فإذا أنت عرفت الحق فأقررت به ودلك الحق على أن
لله عليك مع الفرائض الظاهرة فرضا باطنا هو تصحيح السرائر واستقامة الإرادة
وصدق النية ومفاتشة الهمة ونقاء الضمير من كل ما يكره الله وعقد الندم على
جميع ما مضى من التواثب بالقلب والجوارح على ما نهى الله عنه
وهذا أمر
جعله الله مهيمنا على أعمال الجوارح فما كان من أعمال العبد من عمل ظاهر
قوبل به من الباطن فما صح ووافق باطنه صلح وقبل ظاهره وما خالف وفسد باطنه
ردت عليه أعمال ظاهرة وإن كثرت وخسر ظاهرها لفساد باطنهاويحقق ذلك كله قول الله تعالى { وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون }
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ( إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل
امرئ ما نوى ) )
وقوله في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده يريد عمله الا وهي القلب وقوله
إن الملك ليكثر أعمال العبد بعد وفاته عند الله تعالى فيقول عبدك لم أزل
معه حتى توفيته ثم يذكر محاسن عمله فيكثرها ويطيبها ويحسن الثناء عليه
فيقول الله تعالى أنت كنت حفيظا على عمل عبدي وأنا كنت رقيبا على قلبه وإن
عمله الذي كثرته وطيبته لم يكن لي خالصا ولست أقبل من عبدي إلا ما كان لي
خالصا فاعرف يا أخي نفسك وتفقد أحوالها وابحث عن عقد ضميرها بعناية منك
وشفقة منك عليها مخافة تلفها فليس لك نفس غيرها فإن هلكت فهي الطامة الكبرى
والداهية العظمى فأحد النظر إليها يا أخي بعين نافذة البصر حديدة النظر
حتى تعرف آفات عملها وفساد ضميرها وتعرف ما يتحرك به لسانها ثم خذ بعنان
هواها فاكبحها بحكمة الخوف وصدق الخلاف عليها وردها بجميل الرفق الى مراجعة
الإخلاص في عملها وتصحيح الإرادة في ضميرها وصدق المنطق في لفظها واستقامة
النية في قلبها وغض البصر عما كره مولاها مع ترك فضول النظر الى ما قد
أبيح النظر إليه مما يجلب على القلب اعتقاد حب الدنيا وخذها بالصمم عن استماع شئ مما كره مولاها من الهوى والخنا وفي تناولها وقبضها وبسطها وفي فرحها وحزنها
وخذها بتصحيح ما يصل الى بطنها من غذائها وما تستر به عورتها وخذها بجميع همها كلها وامنع فرجها عن جميع ما كره مولاها وليكن
مع ذلك منك تيقظ وإزالة للغفلات عن قلبك عند كل حركة تكون منك وسكون وعند
الصمت والمنطق والمدخل والمخرج والمنشط والحب والبغض والضحك والبكاء فتعاهدها يا أخي في ذلك كله فإن لها في كل نوع ذكرناه من ذلك كله سبب لهواها وسبب لطاعتها وسبب لمعصيتها فإن
غفلت و وافقت هواها وغفلت عن مفاتشة هممها كان جميع ما ذكرت لك من ذلك كله
معاصي منها وإن انت سقطت بالغفلة ثم رجعت بالتيقظ إلى خلاف هواها فكان معك
الندم على غفلتك وسقطتك رجع ذلك كله إحسانا وطاعات لك فتفقدها يا أخي
بالعناية المتحركة منك لها مخافة تلفها فإنك تقطع عن إبليس طريق المعاصي
وتفتح على نفسك باب الخيرات وما التوفيق إلا بالله العلي العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق