ألآمل
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: حياة الإنسان مليئة بالأكدار والمشاكل التي تنغص الحياة وتجعلها جحيماً بعدما كانت نعيماً.. والناس تجاه تلك المشاكل العامة: إما مؤمل بالخير والفرج وإما يائس من حصول الخير.. ولكل حكمه في شريعة الله.. وعندما نتدبر كتاب ربنا نجد أنه يدعو دائماً إلى التفاؤل، وحسن الظن، وانتظار الفرج.. أمل مع صبر, دون جزع ولا فزع.. وهذا الدين العظيم دائماً ما يدعو العبد إلى أن يكون مستبشراً بالخير، مطمئناً بما قدره الله عليه، منتظراً الفرج من مقدر الأمور وقاضيها -عز وجل-.. وقد نهى الله عن اليأس والقنوط مهما كانت الظروف والمصائب.
فإذا ما عمل العبد معصية أو معاصي كثيرة فلا ييأس من مغفرتها ومحوها وفتح صفحة جديدة بيضاء.. واليأس من رحمة الله ومغفرة الله جريمة في حق العبد؛ لأن الله –تعالى- رحيم بعباده، يرحم من استغفره وتاب وأقلع عن السيئات... وهو يحب العبد الذي يعود إليه ويندم على ما قصر وفرط في جنب الله، ولهذا يقول الله:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر .
إن كثيراً من الناس عندما يعملون الجرائم العظام، والموبقات والمهلكات من السيئات، يدب إلى قلوبهم اليأس ويرون أن تلك الأمور تهلكهم، ولا يرون للتوبة باباً ولا منفذاً، ويقول الواحد منهم: كم عملت! وكم عصيت! وكم أسأت!.. لا يغفر الله لي!! لا يمكن أن تمحى تلك الذنوب بسهولة!! وهذا جرم في حق النفس وفي جنب الله. لأن الله يقبل توبة عبده إذا تاب، فلا يحل لمن وقع في الخطيئة أن يوسوس له الشيطان، ويبعده عن الرحمن.. وليتب إلى الله قبل فوات الأوان...
عباد الله: هذا يعقوب -عليه السلام- يربي أبناءه – وهو النبي الكريم ابن الكريم- ويقول لهم: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (87) سورة يوسف إن اليأس من رحمة الله كفر بالله؛ لأن في ذلك عدم تعظيم لله, وعدم معرفة سعة رحمة الله، أو إنكار لها واتكال على الأمور الظاهرة المحضة، دون لجوء إلى القادر الذي لا نراه ولكننا نرى آثاره الهائلة الكبيرة!
عباد الله: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلن إعلاناً عاماً للبشرية كلها ويقول: (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل)) رواه مسلم.
ففي هذا الحديث تقوية للآمال، ورفع للهمم، وحب للقوة والشجاعة، وترك للفتور والخور أو انتظار مقتضيات اليأس والإحباط، ودفع محاولة تبرير اليأس والقنوط، فالمؤمن الأقوى في كل الأمور: في الإيمان، في العلم والعمل، في مجابهة الأمور، في المخالطة والعزلة، في كل شؤونه، يعد مؤمناً ذكياً قوياً يستطيع – بعون الله- أن يخرج من كثير من المشاكل والأزمات.. لا كما يفعله كثير من ضعفاء الإيمان -مع أن فيهم خيراً- من تبرير الفشل والكسل والعجز بمسوغات إنما هي خروج عن حقيقة الأمور.. إن المؤمن القوي يحرص على ما ينفعه دوماً لا يخاف دون الله أحداً.. ثم هو مع ذلك الإقدام قد يصاب بمصيبة.. لكنه لا ييأس ولا يصاب بالإحباط بل يزيد إقدامه، ويقول عن تلك الأقدار والمصائب: قدر الله وما شاء فعل..
الله أكبر! ما أعظمها من كلمات لو تدبرهن عاقل.. إنه تفويض للأمور وإرجاع لها إلى باريها..
يا معشر الدعاة.. يا معشر المربين.. ويا معشر العاملين في ساحة الإسلام: الله الله بالتفاؤل والأمل، فإن ما ترونه اليوم من كيد أعداء الإسلام ليس إلا سحابة سوداء سوف تنجلي عن قريب.. واعلموا أن ما أصاب الأمة من فتور وخور وترك مسايرة الركب والسبق به، إنما جاء من حصول إحباط ويأس استولى على القلوب.. فصححوا المفاهيم وأمِّلوا الأمة بالخير... أخي المسلم: لا تيأس فالنصر قادم أما تؤمن بقول الله –تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: ((.. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).. رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون: ليس اليأس ولا التطير ولا التشاؤم من طبع المؤمن؛ لأن المؤمن يحسن الظن بالله -عز وجل- ويتوكل عليه، ويؤمن بقضائه وقدره، وقد ورد في الصحيح: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب) ثم بينهم فقال: ( هم الذي لا يسترقون ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)) متفق عليه. والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتفاءل ولا يتطير ويعجبه الاسم الحسن) كما روى ذلك الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح.
فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ييأس من شيء، بل كان دائم التفاؤل والاستبشار بتوفيق الله -عز وجل-.. حين يتعامل المؤمن مع الأحداث الهائلة التي تحصل له بمثل هذه الروح الزكية القوية، فإن الشدائد تتصاغر في حسه مهما عظمت، ويتولد في نفسه نوع من اللقاح الذي يعينه على مواجهة الشدائد والصعاب، ويوجهه للتعامل معها بواقعية بحيث يضع الأمور في نصابها، من دون تهويل ولا مبالغة.
أيها المسلمون: من العلل والأمراض النفسية المتفشية في كثير من الناس اليأس والجزع والحزن عند المصيبة، والفرح والبطر عند إقبال الدنيا! ويعود السبب إلى أن معظم البشر لا يضعون الأمور في نصابها، بل يميلون إلى التهويل والمبالغة في التعامل مع المشكلات، وقد صور القرن الكريم هذه الحالة في عدد من الآيات، منها قوله –تعالى-:{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا } (83) سورة الإسراء. وقوله -تعالى-: {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} (49) سورة فصلت. وقوله –تعالى-:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ( 9-10) سورة هود.
ومن رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين أنه منَّ عليهم فشفاهم من هذه العلة، ووهبهم ما يعينهم على وضع الأمور في نصابها وأن تكون نظرتهم للحياة معتدلة من غير إفراط ولا تفريط، وقد صور القرآن الكريم حال المؤمنين هذه في أ عقاب الآيات المتقدمة من سورة هود بقوله –تعالى-:{إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (11) سورة هود.
فاليأس لا يجوز في حياة المسلم؛ لأنه من صفات الكفار والذين لا يعرفون حقيقة دين الله –تعالى-.
اللهم إنا نعوذ بك من القنوط من رحمتك, ومن اليأس من الخير والفرج، يا رب العالمين.. هذا واستغفروا الله إن الله كان غفوراً رحيماً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القادر على كل شيء، مفرج الكروب، وغافر الذنوب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد النبي المحبوب، الذي بعث إلى الناس جميعاً، لإخراجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والعلم والسعادة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
عباد الله: لا نتصور مؤمناً بالله وبالقرآن يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً، مهما أظلمت أمامه الخطوب، واشتدت عليه وطأة الحوادث، ووقعت في طريقه العقبات، إن القرآن يضع اليأس في مرتبة الكفر، ويقرن القنوط بالضلال، قال –تعالى-:{وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} (56) سورة الحجر
وإن القرآن ليقرره ناموساً كونياً لا يتبدل، ونظاماً ربانياً لا يتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.. إن الأيام دول بين الناس، وإن القوي لن يستمر على قوته أبد الدهر.. والضعيف لن يدوم عليه ضعفه مدى الحياة.. ولكنها أدوار وأطوار، تعترض الأمم والشعوب، كما تعترض الآحاد والأفراد..{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (140) سورة آل عمران. وإن حكمة الله في ذلك أن يبلو المؤمنين، ويختبر الصادقين، ويميز الخبيث من الطيب، فيجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم، ويؤجر الصادقون الثابتون.. نصراً وتأييداً في الدنيا، ومثوبة ومغفرة في الآخرة..{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ} (31) سورة محمد.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142) سورة آل عمران
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة.
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف.
ولم تتخلف هذه القاعدة الربانية -وهي أن النصر لا يأتي إلا إذا اشتد الضيق، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر – حتى في الأمم السالفة، فكم من أمة ضعيفة نهضت بعد قعود، وتحركت بعد خمود، وكم من أمة بطرت معيشتها، وكفرت بأنعم الله فزالت من الوجود..!! وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
قال –تعالى-: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}... إلى قوله-تعالى-:{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (6) سورة الإسراء.
وقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (4)-(6) سورة القصص.
قصة نبي الله يعقوب عليه السلام: فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأْس، وحسن الظن بالله، والصبر على البلاء، ورجاء الفرج من الله، في عدة مواضع منها: - عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام -وهذا أعظم المصائب على قلب الأب- لم يفقد صوابه، وقابل قدر الله النازل، بالصبر والحلم، والاستعانة بالله سبحانه على رفعه. {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف من الآية:18]. - ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره، وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:83]. - حين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين، وإجابة دعوة المضطرين {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86]. - وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. - فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف من الآية:96] من عند الحبيب مبشرًا باللقاء القريب {أَلْقَاهُ} قميص يوسف {عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف من الآية:96] فرجع البصر، وبلغ الأمل، وزال الكرب، وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب، {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:96]. 2- رجاء لا يخيب: ذكر التنوخي بسنده عن: "عبيد الله بن سليمان، يقول في وزارته: قال: لي أبي: كنت يومًا في حبس محمد بن عبد الملك الزيات، في خلافة الواثق، آيس ما كنت من الفرج، وأشد محنةً وغمًّا، حتى وردت عليَّ رقعة أخي الحسن بن وهب، وفيها شعر له: محن أبا أيوب أنت محلها *** فإذا جزعت من الخطوب فمن لها إنَّ الذي عقد الذي انعقدت به *** عقد المكاره فيك يحسن حلها فاصبر فإنَّ الله يعقب فرجة *** ولعلها أن تنجلي ولعلها وعسى تكون قريبة من حيث لا *** ترجو وتمحو عن جديدك ذلها قال: فتفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه: صبرتني ووعظتني وأنا لها *** وستنجلي بل لا أقول لعلها ويحلها من كان صاحب عقدها *** ثقة به إذ كان يملك حلها قال: فلم أصلِّ العتمة ذلك اليوم، حتى أُطلقتُ، فصلَّيتها في داري، ولم يمضِ يومي ذاك، حتى فرَّج الله عني، وأُطلقت من حبسي، ورُوي أنَّ هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب، فأمر بإطلاق سليمان، وقال: والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج، ولا سيما من خدمني. فأطلقه على كره من ابن الجراح الزيات لذلك" (الفرج بعد الشدة للتنوخي: [1/186-188]). 3- من يائس من تعلم علم النحو، إلى إمام فيه: قال ابن عثيمين: "قد حدَّثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي رحمه الله أنَّه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به إلى الجدار، وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة، وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو، فينبغي أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأْس معناه سدُّ باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم، بل نتفاءل، وأن نعِد أنفسنا خيرًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق