بسم الله الرحمن الرحيم
(الإيجابية سلوك إسلامي )
العنصر الأول / معنى الإيجابية كسلوك وما أهميتها؟
العنصر الثاني / الدعوة إلى الإيجابية ونماذج لها من القران الكريم
العنصر الثالث / مواقف من حياة الرسول والصحابة والتابعين عن الايجابية
العنصر الرابع / الايجابية عوائق وحلول
..................... أما بعد .................
أيها المسلمون عباد الله / من الأهمية بمكان في تلك الفترة الهامة فى حياة امتنا وبلادنا وأوطاننا أن نوجه حديثنا نحو سلوكيات محددة لطالما غابت عن كثيرا من الناس وتحملوا ويلاتها بعدُ .
فصار واجبا على دعاة الأمة والناصحين التأكيد عليها عبر المنابر الإعلامية والتعليمية المختلفة ولا حرج ولا غضاضة من تكرار تلك المواضيع المتعلقة بالسلوكيات الهامة فنحن نكرر سورة الفاتحة قى صلاتنا وكم من قصة كررت فى القران الكريم ونقل عن سلفنا ما فى التكرار من فوائد فقد حُكي عن ابنَ أبي بَكر النَّيسَابُوري- أنَّ فَقِيهاً أعَادَ الدَّرسَ في بَيتِهَ مِرَاراً كثيرة ، فقالت لَهُ عَجُوزٌ في بيته : قد والله حفظتُه أنا ، فقال : أَعِيدِيهِ فأعادته، فَلَمَّا كانَ بَعدَ أيَّامٍ ، قال : يا عجوزُ أعيدي ذلك الدَّرسَ ، فقالت: ما أحفظُه ، قال : أَنَا أُكرِّر لئلا يُصيبني مَا أَصَابَك "
عباد الله نتحدث اليوم عن سلوك هام ألا وهو (الايجابية)
والإيجابية تعنى التجاوب، والتفاعل، والعطاء وهى ضد السلبية والتشاؤم والإحباط
والإيجابية هي أهم وسيلة لنهضة ونصرة ورفعة أي أمة؛ فمن الحقائق المسلِّم بها أن نهضة الأمم تقوم على أفراد إيجابيين مميزين بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة، كما أنها نجاة من هلاك الأمم والشعوب قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] ولم يقل صالحون إنما قال مصلحون، وهناك فارق بين صالح ومصلح فالصالح صلاحه بينه وبين ربه، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه ودعوة غيره .
ولذلك يقولون
الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره
والإيجابي يرى في العمل والجد أملا والسلبي يرى في العمل ألما.
والإيجابي يصنع الأحداث والسلبي تصنعه الأحداث
والإيجابي ينظر للمستقبل والسلبي يخاف المستقبل
الإيجابي يناقش بقوة وبلغة لطيفة والسلبي يناقش بضعف وبلغة فظة
الإيجابي يتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر والسلبي يتشبث بالصغائر ويتنازل عن القيم
الإيجابي عامل الناس كما تحب أن يعاملوك والسلبي أخدع الناس قبل أن يخدعوك
عباد الله / إن الايجابية أصل عظيم من أصول الإسلام ، وهى ميزة عظيمة ميز الله تعالى بها المسلم ، فالإسلام
يدعو إلى ايجابية الفرد نحو نفسه و نحو المجتمع ،و نرى هذا الأصل العظيم في القرآن الكريم ففي سورة العصر التي قال عنها الإمام الشافعي (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم) وذلك لأنها تجمع الدين كاملا قال تعالى (و العصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ) وهى توصى بايجابية الفرد نحو نفسه و نحو من حوله
والقرآن الكريم به الكثير من الآيات التي توجِّه إلى التمسك والتحلي بهذا السلوك والتمسك بهذه القيمة فالله سبحانه و تعالى ميز هذه الأمة بالايجابية فالمسلم لا يقف من الأحداث موقف المتفرج لقوله تعالى"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" ويقول تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".إن القرآن الكريم أكد على أن الإيجابية ليست للرجال فقط ،بل هي للرجال والمرأة :"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"
ولقد ضرب القران الكريم لنا أمثلة كثيرة عن الايجابية ومنها قصة النملة مع نبى الله سليمان
فمن نملة نتعلم إيجابية نملة: يقول تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل:18 سليمان نبي الله هو وجيشه يمشون في الطريق و أمامهم مجموعة من النمل يسعون لطلب الرزق.. تحملت نملة واحدة مسؤولية الإنذار والتحذير وصاحت في النمل {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} واعتذرت عن سليمان وجنوده فقالت {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. {قَالَتْ نَمْلَةٌ} نملة نكرة ليست معرفة! ومن ثم فأي واحد منا يتحمل المسؤولية يكون موضع تقدير واحترام لأنه يصبح إيجابياً
ومن سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيرته نتعلم الايجابية
كما في قصة مساعدة النبي صلى الله عليه وسلم لبدوي غير مسلم ليسترجع دَيْنا له من أبي جهل رأس الكفر، فلم يمنع عدم إسلام الطرفين من بذل الجهد في عمل إيجابي. قدم رجل من أراش (اسم قبيلة) بإبل له بمكة، فابتاعها منه أبو جهل، فمطله بأثمانها (تأخر متعمدًا)، فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس، فقال: "يا معشر قريش، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب، ابن سبيل، وقد غلبني على حقي"، قال: فقال له أهل ذلك المجلس: "أترى ذلك الرجل الجالس -لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه". فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عبد الله، إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه يرحمك الله" قال: «انطلق إليه» وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: "اتبعه فانظر ماذا يصنع" قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: "من هذا؟" فقال: "محمد فاخرج إلي"، فخرج إليه وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: "أعط هذا الرجل حقه"، قال: "نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له". قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للأراشي: "الحق بشأنك". فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: "جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي". قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: "ويحك ماذا رأيت؟" قال: "عجباً من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعطِ هذا حقه، فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فخرج إليه بحقه، فأعطاه إياه".
عباد الله ومن خلال تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم الصحابة صار كل صحابي أمة لوحده، وما من صحابي إلا وله سمة معينة، وموقف خاص، وإبداع متميز، فمنهم من أشار واقترح، ومنهم من أوضح وشرح، ومنهم من أضاف واستدرك، فيما يخدم الدعوة وحركة الإيمان، فسلمان الفارسي يستفيد من خلفيته الحضارية ويقترح حفر الخندق، وحباب بن المنذر يقترح الوقوف في بدر على الماء، وآخر ينصب المجانيق في غزوة الطائف، وأبو بصير يخطط لحرب عصابات بعيدا عن بنود صلح الحديبية، وعمر بن الخطاب يقرب سيفه في نفس الهدنة من أبي جندل طمعا في أن يستله ويقتل أباه دون مؤاخذة على نقض المعاهدة، و يستلم خالد بن الوليد الراية يوم مؤتة بلاتأمير، رضي الله عنهم أجمعين.
والمتتبع لمعارك القادسية واليرموك، والجسر والبويب، يجد لكل صحابي فيها موقفا مشهودا.
وللصحابة والتابعين بطولات وجولات، نستل منها فقط قصة ذلك المجهول في القادسية صاحب الإبداع عند ملاقاة الفرس حيث نفرت خيل المسلمين من الفيلة..
فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين، وأنس به فرسه، حتى ألفه، فلما أصبح: لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له: إنه قاتلك، قال: لا ضير أن أقتل، ويفتح للمسلمين
ولو ترك الجانب العسكري، لرأينا في الجانب الاقتصادي ذلك الصحابي الذي تؤرقه كثرة أبناء المهاجرين والأنصار فينقل زراعة القمح للحجاز، وعبد الرحمن بن عوف يختبر السوق، فيصفق لنفسه حتى لا يكون عالةً على غيره، وكل ذلك كان يتم دون أوامر، بل بمبادرات من الصحابة أنفسهم، رغم الإيمان التام بكفاية القائد المؤيد بالوحي، ورغم الاستعداد التام للطاعة المطلقة، وذلك لإيمانهم الجازم بضرورة العمل الإيجابي.
المسلم كالغيث حيثما حل نفع، فهو كما قال الشاعر:
لله قوم إذا حلوا بمنزلة، حل** السرورُ وسار الجودُ إن ساروا
تحيا بهم كلُ أرضٍ ينزلون بها** كأنهم لبقاع الأرض أمطارُ
ونورهم يهتدي الساري لرؤيته ** كأنهم في ظلام الليل أقمارُ
وتشتهي العين منهم منظرًا حسنًا** كأنهم في عيون الناس أزهارُ.
وفي إطار الفكر والتربية يسارع عبد الله بن عمرو لتدوين الحديث، وزيد ابن ثابت لجمع القرآن، إضافة إلى مسارعته لتعلم العبرانية والسريانية إذ قال عن نفسه:
)قال لي رسول الله: أتحسن السريانية؟ قلت: لا، قال: فتعلمها، فتعلمتها في سبعة عشر يوما)
وابن عباس يجد بغيته الدعوية في الخروج للأسواق والسلام على الناس، وصحابية تطالب الرسول- صلى الله عليه وسلم- بحق النساء فتجمعهن للسماع، وتنقل أسماء بنت عميس بعض تجارب أهل الحبشة في كفن المرأة.. وغير ذلك.
وفي الإطار الاجتماعي يسابق بعضهم بعضاً في التزاور والضيافة، ويتحاور أبو الدرداء مع سلمان ليبت الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ في أمر المناقشة حول حقوق العيال وقيام الليل.
عباد الله اعلموا ان الإيجابية لها درجات تتفاوت، وقد يكون أعلاها محتاجا لقوة إرادة مع قوة إيمان، فليس كل الناس يستطيع أن يبذل ماله، ولا كل الناس يتحمس أن يصرف وقته وصحته ويشغل نفسه لأجل غيره، ولهذا قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ….. الجــود يفقــر والإقـدام قتــال
لكن هناك حدا أدنى للإيجابية يستطيعه كل الناس، بسمة في وجه أخيك، تعين من تلقاه في الطريق، إذا ذكر أخوك فاذكره بالخير الذي فيه، لا تكن ثغرة أو سدا يقف أمام أي عمل خير، أزح ما تجده أمامك من أذى في الطريق، ساعد بكلمة طيبة، افعل ما لا تجد فيه صعوبة أو مشقة لكنه يؤدي لنتيجة طيبة، أو يمنع نتيجة سيئة
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم فاستغفروه انه غفور رحيم
................الخطبة الثانية ..................
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم الى يوم الدين وبعد
أيها المسلمون عباد الله / هناك معوقات كثيرة فى طريق الإيجابية نذكر طرفا منها وكيف نتغلب عليه
الذنوب والمعاصي إن أثرها عظيم على الإنسان في حجبه عن الخير و عن معالى الأمور كما انها تؤدى الى فتور الهمم و وهن العزائم قال ابن مسعود ( انى لأحسب ان الرجل ينسى العلم يعلمه بالذنب يفعله )
والتغلب عليها يكون بتجديد التوبة و الاستغفار .
ومن العوائق ضعف الثقة بالنفس"لا أستطيع" كلمة يرددها الكثيرون عندما يدعون الى بذل الخير و الايجابية و الى أن يكون لهم أثر في الاسرة و المجتمع ، ولا يقولوا ذلك إلا من باب التهرب من المسئولية والركون إلى السكون و الراحة .
يجب ان نتحلى بالثقة فى النفس والارادة القوية و لا نيأس اذا فشلت المحاولة الاولى بل نتيقن ان الانسان يتعلم من خطأه فيجب ان نتحلى بالصبر و الشجاعة وعدم اليأس
ومن العوائق الجهل وعدم الوعى بما يحاك وما يدور وعلينا بالوعي والمعرفة: فالمتابعة الدائمة للمجالات المختلفة تساعد الفرد على استكشاف أبعاد كثيرة من الممكن أن تكون غائبة عنه، فيساعده هذا الوعي على استكشاف فرص جديدة، ومنافذ تكون في كثير من الأحيان مبهمةً له؛ مما يساعده على اقتحامها.
عبد الله ختاما ادعوك الى ان تكون ذا ثقل على الارض التى انت عليها وذلك بان تكون إيجابيا فعليك
1- الاتصال بالله والاستمساك بعروته فهي القوة الدافعة لكل خير الصارفة عن كل شر
2- الصحبة الصالحة التى تعين الانسان على الاندفاع فى الخيرات و الصبر على المعوقات
3- استشعار المسئولية، فانت مسئول عن نفسك ، عن عمرك ، عن مالك ، عن علمك ، عن اسرتك ، عن مجتمعك ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ،. وما أُصبنا بالسلبية والدعة والسكون واللامبالاة إلا عندما قل الشعور بالمسئولية عن نعم الله "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "
4- البعد عن سفاسف الأمور و طلب معاليها ، فكلما ركن الانسان الى الدنيا و متاع الحياة كلما قصر فى اداء الامانات و الواجبات و حتى تتحقق الايجابية نحتاج الى هدف فى الحياة ، الارادة القوية و الهمة العالية ، الثقة فى الله ،والصبر و عدم اليأس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق