الأمل وعدم اليأس
الحمد لله عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات الذى لايخفى عليه شئ فى الارض ولا فى السماوات غافر الذنوب والسيئات وخالق الارض والسماوات جاعل فريق فى الجنات وفريق فى اسفل الدركات
نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
ونشهد جميعا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له كل شئ هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ونشهد ان محمدا عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ادى الامانة وبلغ الرسالة ونصح للامة فكشف الله به الغمة وجاهد فى الله حق جهاده حتى اتاه اليقين فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين .
ثم اما بعد
عباد الله
لقد امرنا الله بالامل وعدم اليأس لان الذى ييأس من روح الله هو الكافر حيث قال لاتياسوا من روح الله انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون " فليس المسلم او المؤمن من هؤلاء لذا فان الدنيا متقلبة تجد فيها خير وتارة تجد فيها شر , تجد فيها الغنى وتجد فيها الفقير وتجد فيها المنجب وتجد فيها العقيم وتجد فيها العاقر وتجد فيها التى تنجب وتجد فيها المبتلى وتجد فيها المعافى وتجد فيها الصحيح وتجد فيها المريض وتجد فيها العادل وتجد فيها الظالم وتجد فيها الاكل للحلال والاكل للحرام وتجد فيها من يرتقى لاعلى المناصب ومن يظل فى منصبه وتجد فيها من يبحث ويجد فى عمله ومن يتكاسل وينام ويظن ان السماء تمطر ذهبا او فضة
فلا تييأسوا "﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
روى ان ذا النون قال
إن اليقين يدعو إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد، والزهد يورث الحكمة، وهي تورث النظر في العواقب.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في الأمل، عن الحسن قال: لما خلق الله آدم - عليه السلام - وذريته، قالت الملائكة: ربنا إن الأرض لم تَسَعهم قال - تعالى -: إني جاعل موتًا، قالوا: إذًا لا يَهْنَأ لهم العيش، قال - تعالى -: إني جاعل أملاً[1].
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويَهلِك آخرُ هذه الأمة بالبخل والأمل))[2]، وهذه أقوال صحيحة، ولا أطعن فيها، ولا أبخسها، بل إنني أعتبرها حكمة بليغة تبعث على التفكر، والسعي إلى ما هو خير وأبقى، خاصة قول الحكيم - الذي لا أعرفه، وسبَّب لي الحرج وبعض الارتباك - عندما سئل عن الغنى، قال: "قلة تمنِّيك ورضاك بما يَكفِيك[3].. ولكن.
اليأس سبب لفساد القلب؛ قال ابن القيم وهو يعدِّد الكبائر: (الكبائر:.. القنوط من رحمة الله، واليأْس من َروح الله..، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن).
ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين ينفِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا قال الرجل: هلَك الناس، فهو أهلكهم)).
الناظر فى حال الانبياء والرسل عليهم السلام لن يجد يأس على الرغم من الصعوبات التى واجهتهم فهذا سيدنا موسى يقول كلا ان معى ربى سيهدين وهذا سيدنا زكريا الذى بلغ من الكبر عتيا وزوجته عاقر فاخذ يدعوا ربه وهو قائم يصلى فى المحراب يبشره ربه عن طريق الملك ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين .
وهَذا إبراهيمُ عليهِ السلامُ، قَدْ صارَ شَيْخًا كبيرًا ولَمْ يُرْزَقْ بَعْدُ بِوَلَدٍ، فيدفَعُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بربِّهِ أنْ يَدْعُوَهُ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، فاستجابَ له ربُّهُ ووَهَبَ لهُ إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلامُ.
وموسى حين يسري بقومه لينجو بهم من فرعون وجنوده، فيعلمون بسراه، ويحشدون الحشود ليدركوه: ﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء:60، 61].
وأي إدراك أكثر من هذا؟ البحر من أمامهم والعدو من ورائهم! بيد أن موسى لم يفزع ولم يَيْئَس، بل قال: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
ولم يضيع أمله سُدى؛ ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 63 - 67].
ونبيُّ اللهِ يعقوبُ عليهِ السلامُ، فَقَدَ ابنَهُ يوسفَ - عليهِ السلامُ - ثُمَّ أخاه، ولكنَّه لم يتسرَّبْ إلى قلبِهِ اليأسُ ولا سَرَى في عُروقِهِ القُنوطُ، بَلْ أمَّلَ ورَجا، وقالَ: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
وما أجَملَهُ مِنْ أَمَلٍ تُعَزِّزُهُ الثِّقَةُ باللهِ سبحانه وتعالى حينَ قالَ: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وهذا سيدنا زكريا عليه السلام قال تعالى: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 2 - 6].
فاستجابت له السماء: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7].
وأيوبُ عليهِ السلامُ ابتلاهُ ربُّه بِذَهابِ المالِ والوَلَدِ والعافِيَةِ، ثُمَّ ماذا؟ قالَ اللهُ تعالىَ: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].
ويونس قد ابتلعه الحوت: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].
وانظر أخي الكريم إلى سورة الشرح التي كانت تتضمن اليسر والأمل والتفاؤل للنبي صلى الله عليه وسلم، وتذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنعم الله عليه، ثم اليسر بعد العسر، والطريق لهذا اليسر هو النَّصَب والطاعة لله عز وجل، والرغبة والأمل في موعود الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 1 - 8].
اقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل يقص الحق وهو خير الفاصلين ونشهد جميعا ان لا اله الا الله وحده لاشريك له ولى الصالحين ونشهد ان سيدنا محمدا عبدالله ورسوله أرسله ربه رحمة للعالمين
اما بعد عباد الله
على الجميع ان يكون لديه الامل فان الذى خلقنا وامرنا بالعبادة وعدنا بالرزق فلماذا نييأس والبعض قد ينتحر لمجرد ان الرزق قد قل او وجد من هو افضل منه حالا ولايعلم ان الله قد فضل بعضنا على بعض فى الرزق .
فلقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الفأْلُ؛ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، فقَدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ويُعجِبُنِي الفأْلُ: الكَلِمَةُ الحسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ))، فبالأملِ يذوقُ الإنسانُ طَعْمَ السعادَةِ، وبالتفاؤُلِ يحِسُّ بِبَهْجَةِ الحياةِ.
والإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه، وتمنحه دافعًا قويًّا للعمل، بينما التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه، ويُصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنفِّروا)).
وقَدْ بشَّرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بانتصارِ الإسلامِ وظُهورِهِ مَهْما تكالبَتْ عليهِ الأعداءُ وتألَّبَتْ عليهِ الخُصومُ؛ فعن تَمِيمِ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((لَيَبْلُغَنَّ هَذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنَّهارُ، ولا يَتْركُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدخَلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أوْ بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بهِ الإسلامَ، وذُلًا يُذِلُّ اللهُ بهِ الكفرَ))؛ أخرجَه أحمدُ.
يشتد خوف الصديق على صاحب الدعوة وخاتم النبيين، فيبكي ويقول: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيقول له النبي: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما))، وكانت العاقبة ما ذكره القرآن: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
لا تييأسوا وامشوا فى الارض وكلوا من رزق الله واعلموا ان الله اعطاك شيئا ليس موجودا عند غيرك فالغنى الذى تحسده على نعمة المال قد يكون محروما من نعمة الولد او الصحة فاحمد الله على ما انت فيه وكن متفائل دائما
فلقد قال سيدنا عيسى عليه السلام فيما روى فى كتاب الموطا
الناس رجلان رجل مبتلى ورجل معافى فاحمدوا الله على العافية وارحموا اهل البلاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق