاكم وابن حبَّان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم - عليه السلام - في الجنة)).وعند الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أولاد المسلمين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة - عليهما السلام - فإذا كان يوم القيامة دُفعوا إلى آبائهم)).• وذهبت طائفة: إلى أنه يُشهَد لأطفال المؤمنين عمومًا أنهم في الجنَّة ولا يُشهد لآحادهم، كما يشهد للمؤمنين عمومًا أنهم في الجنة، ولا يشهد لآحادهم، وهو قول إسحاق بن راهويه، نقله عن إسحاق بن منصور وحرب في مسائلهما.ولعل هذا يرجع إلى الطِّفل المُعين لا يُشهَد لأبيه بالإيمان، فلا يُشهَد له حينئذ أنه من أطفال المؤمنين، فيكون الوقف في آحادهم كالوقف في إيمان آبائهم. • وحكى ابن عبدالبر عن طائفة من السلف: القول بالوقف في أطفال المؤمنين. واستدل القائلون بالوقف، بما أخرجه مسلم من حديث فُضيل بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: "تُوفِّي صبيٌ، فقلتُ: طُوبى له، عُصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَوَلا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً؟)). ويعارض هذا ما خرَّجه مسلم، من حديث أبي السليل، عن أبي حسان، قال: "قلت لأبي هريرة رضي الله عنه: إنه قد مات لي ابنتان، فما أنت مُحدِّثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم، ((صِغارُهم دعاميصُ أهل الجنة، يتلقَّى أحدهم أباه - أو قال: أبويه - فيأخذ بثوبه، أو قال بيده: فلا يَنتهي حتى يُدخله الله وأباه الجنة))؛ (مسلم). وفي "الصحيحين" عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من الناس مُسلم يموت له ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحِنث إلا أدخله اللهُ الجنةَ بفضل رحمته إياهم)). ولهذا قال الإمام أحمد: "هو يرجى لأبويه، فكيف يُشك فيه؟! يعني: أنه يُرجى لأبويه بسبَبه دخولُ الجنَّة. ولعلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أولاً عن الشَّهادة لأطفال المُسلمين بالجنة قبل أن يطَّلع على ذلك؛ لأن الشهادة على ذلك تحتاج إلى علم به، ثم اطَّلع على ذلك فأخبر به، والله أعلم. قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "أهوال القبور" (ص 132): "بقية المؤمنين سوى الشهداء ينقسمون إلى: أهل تكليف، وغير أهل تكليف، فهذا قسمان: أحدهما: غير أهل التكليف؛ كأطفال المؤمنين، فالجمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإمام أحمد الإجماع على ذلك، وكذلك نص الشافعيُّ على أن أطفال المسلمين في الجنة، وجاء صريحًا عن السَّلف على أن أرواحهم في الجنة

 هل الموتى يَسمعون كلامَ الأحياء؟

ج: اختلف أهلُ العِلم في هذه المسألة على أقوال:القول الأول: ذهب إلى نفي سماع الأموات للأحياء، وهو رأي السَّيدة عائشة وابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم - وغير واحد من الصحابة وهو مذهب الجمهور، وهو قول ابن عابدين، وابن الهمام، وابن نُجَيم، والحصفكي، وغيرهم من أئمة الأحناف، والمازري والباجي والقاضي عياض من المالكية، والقاضي أبي يعلى من الحنابلة، ومالَ إليه الشيخ الألباني في تحقيقه "للآيات البيِّنات في عدم سماع الأموات"، ورجَّح ذلك أيضًا ابن باز وابن عُثيمين - رحمهم الله - ودليلهم:الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل: 80].قال ابنُ جرير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية (21/36):هذا مَثَلٌ معناه: فإنك لا تَقدر أن تُفِهم هؤلاء المشركين الذين قد خَتم الله على أسماعهم، فسلَبهم فَهم ما يُتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تُفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعًا.ثم روى بإسناده الصحيح عن قتادة قال: "هذا مَثَلٌ ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميتُ الدعاء كذلك لا يَسمع الكافر، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ أي: لو أن أصَمَّ ولَّى مُدبرًا ثم ناديتَه لم يَسمع، كذلك الكافرُ لا يسمع ولا ينتفع بما سمع.فثبت من هذه النُّقول عن كتب التفسير المعتمدة أن الموتى في قبورهم لا يسمعون، كالصُّمِّ إذا ولَّوْا مُدبرين.وهذا الذي فَهمته عائشةُ - رضي الله عنها - واشتهر ذلك عنها في كتب السُّنة وغيرها، وهذا الذي فهمه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضًا؛ (انظر فتاوى اللجنة الدائمة: 9216).الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14].ووجه الدلالة من الآية: أن الصالحين لا يسمعون بعد موتهم، وغيرهم مثلهم بَداهة، بل ذلك من باب أولى كما لا يخفى، فالموتى كلُّهم إذًا لا يسمعون.الدليل الثالث: حديث قَليب بدر: والحديث أخرجه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قَليب بدرٍ فقال: ((هل وَجدتم ما وَعد ربُّكم حقًّا؟)) ثم قال: ((إنهم الآن يَسمعون ما أقولُ))، فذُكِر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنهم الآن يعلمون أنَّ الذي كنتُ أقول لهم هو الحق)) ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} حتى قرأت الآية".وعند البخاري ومسلم أيضًا من حديث أبي طلحة رضي الله عنه:"أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمرَ يوم بدرٍ بأربعةٍ وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طويٍّ من أطواء بدر خبيث مُخبَّث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجتِه حتى قام على شَفَة الرَّكِيِّ، فجعل يُناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: ((يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعدكم ربُّكم حقًّا؟!)) فقال عمر: يا رسول الله، ما تُكَلِّم من أجسادٍ لا أرواح فيها؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس مُحمد بيده، ما أنتم بأسمع مما أقول منهم)).قال قتادة رحمه الله: "أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيرًا ونِقمة وحدةً وندمًا".ووجه الاستدلال بهذا الحديث يتضح بملاحظة أمرين:الأول: ما في الرواية الأولى من تقييده - صلى الله عليه وسلم - سماع موتى القَليب بقوله: "الآن" فإن مَفهومه أنهم لا يَسمعون في غير هذا الوقت وهو المطلوب، وهذه الفائدة نبَّه عليها العلَّامة الألوسي في كتابه "روح المعاني" (6/455): ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون".الأمر الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ عمر وغيره من الصَّحابة على ما كان مُستقرًّا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون، فقد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما تكلِّم من أجساد لا أرواح فيها؟".وجاء في "مسند الإمام أحمد" عن أنس - رضي الله عنه - قال: "فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله، أتناديهم بعد ثلاث؟ وهل يسمعون؟ يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾، فقال: ((والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا))".ومن هذا يتضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر الصَّحابة - وفي مُقدِّمتهم عمر - على فَهمهم للآية على ذلك الوجه العامِّ الشامل لموتى القَليب وغيرهم؛ لأنه لم يُنكره عليهم، ولا قال لهم: "أخطأتم" فالآية لا تنفي مُطلقًا سماع الموتى، بل إنه أقرَّهم على ذلك، ولكن بيَّن لهم ما كان خافيًا عليهم في شأن القليب، وأنهم سمعوا كلامه حقًّا، وأنَّ ذلك أمرٌ خاصٌّ مُستثنى من الآية مُعجزة له - صلى الله عليه وسلم.يقول قتادة - رحمه الله - أحدُ رواة الحديث: "أحياهم الله حتى أسمعهم توبيخًا، وتصغيرًا، ونقمة، وحسرة، وندامة".الدليل الرابع: ما أخرجه الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لله ملائكة سيَّاحين في الأرض، يُبلغونني عن أمتي السَّلام)).ووجه الاستدلال به أنه صَريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يَسمع سلام المُسلِّمين عليه، إذ لو كان يَسمعه بنفسه لما كان بحاجَة إلى مَن يُبلِّغه إليه، كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.وإذا كان الأمر كذلك، فبالأولى أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك، فلَأَنْ يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى، ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى مَن سلَّم عليه - صلى الله عليه وسلم - عند قبره.قال الشيخ الألباني رحمه الله:"لم أرَ مَن صرَّح بأن الميِّت يسمع سماعًا مطلقًا كما كان شأنه في حياته، ولا أظن عالمًا يقول به".القول الثاني: ذهب فريق من أهل العلم إلى أن الموتى يسمعون في الجملة، ولا يسمعون في كل الأحوال. 

وهناك فريق آخر رأى أنهم يسمعون في كل الأحوال،

لكنَّهم لا يستطيعون الانتفاع بما يسمعونه أو حتى مجرَّد الردِّ.قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" (ص 60):"وأما قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر: 22]، فسياق الآية يدل على أن المراد منها: أن الكافر الميِّت القلب لا تقدر على إسماعه إسماعًا يَنتفع به، كما أن مَن في القبور لا تقدر على إسماعهم إسماعًا ينتفعون به، ولم يُرد سبحانه أن أصحاب القبور لا يسمعون شيئًا البتَّةَ، كيف وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم يسمعون خَفق نعال المُشيِّعين؟ وأخبر أن قتلى بدر سمعوا كلامه وخطابه، وشُرع السلام عليهم بصيغة الخطاب للحاضر الذي يسمع، وأخبر أن مَن سلَّم على أخيه المؤمن ردَّ عليه السلام، وهذه الآية نظير قوله: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل: 80].وقد يقال: نفي إسماع الصُّم مع نفي إسماع الموتى، يدل على أن المراد عدم أهليَّة كل منهما للسماع، وأن قلوب هؤلاء لمَّا كانت ميِّتة صمَّاء كان إسماعها ممتنعًا بمنزلة خطاب الميِّت والأصم، وهذا حق، ولكن لا ينفي إسماع الأرواح بعد الموت إسماع توبيخ وتقريع بواسطة تعلقها بالأبدان في وقت ما، فهذا غير الإسماع المنفي، والله أعلم.وحقيقة المعنى: أنك لا تستطيع أن تُسمع من لم يشأ الله أن يُسمعه، ﴿ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 23]، أي: إنما جعل الله لك الاستطاعة على الإنذار الذي كلَّفك إياه لا على إسماع من لم يشأ الله إسماعه".وقال الشيخ عمر الأشقر في "القيامة الصغرى":"ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الميِّت يسمع قَرع نعال أصحابه، بعد وضعه في قبره؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم))؛ (مسلم).ووقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاثة أيام من معركة بدر على قتلى بدر من المشركين فنادى رجالاً منه، فقال: ((يا أبا جهل بن هشام، يا أُميَّة بن خلف، يا عُتبة بن ربيعة، يا شَيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعدكم ربُّكم حقًّا؟ فإني قد وَجدت ما وعدني ربي حقًّا)) فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، كيف يسمعوا؟ أنَّى يجيبوا وقد جيَّفوا؟! قال: ((والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا)) ثم أمر فسُحبوا، فألقوا في قَليب بدر؛(البخاري).واستدل فريق من أهل العلم بهذا الحديث على أن الموتى يسمعون، وممن ذهب إلى ذلك: ابن جرير الطبري وابن قُتيبة وغيرهما من العلماء.وقال ابن أبي العز شارح الطحاوية (ص 85):"من قال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده باعتبار سماعه كلامَ الله، فهذا لم يصحَّ عن أحد من الأئمة المشهورين، ولا شكَّ في سماعه، ولكن انتفاعه بالسَّماع لا يصحُّ، فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة، فإنه عمل اختياري، وقد انقطع بموته، بل ربما يتضرَّر ويتألم لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه، أو لكونه لم يزدد من الخير".وقد ساق ابن تيميَّة جملة من الأحاديث التي تدل على أن الموتى يسمعون، ثم قال:"فهذه النصوص وأمثالها تُبيِّن أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائمًا، بل قد يسمع في حال دون حال، كما قد يَعرض للحي فإنه يَسمع أحيانًا خطاب من يُخاطبه، وقد لا يسمع لعارض يعرِض له"؛ (مجموع الفتاوى: 5/366).

وقد أجاب شيخ الإسلام على إشكال من يقول:"إن الله نفى السَّماعَ عن الميِّت" في قوله: ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ [الروم: 52]، وكيف تزعمون أن الموتى يسمعون؟ فقال: "وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله: ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ [الروم: 52]، فإن المراد بذلك: سمع القبول والامتثال، فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه، وكالبهائم التي تسمع الصوت، ولا تفقه المعنى، فالميِّت وإن سمع الكلام وفقه المعنى، فإنه لا يُمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أُمر به ونُهي عنه، فلا ينتفع بالأمر والنهي، وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي، وإن سمع الخطاب وفهم المعنى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ [الأنفال: 23]، وقد جاءت النُّصوص دالَّة أيضًا على أن الميت مع سماعه يتكلم، فإن مُنكرًا ونَكيرًا يسألونه، فالمؤمن يوفَّق للجواب الحق، والكافر والمنافق يضلُّ عن الجواب، ويتكلم أيضًا في غير سؤال منكر ونكير، وكل هذا مخالف لما عهده أهل الدنيا من كلام، فإن الذي يُسأل ويتكلم الرُّوح، وهي التي تجيب وتَقعد وتُعذَّب وتُنعَّم، وإن كان لها نوعُ اتصال بالجسد، وقد سبق القول أن بعض الناس قد يسمعون الكلمة من الميت، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع من هذا شيئًا كثيرًا؛ (مجموع الفتاوى: 5/364).وأيضًا استدل هذا الفريق بحديث الدعاء عند دخول المقابر، وهو: ((السلام عليكم دار قوم...)) الحديث، وقالوا: لا يكون السلام إلا على مَن يسمعون.والرد: أن هذا استدلال نظري استنباطي، ولا يدل الحديث على التصريح بسماعهم.وأيضًا المقصود من السلام هو طلب الرحمة للموتى، فالمقصود من السلام عليهم الدعاء لا الخطاب.وحاول البعض الجمع بين حديث ابن عمر (وهو محادثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل القليب)، وبين حديث عائشة أنها أنكرت ذلك وقرأت عليهم قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾.فقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح" (3/301):"إن الجمع بين حديث ابن عمر وعائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مُخاطبة أهل القَليب وقعت وقت المسألة، وحينئذ كانت الرُّوح قد أعيدت إلى الجسد"؛ اهـ.وقال المُناوي - رحمه الله - في "فتح القدير":"وأما الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "أنه يسمع قَرع نعالهم"، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر: 22]، أجيب: بأن السماع في الحديث بخصوص أول الوضع في القبر مقدمة السؤال، فالحديث لا يدل على العموم".

 والراجح في المسألة:هو ما ذهب إليه الفريق الأوَّل من عدم سماع الموتى، وهذا ما انتصر له الشَّيخ الألباني - رحمه الله - فقال في مقدمة "الآيات البينات في عدم سماع الأموات" للألوسي رحمه الله:"وخلاصة البحث والتحقيق: أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم: على أن الموتى لا يسمعون، وأن هذا هو الأصل، فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال كما في حديث خفق النعال، أو أن بعضهم سمع في وقت ما كما في حديث القليب، فلا ينبغي أن يُجعل ذلك أصلاً، فيقال: إن الموتى يسمعون، كَلَّا، فإنها قضايا جزئيَّة لا تُشكل قاعدة كليَّة يعارض بها الأصل المذكور، بل الحق أنه يجب أن تستثنى منه على قاعدة استثناء الأقل من الأكثر، أو الخاص من العام، كما هو مقرر في أصول الفقه.ولذلك قال العلامة الألوسي في "روح المعاني" بعد بحث مستفيض في هذه المسألة (6/455):والحق أن الموتى لا يسمعون في الجملة، فيقتصر على القول بالسماع بما ورد السماع بسماعه.وهذا مذهب طوائف من أهل العلم، كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي. وما أحسن ما قاله ابن التين رحمه الله:"إن الموتى لا يسمعون بلا شكٍّ، لكن إذا أراد الله تعالى إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع".فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الموتى لا يسمعون، فقد تبيَّن أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون الله تعالى، ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء، بحكم كونهم لا يسمعون النداء، وأن مناداة من كان كذلك والطلب فيه سخافة في العقل وضلال في الدين، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6].وقال الطحطاوي في "حاشيته على الدر المختار" (2/381):"إن الميت لا يسمع ولا يفهم".وقال ابن عابدين في كتابه "رد المحتار على الدر المختار" (3/180): "وأما الكلام: فالمقصود منه الإفهام، والموت ينافيه: ﴿ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾، شبه فيه الكفار بالموتى لإفادة بُعد سماعهم، وهو فرع عدم سماع الموتى".وقال إمام الحنفية ابن الهمام في "فتح القدير حاشية الهداية":"وأكثر مشايخنا على أن الميِّت لا يسمع عندهم، وصرَّحوا به في كتاب "الأيمان" في باب اليمين بالضرب".لو حلف لا يكلمه فكلَّمه ميِّتًا لا يَحنث، لأنها تنعقد على ما حيث يفهم، والميت ليس كذلك لعدم السماع، ولمزيد بيان في هذه المسألة راجع رسالة نعمان بن محمد الألوسي - رحمه الله - (ت: 1317هـ) والرسالة بعنوان الآيات البينات في عدم سماع الأموات.والخلاصة:أن قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر: 22]، هذه قاعدة كونيَّة عامَّة ثابتة لا تتغير، وهي أن الميت - أي ميِّت - لا يسمع إلا من جاء في حقِّه دليلٌ خاصٌّ وفي حالات خاصة، فهذا خصوص يبقى معه العموم على حاله، فمن أين الدليل على أن الموتى يسمعون؟وكذلك الموتى لا يدرون بما يحدث حولهم، ففي حديث الحوض الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا رب، أمَّتي أمَّتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول النبي: سُحقًا سُحقًا، بُعدًا بُعدًا)

هل أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور؟

يجيب عن هذا ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" فيقول: المسألة الثانية: في أن أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟فهي أيضًا مسألة شريفة كبيرة القدر، وجوابها أن الأرواح قسمان: أرواح مُعذَّبة، وأرواح مُنَعَّمة. فالمعذَّبَة: في شُغُل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي. والأرواح المُنَعَّمة المرسَلة غير المحبوسة: تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الرَّفيق الأعلى، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].وهذه المعِيَّة ثابتة في الدنيا، وفي البرزخ، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاث". وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ولي أحدكم أخاه فليُحسن كفنه، فإنهم يُبعثون في أكفانهم ويتزاورون في قبورهم))؛ (رواه الخطيب البغدادي عن أنس، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 845)، (وهو في السلسلة الصحيحة كذلك رقم: 1425). وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ((إذا قُبضتْ نفسُ العبد تلقَّاه أهل الرحمة من عباد الله كما يَلقون البشير في الدنيا، فيُقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أَنْظِروا أخاكم حتى يَستريحَ؛ فإنه كان في كرب، فيُقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوَّجت؟ فإذا سألوا عن الرَّجل قد مات قَبله، قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمِّه الهاوية (النار) فبئست الأمُّ وبئست المربية، قال: فيُعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنًا فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سُوءًا قالوا: اللَّهم راجع بعبدك))؛ (أخرجه ابن المبارك في الزهد: 149، موقوفًا على أبي أيوب الأنصاري، وله حكم الرفع).قال الألباني: إسناده صحيح "الصحيحة" رقم: 2758، ثم قال: وكونه موقوفًا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبيَّة لا يمكن أن تُقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينًا.وأخرج النَّسائي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكة الرَّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخْرُجِي راضيةً مرضيًّا عنكِ إلى رَوْحِ الله ورَيحانٍ وربٍّ غير غضبان، فتخرج كأطيَب ريح المِسك، حتى إنه ليتناوله بعضُهم بعضًا حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيبَ هذه الرِّيحَ التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلَهُم أشدُّ فرحًا به من أحدكم بغائِبه يَقدمُ عليه، فيسألونه: ماذا فعل فُلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دَعوه فإنه كان في غمِّ الدنيا. فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِب به إلى أمِّه الهاوية، وإن الكافر إذا احتُضِر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخْرُجِي ساخطةً مسخوطًا عليكِ إلى عذاب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أَنْتَن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار)).وعن أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أحسبه رفعه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فود لو خرجت - يعنى: نفسَه - والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يُصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانًا في الدنيا أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانًا قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا.
وإن المؤمن يُجلس في قبره فيُسأل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقال: من نبيك؟ فيقول: نبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: فما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فيُفتح له باب في قبره، فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك، ثم يرى القبر، فكأنما كانت رقدةً.فإذا كان عدوًّا لله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحبُّ أن تخرجَ رُوحه أبدًا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره أو أُجْلِس، فيُقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دَرَيت، فيُفتح له باب من جهنم، ثم يُضرب ضربةً تُسمِع كل دابَّة إلا الثقلين، ثم يُقال له: نَمْ كما ينام المنهوش، فقلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي ينهشه الدواب والحيَّات ثم يُضيَّق عليه قبره))

هل يتنوع عذابُ القبر، أم أنه ثابتٌ لا يتغيَّر؟

ج: عذاب القبر يتنوع من مقبور لآخر:فهناك من يُضرب بمِطراق من حديد، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري: ((ثم يُضربُ بمطراق من حديدٍ بين أُذنَيه، فيصيح صَيحةً فيسمعها مَن عليها غير الثَّقلين))، وعن أحمد: ((ثم يُقيَّض له أعمى أَصمُّ أبكمُ في يده مِرزبَّة لو ضُرب بها جبلٌ كان تُرابًا)).وهناك من تَنهشه الحيَّاتُ العظيمة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمدُ وابن حبَّان والدَّيلَمي: ((يُسلط على الكافر في قبره تسعةٌ وتسعون تِنِّينًا تَنهشه وتَلدغُه حتى تقومَ الساعةُ، فلو أن تنينًا[1] منها نفخت في الأرض ما أنبت خضرًا)).وهناك مَن يُضيَّق عليه القبرُ حتى تختلف أضلاعُه.وهناك مَن يُفرَش له من النار.وهناك مَن يُمثَّل له عملُه الخبيثُ على هيئةِ رجل قَبيح الوجه والثِّياب مُنتن الرِّيح.وهناك مَن يُشرشَر شِدقُه ومنخرُه وعينُه إلى قفاه بالكلُّوب (الكذَّاب).وهناك مَن يَسبح في بحر الدَّم، ويُلقم الحَجرَ (آكلُ الرِّبا).وهناك مَن يُحبسون في تَنُّور وتُقاد عليهم النار أسفل منهم (الزناة والزواني).وهناك مَن يُثلَغ رأسُه بالحَجر (الذي ينام عن الصَّلاة المكتوبة، ويَهجر القُرآن بعد تعلُّمه).وهناك مَن تَشتعل عليه الشَّملةُ نارًا في قبره (الغلول من الغنيمة).وهناك مَن يُعلَّق بعرقُوبِه مُشقق شدقه (الذين يفطرون قبل تحلة صومهم).وهناك مَن تَنهش الحيَّات ثديها (التي تمتنع عن إرضاع الأولاد بغير عذر).

 هل عذاب القبر دائم أم مُنقطع؟؟

ج: قال الإمام ابن القيِّم: جوابها له نوعان:

النَّوع الأول: نوع دائم:ويدل على دوامه قوله تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾ [غافر: 46]، ويدل عليه ما تقدم في حديث جابر بن سمرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: ((فهو يُفعل به ذلك إلى يوم القيامة)).وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قصة الجريدَتَين: ((لعلَّه يُخفف عنهما ما لم يَيبَسَا))، فجعل التَّخفيف مُقيَّدًا بمُدَّة رُطوبتهما فقط.وفي حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((ثم أتى على قوم تُرضَخ رؤوسهم بالصَّخر، كلما رُضخت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء)) وقد تقدَّم.وفي "الصحيح" في قصة الذي لَبِس بُردَين وجعل يمشي يَتبختر فخسَف اللهُ به الأرض، فهو يَتجلجل فيها إلى يوم القيامة.وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر: ((ثم يُفتح له بابٌ إلى النَّار، فينظُر إلى مَقعده فيها حتى تَقوم الساعة)).رواه الإمام أحمد، في بعض طُرقه: ((ثم يُخرق له خرق إلى النَّار، فيأتيه مِن غمِّها ودُخَانها إلى يوم القيامة))

 

 النوع الثاني: إلى مدة ثم ينقطع:وهو عذاب بعض العُصاة الذين خفَّت جرائمهم فيعذب بحسب جُرمه، ثم يُخفَّف عنه كما يُعذَّب في النار مدَّة، ثم يَزول عنه العذاب، وقد يَنقطع عنه العذابُ بدُعاء، أو صدقةٍ، أو استغفارٍ، أو ثواب حجٍّ، أو قراءة تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم[2]، وهذا كما يشفع الشافع في المُعذَّب في الدنيا، فيخلص من العذاب بشفاعته، ولكن هذه شفاعة قد لا تكون بذلك بإذن المشفوع عنده، والله - سبحانه وتعالى - لا يتقدم أحد بالشَّفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع إذا أراد أن يرحم المشفوع له، ولا تغتر بغير هذا، فإنه شرك وباطل يتعالى الله عنه، ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾[الأنبياء: 28]، ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس: 3]، ﴿ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ ﴾ [سبأ: 23]، ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الزمر: 44]؛ (الروح: ص 119، 120، المسألة الرابعة عشرة).ويقول الحافظ ابن حَجر رحمه الله:"والعذاب يستمر إذا كان العبد كافرًا أو منافقًا نِفاقَ كُفر، وإن كان مسلمًا عاصيًا فيخلتف باختلاف كِبَر المعصية وصِغَرِها، وحصول العفوِ عن بعض العصاة دون بعض، فقد يُعذَّب بعضُ العصاة، وقد لا يستمر التعذيبُ على بعض العصاة، وقد يُرفع عن بعض".وهذا ما قرَّره ابن أبي العز في "شرح الطحاوية" (ص 401) حيث أجاب عن السؤال السابق فقال: جوابه: أنه نوعان: الأول: منه ما هو دائم، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].وكذلك في حديث البرَّاء بن عازب في قصة الكافر: ((ثم يُفتح له بابٌ إلى النار، فينظرُ إلى مَقعده فيها حتى تقوم الساعة))؛ (رواه أحمد في بعض طرقه).الثاني: أنه مدَّة ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفَّت جرائمهم، فيُعذَّب بحسب جُرمه ثم يُخفَّف عنه.

إشكال والردُّ عليه:مرَّ بنا أن الكافر والمنافق يستمر عذابه إلى يوم القيامة ولا يتوقف، كما قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾ [غافر: 46]، لكن أليس هذا يتعارض مع قوله تعالى حكاية عن الكافرين: ﴿ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾[يس: 52]؛ حيث بيَّنت الآية أنهم كانوا نائمين لا يشعرون بشيء.والردُّ على هذا كما قال أهل العلم: إن هذه النومة تكون بين النفختين.قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسيره هذه الآية: (10/450):"هؤلاء المشركون لما نُفخ في الصُّور نفخة البعث لموقف القيامة فرُدّ أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها، وذلك قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا ﴾ [يس: 52]، وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين".وقال العلامة الشِّنقيطي في "أضواء البيان" (6/489):"والتحقيق أن هذا قول الكفَّار عند البعث، والآية تدل دلالةً لا لَبس فيها على أنهم ينامون نومة قبل البعث، كما قال غير واحد، وعند بعثهم أحياء من تلك النومة التي هي نومة موت، يقول لهم الذين أوتوا العلم والإيمان: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾، أي: هذا البعث بعد الموت"؛ اهـ. وقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن هناك مدَّة من الزمان بين النَّفختين:فقد أخرج الإمام مُسلم من حديث أبي هُريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين النَّفختين أربعون))، قالوا: يا أبا هُريرة، أربعون يومًا؟ قال: أَبَيتُ، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أَبَيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال:((أبَيت، ويبلَى كل شيء من الإنسان إلا عَجب ذَنَبه، فيه يُركَّب الخَلق".وفي هذا الحديث دلالة على أنهم يموتون بين النَّفختين مِقدار أربعين، ولم تحدد تلك الأربعون.ويدل على ذلك أيضًا الحديث الذي أخرجه البُخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تُخيروني على موسى، فإن الناس يُصعَقُون يوم القيامة، فأُصعق معهم، فأكونُ أوَّل من يُفيق، فإذا بموسى باطشٌ بجانب العرش، فلا أَدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله)).إذًا الآيات والأحاديث الدَّالَّة على استمرارِ العذاب من باب العُموم، وقد خُصِّصت بآية "يس" والأحاديث السَّابقة الذِّكر في هذا القول. مُلاحظة:ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن العذاب مُستمر غير مُنقطع إلى قيام الساعة، وليس هناك نَوم. والمقصود من الآية: أن الكُفَّار إذا عاينوا جهنم وأنواعَ عذابها صار عذابُ القبر في جنبها كالنَّوم، ولكن المعنى الأول أظهرُ وأرجح.

 لماذا ستر الله عنا عذاب القبر؟

والإجابة عن هذا السؤال تظهر في قول الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسْمعَكم من عذاب القبر))، فكتم الله تعالى عنَّا عذاب القبر حتى نستطيع أن نتدافن، ولو أسمعنا سبحانه عذاب القبر، ما دفن أحدٌ منا أحدًا، وما استعطنا أن نقترب من القبر؛ فالحمد لله الذي ستر عنا عذاب القبر بلطفه وكرمه لعلمه سبحانه وتعالى بضعفنا، ولو كشف لنا لصعقنا من هوله وشدته.قال القرطبي في "التذكرة" (ص 163):"فكتمه الله سبحانه وتعالى عنَّا حتى نتدافن بحكمته الإلهية ولطائفه الربَّانية؛ لغلبة الخوف عند سماعه، فلا نقدر على القرب من القبر للدفن، أو يهلك الحي عند سماعه؛ إذ لا يُطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار، لضعف هذه القوى، ألا نرى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف أو الزلازل الهائلة هلك كثير من الناس، وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملائكة بمطارق الحديد التي يسمعها كل من يليه؟!وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في "صحيح البخاري" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إذا وُضِعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟! يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق))، وهذا وهو على رؤوس الرجال، وهي صيحة من غير ضرب ولا هوان، فكيف إذا حلَّ به الخزي والنكال؟! واشتد عليه الضرب والوبال؟!" فنسأل الله معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته بِمنِّه؛ اهـ بتصرف.وصدق القرطبي، فإذا كانت هذه الصيحة على رؤوس الرجال من غير ضرب ولا هوان، فكيف بهذه الصيحة المدوية عندما يضرب المقبور بمطرقة من حديد لو ضرب بها الجبلُ لصار ترابًا؟! وهذه الصيحة كما مرَّ بنا يسمعها جميع الخلائق إلا الثقلين، كما جاء عند الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه: ((ثم يقمعُه قمعة بالمِطْراق، فيصيح صيحة يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين))

  هل الأرض تأكلُ جسد الميت كله أم يبقى منه شيء؟

والجواب: نعم، إن الإنسان يبلى كله إلا جزء بسيط منه، وهي عظمة تُسمى عَجْب الذَّنَب، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس من الإنسان شيء إلَّا يَبلى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْب الذَّنَب، ومنه يُركَّب الخلقُ يومَ القيامة)).وفي رواية لمسلم: ((كلُّ ابن آدم يأكله التُّرابُ إلَّا عَجْب الذَّنَب، منه خُلق وفيه يُركَّب)).قال النووي رحمه الله: "عجب الذنب: هو عظم في أسفل الصُّلب، وهو رأس العصعص، وهو العظم الذي بين الأليتين الذي في أسفل الصلب، وهو أول ما يخلق منه الآدمي وهو الذي يُركَّب منه"؛ اهـ.تتمة للفائدة نذكر بعض الأمور التي لا يشملها الفناء وهي: الرُّوح، الولدان المخلدون، الحور العِين، القلم، اللوح المحفوظ، الجنة، النار، الكرسي، العرش، عجب الذنب، أجساد الأنبياء.

 هل الأرض تأكل أجساد الأنبياء كباقي البشر؟

والجواب - كما مرَّ بنا -: لا، فإن الله - عز وجل - حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء؛ أخرج أبو داود بسند صحيح عن أوس بن أوس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ))، قالوا: وكيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أَرِمْتَ؟[2] يقولون: بَلِيتَ، فقال: ((إن الله قد حرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء عليهم السلام)).فهذا الأمر خاصٌّ بالأنبياء فقط، أما الشُّهداء فليس هناك ما يَنصُّ على ذلك، إلا ما جاء في "صحيح البخاري" من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "لما حضر أُحُد دعاني أبي من الليل، فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول مَن يُقتَل مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن عليَّ دَينًا فاقضِ، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا فكان أولَ قتيل، ودُفِن معه في قبره آخر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعتُه غير هُنَيَّة[3] في أذنه".وجاء في "شرح الطحاوية":"حرَّم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما رُوي في السُّنن، وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدد مِن دفنه كما هو لم يتغير، فيُحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أن يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه - والله أعلم - كلما كانت الشهادة أكمل، والشهيد أفضل كان بقاء جسده أطول؛ اهـ.وقال الحافظ في "الفتح" (3/279) في الكلام على فضائل أبي جابر قال: "وفيه كرامته بكون الأرض لم تبلِ جسده مع لُبثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة"؛

 هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟

قال ابن عبد البر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام وفي الصحيحين عنه من وجوه متعددة أنه أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً" فقال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا! فقال: "والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابا ....وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه.......وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب منزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به.

 قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا في كتاب القبور: باب معرفة الموتى بزيارة الأحياء: حدثنا يحيى بن يمان عن عبد الله بن سمعان عن زيد بن أسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم".حدثنا محمد بن قدامة الجوهري حدثنا معن بن عيسى القزاز أخبرنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام.
حدثنا محمد بن الحسين حدثني يحيى بن بسطام الأصغر حدثنى مسمع حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال: رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت: فأين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم، قال: قلت: أجسادكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال: نعم نعلم بها عشية الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس، قال: قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته

وحدثنا حمد بن الحسين حدثنا بكر بن محمد حدثنا حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي الجبان، فنقف على القبور، فنسلم عليهم، وندعو لهم ثم ننصرف، فقلت: ذات يوم لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين، قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها.. وذكر آثاراً كثيرة ثم قال: وهذا باب في آثار كثيرة عن الصحابة، وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحة يقول: اللهم إني أعود بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائراً، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائراً، فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره.. هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم، وكذلك السلام عليهم أيضاً، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم، والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية.وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويردوا إن لم يسمع المسلم الرد، وإذا صلى الرجل قريباً منهم شاهدوه، وعلموا صلاته وغبطوه على ذلك.

 وقد ثبت في الصحيح أن الميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه فروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص هو في سياق الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: ما يبكيك يا أبتاه؟ أما بشرك رسول الله بكذا، فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإني على أطباق ثلاث... ثم ذكر الحديث، وفيه: فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنوا على التراب سنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ما أراجع به رسل ربي، ثم قال: فدل على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره، ويسر بهم.

 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأحياء إذا زاروا الأموات: هل يعلمون بزيارتهم؟ وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟

فأجاب: الحمد لله، نعم قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات، كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال: إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله، كما يتلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد، قال: فيقبلون عليه ويسألونه: ما فعل فلان وما فعلت فلانة، هل تزوجت.

 وهكذا جمع شيخ الإسلام بين تلاقي الموتى وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء عليهم، وليس بين ذلك تعارض، فإن هذا العرض يكون بعضه بابتداء من المخبر (بكسر الباء) وبعضه بسؤال من المخبر (بفتح الباء)، ثم إنه لا يلزم من عرض الأعمال أن تعرض جميع الأحوال، بل الظاهر أن الذي يعرض ابتداء هو الخير والشر من الأعمال، أي ما يتعلق بالحسنات والسيئات أو الطاعة والمعصية.. ومن ناحية أخرى فإن عرض هذه الأعمال إنما يكون عن طريق سؤال من مات من الأحياء مؤخراً عن من خلفهم في الدنيا وراءه من الأحياء، فإن بقية أثر أبي أيوب الأنصاري الذي ذكر شيخ الإسلام طرفا منه: قال: فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم فإذا رأوا حسناً فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوء قالوا: اللهم راجع بعبدك

 وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس مرفوعاً: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. وصححه الألباني بعد أن كان ضعفه. الصحيحة 2758.وفي هذين الحديثين دلالة على أن هذا العرض إنما يكون بإخبار من تأخرت وفاته لمن سبقه من الأموات، وأنه إنما يكون في الأصل لأعمال الخير والشر، وما فوق ذلك إنما يُعرف بالسؤال، ويمكن أن يقال: إن عرض أعمال الأحياء على الأموات ليس كلياً ولا تفصيلياً ولا دائماً، وهذا هو الحاصل بين الأحياء فضلاً عن الأموات، فقد يعرض عليك فلان عمل قريب لك، ثم تلقى آخر فيخبرك بما لم يعرفه الأول، أو عرفه وفاته عرضه عليك، وليس في ذلك شيء مستغرب.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.