سلسله ايمانيه حول صائم بلا أجر
الدرس الحادي عشر : صوم بلا أخلاص كمسافر يملأ جرابه رملا يثقله و لا ينفعه:
ان
الصوم ينمي في النفوس رعاية الأمانة والإخلاص في العمل وألا يراعى فيه غير
وجه الله تعالى وهذه فضيلة عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق.
والصوم من أكبر الحوافز لتحقيق التقوى وأحسن الطرق الموصلة إليها ولهذا السر
ختمت آيات الصومِ بقوله تعالى
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
فعلى المسلم الصائم أن يختبر نفسه وهو يؤدي
هذه الفريضة العظيمة هل اكتسب من صومه تقوى ربه فحافظ على طاعته بفعل ما أمره
به وترك ما نهاه عنه؟ فإن وجد نفسه كذلك فليحمد الله وليستمر في سيره إلى
ربه جادا في طلب رضاه عنه.
وإن وجد غير ذلك فليراجع نفسه ويجاهدها على
تحقيق ما شرع الصوم من أجله وهو تقوى الله التي لا يهتدي بالقرآن أصلا إلا
أهلها.
لا بد لكل عمل ليكون مقبولا بإذن الله أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: أن يكون خالصاً لله تعالى، وصدق الله العظيم *مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.*
الثاني: أن يكون صوابا على وفق ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم القائل من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(رواه مسلم.
وقال صلي الله عليه وسلم ان الله لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا واصوبا ... اي خالصا لله لا شبهه رياء فيه واصوبا علي شرع الله وسنه المصطفي صلي الله عليه وسلم.
والناس اليوم على وجه الأرض على اختلاف عقائدهم ودياناتهم وتعدد
رغباتهم يقومون بأعمال وتصرفات كثيرة ظانين أن فيها السعادة ونسوا أو
تناسوا أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه
الكريم وموافقا لشرعه الحكيم .
لا شك أن من أجل وأعظم العبادات التي تربي في نفوسنا حسن القصد لله و
التوجه الكامل إليه و تصحيح النية و إخلاصها لله تعالى إنما هو الصيام
حيث إن حال الممسك عن الطعام شبعا مثل حال الممسك عن الطعام تقربا إلى
الله تعالى في الصورة الظاهرة وبالتالي لا يكون بينهما فارق إلا بالنية .
ولذلك يقول القرطبي لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع
عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في هذا الحديث يدع شهوته من أجلي .
وقال ابن الجوزي جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من
شوب بخلاف الصوم.
وقال الإمام أحمد: لا رياء في الصوم فلا يدخله الرياء في فعله من صفى
صفى له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ومن أحسن في
نهاره كوفئ في ليله وإنما يكال للعبد كما كال.
ما أجمل العبادات عندما نريد بها وجه الله تعالى !!!!
و ما أجمل الصيام حين نجني من ثمراته الإخلاص !!!!!
نعم إنه الإخلاص الذي نبحث عنه في كل أعمالنا فلا نكاد نجده !!!!!
الإخلاص الذي نعاني من فقدانه في معظم عباداتنا !!!!!
الإخلاص الذي هو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه أو شيطان
فيفسده ولا هوى فيميله!!!!!
وما أجمل قول الحسن البصري عندما كان يعاتب نفسه و يوبخها بقوله
تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين وتفعلين فعل الفاسقين المرائين والله ما هذه صفات المخلصين.
فعلى المسلم أن يستحضر النية ولابد له في جميع العبادات من ثلاثة أشياء:
1_ نية العبادة.
2_ أن تكون لله.
3_ أنه قام بها امتثالاً لأمر الله.
وعلى المسلم أن يعلم أن ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل.
والعمل إذا كان لله تعالى قبل أما ما كان لغير الله لا يحبط فحسب بل
إن صاحبه يلقى مصيرا مشينا لأنه اتخذ مع الله شريكا وهذا ما يوضحه
الحديث الذي رواه ضمرة عن أبي حبيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الملائكة يرفعون عمل عبد من عباد الله فيستكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا
به إلى حيث شاء الله من سلطانه فيوحي الله تعالى إليهم أنكم حفظة على عمل
عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص لي عمله فاكتبوه في
سجين ويصعدون بعمل عبد فيستقلونه ويحقرونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله
من سلطانه فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في
نفسه إن عبدي هذا أخلص لي عمله فاكتبوه في عليين.
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا
ما كان خالصا لوجهه الكريم وإن قلت فهذا القليل يضاعفه الله تعالى بفضله.قال تعالى .*وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْراً عَظِيماً *. ويرد الأعمال التي لا يبتغي بها وجهه
وإن كثرت..
فيأتي الصيام فينمي فينا حب الإخلاص ويكون سببا لخلاصنا وطهارتنا من
الرياء فعن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في
الصيامِ رياءرواه البيهقي وقال هكذا روي بهذا الإسناد منقطعا .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ..يترك طعامه وشرابه وشهوته من اجلي الصيام لي وانا اجزي به .
قال الفلاس سمعت ابن أبي عدي يقول صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا
يعلم به أهله كان خزازا يحمل غداءه فيتصدق به في الطريق.
ويحكى أن ملكا من الملوك أراد أن يبني مسجدا في مدينته وأمر أن لا يشارك
أحد في بناء هذا المسجد لا بالمال ولا بغيره...حيث يريد أن يكون هذا المسجد
هو من ماله فقط دون مساعدة من أحد وحذر وأنذر من أن يساعد أحد في ذلك .
وفعلا تم البدء في بناء المسجد ووضع اسمه عليه وفي ليلة من الليالي رأى
الملك في المنام كأن ملكا من الملائكة نزل من السماء فمسح اسم الملك عن
المسجد وكتب اسم امرأة فلما استيقظ الملك من النوم استيقظ مفزوعا وأرسل
جنوده ينظرون هل اسمه مازال على المسجد فذهبوا ورجعوا وقالوا نعم اسمك
مازال موجودا ومكتوبا على المسجد وقال له حاشيته هذه أضغاث أحلام .
وفي الليلة الثانية رأى الملك نفس الرؤيا رأى ملكا من الملائكة ينزل من
السماء فيمسح اسم الملك عن المسجد ويكتب اسم امرأة على المسجد وفي الصباح
استيقظ الملك وأرسل جنوده يتأكدون هل مازال اسمه موجودا على المسجد
فذهبوا ورجعوا وأخبروه أن اسمه مازال هو الموجود على المسجد !
تعجب الملك وغضب فلما كانت الليلة الثالثة تكررت الرؤيا فلما قام الملك من
النوم قام وقد حفظ اسم المرأة التي يكتب اسمها على المسجد فأمر بإحضارها فحضرت وكانت امرأة عجوز فقيرة فوقفت بين يديه ترتعد فرائصها فسألها
هل ساعدت في بناء المسجد الذي يبنى ؟
قالت يا أيها الملك أنا امرأة عجوز وفقيرة وكبيرة في السن وقد سمعتك تنهى
عن أن يساعد أحد في بنائه .
فلا يمكنني أن أعصيك . فقال لها أسألك بالله ماذا صنعت في بناء المسجد ؟
قالت والله ما عملت شيئا قط في بناء هذا المسجد إلا ... فقاطعها الملك
قائلا : نعم إلا ماذا ؟
فقالت إلا أنني مررت ذات يوم من جانب المسجد فإذا أحد الدواب التي تحمل
الأخشاب وأدوات البناء للمسجد مربوط بحبل إلى وتد في الأرض وبالقرب منه سطل
به ماء وهذا الحيوان يريد أن يقترب من الماء ليشرب فلا يستطيع بسبب الحبل .
والعطش بلغ منه مبلغا شديدا فقمت وقربت سطل الماء إليه فشرب من الماء .
هذا والله الذي صنعته . فقال الملك نعم عملت هذا لوجه الله فقبل الله منك
وأنا عملت عملي ليقال مسجد الملك ! فلم يقبل الله مني فأمر الملك أن يكتب
اسم المرأة العجوز على هذا المسجد .
وحقيقه نري في شهر الصيام الناس تتصدق علي الفقراء وتتغني باسماء الفقراء ويقول انا ارسلت الي فلان وفلان وفلان وكأن الرزق من عنده نسي ان الرزاق هو الله .
تجد الناس في مقبل شهر رمضان يلبسون الجلباب الابيض وفي اخر ايام شهر شعبان يتوجهون الي المساجد حتي لا يقال عليهم لم يظهروا الا في رمضان ... والله الذي لا اله غيره سمعتها بأذني من اناس يصلون كان لايظهرون في المساجد قبل رمضان فقال انا اذهب في اواخر شعبان حتي يدخل علي رمضان فلا يقال عني صلي في رمضان فقط . وتجد في يده المسبحه والجلباب الابيض فاذا ما انتهي رمضان انتهت الصلاه وانتهي الذهاب الي المساجد وخلعنا الجلباب الابيض ..سبحان الله وكأن رب رمضان ليس له هو رب باقي الشهور اسأل الله لهم الهدايه والثبات علي الايمان .
فافعل اليوم عملا لا يعلمه أحد إلا الله و لا تحدث به نفسك بعد ذلك ولا
أحدا من الناس بل اجعله بينك وبين ربك ..وداوم على عمل السر لأنك ستحتاجه
بعد ذلك في مواجهة عقبات الحياة .
فالإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين وجه لله ووجه لشركائه ولا
أن تنقسم حياته إلى شطرين شطر لله وشطر للطاغوت الإسلام يرفض الثنائية
المقيتة والازدواجية البغيضة التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم فنجد
الرجل مسلما في المسجد أو في شهر رمضان ثم هو في حياته أو في معاملاته
أو في مواقفه إنسان آخر إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم ويجعلها
كلها لله كما يجعله كله لله فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب
العالمين. قال تعالي ..قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له
و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق