Our Blog

رحله علي خطي الحبيب من الميلاد الي الممات (الدرس الاربعون)

                                                
                                                          غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع
(في شعبان سنة 6 هـ) وهذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الذيل  عريضة الأطراف  من حيث الوجهة العسكرية  إلا أنها وقعت فيها وقائع أحدثت البلبلة والإضطراب في المجتمع الإسلامي وتمخضت عن افتضاح المنافقين  والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس. ونسرد الغزوة أولا  ثم نذكر تلك الوقائع.
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست من الهجرة على أصح الأقوال  .


                                                                سبب الغزوه
  بلغه صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله  فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي  لتحقيق الخبر فأتاهم  ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة  وأسرع في الخروج  وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان  وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها  واستعمل على المدينة زيد بن حارثة  وقيل أبا ذر وقيل ثميلة بن عبد الله الليثي وكان الحارث بن ضرار قد وجه عينا  ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي  فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه.
ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله عينه  وخافوا خوفا شديدا  وتفرق عنهم من كان معهم من العرب  وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع  بالضم فالفتح مصغرا  اسم لماء من مياههم في ناحية قديد إلى الساحل  فتهيؤوا للقتال  وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه  وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق  وراية الأنصار مع سعد بن عبادة  فتراموا بالنبل ساعة  ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد  فكانت النصرة. وانهزم المشركون  وقتل من قتل  وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء  ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد قتله رجل من الأنصار ظنا منه أنه من العدو.
كذا قال أهل المغازي والسير  قال ابن القيم: وهو وهم  فإنه لم يكن بينهم قتال  وإنما أغار عليهم على الماء فسبى ذراريهم وأموالهم كما في الصحيح: أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون .


وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم  وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها  فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا  وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم  .               

                                                   الوقائع التي حدثت في هذه الغزوة :
 فلأجل أن مبعثها كان هو رأس النفاق عبد الله بن أبي وأصحابه  نرى أن نورد أولا شيئا من أفعالهم في المجتمع الإسلامي.

                                           دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق
قدمنا مرارا أن عبد الله بن أبي كان يحنق على الإسلام والمسلمين  ولا سيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم حنقا شديدا. لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته  وكانوا ينظمون له الخرز  ليتوجوه إذ دخل فيهم الإسلام  فصرفهم عن ابن أبي فكان يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه.
وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام  وبعد أن تظاهر ه. ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة على حمار  ليعود سعد بن عبادة  فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبي  فحمر ابن أبي أنفه وقال: لا تغيروا علينا. ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المجلس القرآن  قال: اجلس في بيتك  ولا تغشنا في مجلسنا  .
وهذا قبل أن يتظاهر الإسلام  ولما تظاهر به بعد بدر  لم يزل إلا عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين  ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي  وتوهين كلمة الإسلام  وكان يوالي أعداءه  وقد تدخل في أمر بني قينقاع كما ذكرنا وكذلك جاء في غزوة أحد من الشر والغدر والتفريق بين المسلمين  وإثارة الإرتباك والفوضى في صفوفهم بما مضى.
وكان من شدة مكر هذا المنافق وخداعه بالمؤمنين  أنه كان بعد التظاهر بالإسلام  يقوم كل جمعة حين يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للخطبة  فيقول: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم  أكرمكم الله وأعزكم به  فانصروه وعزروه  واسمعوا له وأطيعوا  ثم يجلس  فيقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخطب  وكان من وقاحة هذا المنافق أنه قام في يوم الجمعة التي بعد أحد  مع ما ارتكبه من الشر والغدر الشنيع  قام ليقول ما كان يقوله من قبل  فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه  وقالوا له: اجلس أي عدو الله  لست لذلك بأهل  وقد صنعت ما صنعت  فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: ويلك  ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي  .
وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين  حتى قال لهم: لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولئن قوتلتم لننصرنكم.
وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من: إثارة القلق والإضطراب  وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قد قص الله تعالى في سورة الأحزاب وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا إلى قوله: يحسبون الأحزاب لم يذهبوا  وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم  ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا.
بيد أن جميع أعداء الإسلام من اليهود والمنافقين والمشركين كانوا يعرفون جيدا من سبب غلبة الإسلام ليس هو التفوق المادي وكثرة السلاح والجيوش والعدد  وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي وكل من يمت بصلة إلى هذا الدين  وكانوا يعرفون أن منبع هذا الفيض إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي هو المثل الأعلى   إلى حد الإعجاز لهذه القيم.


كما عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة خمس سنين  أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح  فقرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد  وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية.


ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين   ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن له الإتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين. تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون وعلى رأسهم ابن أبي.
وقد ظهرت خطتهم هذه جلية بعد غزوة الأحزاب  حينما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة  كان من تقاليد العرب أنهم كانوا يعتبرون المتبني مثل الابن الصلبي فكانوا يعتقدون حرمة حليلة المتبني على الرجل الذي تبناه  فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب وجد المنافقون ثلمتين  حسب زعمهم لإثارة المشاغب ضد النبي صلى الله عليه وسلم:


الأولى: أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة  والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة  فكيف صح له هذا الزواج؟.
الثانية: أن زينب كانت زوجة ابنه- متبناه  فالزواج بها من أكبر الكبائر حسب تقاليد العرب  وأكثروا من الدعاية في هذا السبيل واختلقوا قصصا وأساطير  قالوا: إن محمدا رآها بغتة  فتأثر بحسنها فشغفه حبا  وعلقت بقلبه وعلم بذلك ابنه زيد فخلى سبيلها لمحمد  وقد نشروا هذه الدعاية المختلقة نشرا بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذا الزمان  وقد أثرت تلك الدعاية أثرا قويا في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات  فيها شفاء لما في الصدور وينبئ عن سعة نشر هذه الدعاية أن الله استفتح سورة الأحزاب بقوله: يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما  .


وهذه إشارات عابرة  وصورة مصغرة مما اقترفه المنافقون قبل غزوة بني المصطلق  وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف  وكان عامة المسلمين يحترزون عن شرهم  أو يتحملونه بالصبر  إذ كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخرى  حسب قوله تعالى: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون  .

                                                 دور المنافقين في غزوة بني مصطلق
ولما كانت غزوة بني المصطلق  وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة فقد وجدوا متنفسين للتنفس بالشر فأثاروا الإرتباك الشديد في صفوف المسلمين  والدعاية الشنيعة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهاك بعض التفصيل عنها.


                                      *  - قول المنافقين: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزو مقيما على المريسيع  ووردت واردة الناس  ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له جهجاه الغفاري  فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء  فاقتتلا  فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة.
وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فغضب وعنده رهط من قومه  فيهم زيد بن أرقم غلام حدث وقال: أو قد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا  والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك  أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم  أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم  أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر  فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر فقال عمر: مر عباد بن بشر فليقتله. فقال:  فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن أذن بالرحيل . وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها فارتحل الناس فلقيه أسيد بن حضير فحياه  وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ يريد ابن أبي  فقال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل  قال: فأنت يا رسول الله  تخرجه منها إن شئت  هو والله لذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله  ارفق به  فو الله لقد جاءنا الله بك  وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى أنك استلبته ملكا.ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى  وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس  ثم نزل بالناس  فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما. فعل ذلك  ليشغل الناس عن الحديث.
أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمات به  وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله  عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه  ولم يحفظ ما قال الرجل  فصدقه قال زيد: فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي  فأنزل الله إذا جاءك المنافقون إلى قوله: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا إلى ليخرجن الأعز منها الأذل  فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي  ثم قال: إن الله قد صدقك  .
وكان ابن هذا المنافق وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي رجلا صالحا من الصحابة الأخيار فتبرأ من أبيه ووقف له على باب المدينة واستل سيفه  فلما جاء ابن أبي قال له:
والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم  فإنه العزيز وأنت الذليل  فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له  فخلى سبيله  وكان قد قال عبد الله بن عبد الله بن أبي: يا رسول الله إن أردت قتله فمرني بذلك  فأنا والله أحمل إليك رأسه  .



                                                                         حديث الإفك
وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك  وملخصها أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها  وكانت تلك عادته مع نسائه  فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل  فخرجت عائشة لحاجتها  ففقدت عقدا لأختها كانت أعارتها إياه فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها  فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها فظنوها فيه فحملوا الهودج  ولا ينكرون خفته  لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها  وأيضا فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج لم ينكروا خفته  ولو كان الذي حمله واحدا أو اثنين لم يخف عليهما الحال  فرجعت عائشة إلى منازلهم وقد أصابت العقد  فإذا ليس به داع ولا مجيب  فقعدت في لمنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها  والله غالب على أمره  يدبر الأمر  فوق عرشه كما يشاء  فغلبتها عيناها  فنامت فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم  فلما رآها عرفها  وكان يراها قبل نزول الحجاب  فاسترجع وأناخ راحلته  فقربها إليها  فركبتها  وما كلمها كلمة واحدة  ولم تسمع منه إلا استرجاعه  ثم سار بها يقودها  حتى قدم بها  وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة  فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته  وما يليق به ووجد الخبيث عدو الله ابن أبي متنفسا  فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه  فجعل يستحكي الإفك  ويستوشيه  ويشيعه  ويذيعه  ويجمعه  ويفرقه  وكان أصحابه يتقربون به إليه فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابه- لما استلبث الوحي طويلا  في فراقها فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يفارقها  ويأخذ غيرها  تلويحا لا تصريحا  وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها  وألايلتفت إلى كلام الأعداء  فقدم على المنبر يستندر من عبد الله بن أبي  فأظهر أسيد بن حضير سيد الأوس رغبته في قلبه فأخذت سعد بن عبادة  سيد الخزرج وهي قبيلة ابن أبي  الحمية القبلية  فجرى بينهما كلام تثاور له الحيان  فخفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت.


أما عائشة  فلما رجعت مرضت شهرا  وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئا  سوى أنها كانت لا تعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي  فلما نقهت خرجت مع أم مسطح إلى البراز ليلا  فعثرت أم مسطح في مرطها  فدعت على ابنها  فاستنكرت ذلك عائشة منها  فأخبرتها الخبر فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتي أبويها وتستيقن الخبر  ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر فجعلت تبكي فبكت ليلتين ويوما لم تكن تكتحل بنوم  ولا يرقأ لها دمع  حتى ظنت أن البكاء فاتق كبدها  وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فتشهد وقال: أما بعد يا عائشة  فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا  فإن كنت بريئة فسيبرئك الله  وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه  فإن العبد إذا اعترف بذنبه  ثم تاب إلى الله تاب الله عليه .
وحينئذ قلص دمعها  وقالت لكل من أبويها أن يجيبا  فلم يدريا ما يقولان  فقالت: والله لقد علمت  لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم  وصدقتم به  فلئن قلت لكم: إني بريئة  والله يعلم أني بريئة  لا تصدقوني بذلك  ولئن اعترفت لكم بأمر  والله يعلم إني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف. قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.


ثم تحولت واضطجعت  ونزل الوحي ساعته  فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك  فكانت أول كلمة تكلم بها  يا عائشة  أما الله فقد برأك  فقالت لها أمها: قومي إليه.. فقالت عائشة  إدلالا ببراءة ساحتها وثقة بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا أقوم إليه  ولا أحمد إلا الله. والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالى: إن الذين جاؤ بالإفك عصبة منكم. العشر الآيات.


وجلد من أهل الإفك مسطح بن أثاثة  وحسان بن ثابت  وحمنة بنت جحش  جلدوا ثمانين  ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك  والذي تولى كبره  إما لأن الحدود تخفيف لأهلها وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة  وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله  .
وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك الإرتياب والقلق والإضطراب عن جو المدينة  وافتضح رأس المنافقين افتضاحا لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك  قال ابن إسحاق: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنف ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.