إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل
ضلالة في النار
ثم أما بعد:
أحبتي في الله روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
تعالى قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ،
ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إستكمل صيام
شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيام منه في شعبان
وفي رواية في صحيح مسلم ((وكان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً))
وفي رواية حديث أسامة ابن زيد رضي الله عنهما
وفيه أن أسامة قال للنبي عليه الصلاة والسلام : يا رسول الله ، لم أرك تصوم
من الشهور ما تصوم في شعبان فقال عليه الصلاة والسلام ذاك شهر يغفل الناس
عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل ، وأحب أن
يرفع عملي إلى الله وأنا صائم)) وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث أنس
أنه سُئل عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنس (وأنس خادم النبي
الأمين) فهو يحكي ما رأته عينه ، وما سمعته أذنه ، يقول أنس رضي الله عنه
ما كنت أحب أن أرى رسول الله صائما إلا رأيته ، ولا مفطراً إلا رأيته ، ولا
قائماً بالليل إلا رأيته ، ولا نائماً إلا رأيته. أكرر هذه الرواية مرة
ثانية ((ما كنت أحب أن أرى رسول الله صائما إلا رأيته ، ولا مفطراً إلا
رأيته ، ولا قائماً بالليل إلا رأيته ، ولا نائماً إلا رأيته) فرسول الله
صلى الله عليه وسلم يعلم أمته الاعتدال ، فلا إفراط ولا تفريط .فأمة التي تتقلب في فضل الله جل جلاله
وتنتقل من خير إلى خير وتتقلب في مواسم الفضل فهي تخرج من موسم لتدخل
موسماً آخر لتظل دائماً أبداً في معية الله تتقرب إلى الله جل علاه.
فكرامة هذه الأمة عظيمة،ولكن إذا أردت أن تقف
على كرامة الأمة وخيرية الأمة حتى مع ما فيها من ضعف وتقصير فانظر إلى جميع
أمم الأرض لتعلم يقيناً أنه لا يوجد الآن أمة توحد رب السماء والأرض إلا
أمة المصطفى قال تعالى ((أفنجعل المسلمين كالمجرمين* مالكم كيف تحكمون))
قال تعالى ((أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستون)) قال تعالى ((أم نجعل
الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين
كالفجار)) ومن أعظم الأدلة القرآنية على خيرية هذه الأمة والتي ستظل دليلاً
شاهداً على خيريتها إلى قيام الساعة حكم ربنا لأمة نبينا في قوله تعالى ((
كنتم خير أمة أخرجت تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بالله....الآية)) كانت أمة النبي ولا زالت وستظل خير أمة أخرجت للناس إلى
أن يرث الله الأرض ومن عليها أتريدون يا أحبابي أن نسوي بين من يقول أنا
ربكم الأعلى وبين من يخر ساجداً باكياً لله يقول سبحان ربي الأعلى.. شتان
شتان أمة النبي قد يرد علي بعض شبابنا أمة النبي الآن فيها الزناة وفيها
العصاة وفيها من يشربون الخمر وفيها المخالفات وتقهقرت وتأخرت وغير ذلك من
الأقوال وهذا واقع لا يغيب عني ومع ذلك أقول : أمة النبي بما فيها من تقصير
من بعض أفرادها أو من كثير من المنتسبين لها كانت ولازالت وستظل خير أمة
لأنها الأمة الوحيدة الآن التي توحد الله وتؤمن بالحبيب رسول الله
.والمذنبون والمقصرون من أمثالي أنا كانوا ولا زالوا موجودين في الأمة من
عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يقلل وجود هؤلاء من كرامة الأمة
فلقد وصف الله الأمة بالخيرية بوجود هؤلاء الضعفاء المقصرين ، فلا ينبغي
أيها الأخوة الأفاضل أن نجرد الأمة من خيريتها مكانتها وأن ننظر إلى هذه
الأمة كيف تتنقل في طاعة الله وفي الله وفي رحمات الله وقد وعد ربنا نبينا
أن لايخزيه في هذه الأمة أبداً وزادها شرفاً وفضلاً ففي صحيح مسلم من حديث
عبد الله ابن عمر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوماً
يبكي قرأ قول الله في إبراهيم (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس) يعني
الأصنام والآلهة المكذوبة (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه
مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) لم يقل ومن عصاني فانتقم منه ، فاخسف به
الأرض لأن أصحاب القلوب الكبيرة قل ما تستجيشها دوافع القسوة والغلظة
والإنتقام وقرأ قول الله في عيسى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك
أنت العزيز الحكيم ) ثم بكى الرحمة المهداة والنعمة المسداة فقال ربنا جل
في علاه إلى جبريل: يا جبريل انزل إلى محمد فسله ما يبكيك وهو أعلم جل
جلاله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون فنزل جبريل ُ إلى النبي الأمين ما
يبكيك يا رسول الله قال: اللهم أمتي أمتي يا جبريل فصعد جبريلُ إلى الملك
الجليل وقال يقول اللهم أمتي أمتي قال الله جل وعلا لجبريل انزل إلى محمد
فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا تسوؤك )) هذا وعد ربنا أسأل الله أن يرضينا وأن
يرضى عنا وأن لا يخزينا وإياكم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فالعبد عبد ،
والرب رب ، ولا ينبغي أن نقلل من كرامة الأمة ومن شأن الأمة فهي خير أمة
وأكرم أمة على الله كما قال الصادق رسولُ اللهِ ))أنتم موفون سبعين أمة
أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل ))عن ابن عباس رضي اللهُ عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( عرضت علي
الأمم ، فرأيتُ النبي َ ومعه الرهط ، ورأيتُ النبيَ ومعه الرجلُ والرجلان،
ورأيتُ النبيَ وليس معهُ أحد))
فلقد عرض اللهُ على نبينا صلى الله عليه وسلم أعدادَ الأممِ السابقة وهي في
طريقها إلى الجنة ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على أعداد كل أمة تدخل
الجنةَ مع نبيها المُرسَل من قِبَلِ رَبِنا جل جلاله )): فرأيتُ النبي َ
ومعه الرهط ، ورأيتُ النبيَ ومعه الرجلُ والرجلان، ورأيتُ النبيَ وليس معهُ
أحد)) قال فبينا أنا كذلك إذ رُفِعَ لي سوادٌ عظيم يعني رأى كوكبةً عظيمةً
في طريقها إلى الجنة فقلت هذه أمتي ، فقيل لي هذا موسى وقومُه -إذاً أين
الأمةُ الميمونةُ المرحومة- فقيل لي ولكن انظُر إلى الأفق قال : فنظرت فإذا
سوادٌ عظيم ثم قيل لي انظُر إلى الأفق الآخر قال فنظرت فإذا سوادٌ عظيم
،فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنةَ بغير حساب ولا عذاب))
بل ووالله لقد سأل نبينا ربنا المزيدَ لهؤلاءِ الفضلاء الذين يدخلون الجنة
بغير حساب ولا عذاب قال( سألتُ ربي عز وجل فوعدني أن يخل الجنةَ من أمتي سبعين ألفَ على
صورةَ القمرِ ليلةَ البدرِ فاستزدتُ ربي عز وجل فزادني مع كلِ ألفٍ سبعين
ألفاً ثم يحثي ربي بكفهِ جل جلالُ ربي لا يعلم مقدار حثوات الملك إلا
المَلِكْ ثم يحثي ربي بكفهِ ثلاثَ حثيات فكبر عمر قال ابنُ الخطابِ اللهُ
أكبر اللهُ أكبر ثم قال عليه الصلاةُ والسلام وإن السبعين ألفاً الأٌوَلْ
يشفعهم اللهٌ في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم ، وإني لأرجو أن تكون أمتي أدنى
الحثوات الأواخر)).
هذه كرامةُ الأمة ..فيها العصاة ، فيها المقصرون، فيها المذنبون ((فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)) فلا حرج على
الإطلاقِ.
وأسأل الله أن يتوب على المقصرين من أمثالي، وعلى المذنبين من أمثالي، وعلى
أن يردنا وإياكم إليه مرداً جميلاً وأن يقر أعيننا بعودةِ الأمة إليه وإلى
منهج رسوله عَوْدَاً كاملاً حميداً ،إنه ولي ذلك والقادرُ عليه.
من رحمة الله بالأمة أن الله عز وجل قد تفضل عليها بكثير من المواسم مواسم
الطاعات وكثير من مواسم العبادات والخيرات لتنتقل الأمة الميمونةُ من موسم
طاعة إلى موسم آخر لتخرج من عبادة لتدخل عبادة اخرى، وهكذا حتى يظل العبدُ
سائراً على الصراط المستقيم إلى أن يلقى رب العالمين ففي سنن الترمذي
ومسندِ أحمد بسندٍ صحيح من حيث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إذا
أراد اللهُ بعبدٍ خيراً استعْمَلَه)) اللهم استعملنا يا أرحم الراحمين
((إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيراً استعْمَلَه قيل كيف يستعمله يارسول الله قال:
يوفقه لعمل صالح ثم يقبضهُ عليه)) ومن بديع ما قاله إمامنا الحافظ ابن
كثير إن الله سبحنه وتعالى أجرى عادته بكرمه أن من عاش على شيءٍ مات عليه
،ومن مات على شيءٍ بعث عليه.
أسألُ اللهَ تعالى أن يحييني وإياكم على طاعته،وأن يختم لي ولكم بخاتمة
الإيمان،وأن يحشرني وإياكم في زمرة الموحدين ،وسيد المرسلين ،إنه ولي ذلك
والقادر عليه.
أيها الأفاضل ...
شهر ُ شعبان شهرٌ فضيل يغفل عنه كثير من الناس وكأني أرى أن الله جل وعلا
قد جعلهُ مقدمةً حقيقيةً لتهيئةِ القلوبِ والنفوسِ والأرواحِ بل والأبدانِ
لشهر رمضان ..توطئةٌ كريمة ،وتهيئةٌ جليلة، تقبل فيه على رمضان إقبالاً
يليق بالشهر المعظم، تهيأُ فيه نفسكَ للصيام. كان صلى الله عليه وسلم يكثر
من الصيامَ في شعبان حتى ورد في رواية في صحيح البخاري كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصوم شعبانَ كله لفظة كله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصوم شعبان إلا قليلاً وأنت الآن في أول أيام الشهر الفضيل،فعاهد ربك من
الآن على أن تُقْبِلَ على هذه العبادة العظيمة، وعلى أن تشدد الأوبة
والتوبة وأن من أول أيام الشهر أن تستعدَ استعداداً خاصاً لآخر هذا الشهرِ
الذي سترفع فيه الأعمال إلى الله،فهل يا ترى أعددت من الأعمال ما تسعد أن
يُرفَع في آخر هذا الشهر إلى الله هل أنت مستعدٌ لأن تُرْفَعَ أعمالك
الماضية في آخرِ هذا الشهرِ إلى الملك جل جلاله؟ كيف يكون حالِ الواحدِ منا
لو تعرض لإشكالٍ ما وحُدِدَ لهُ يومٌ للمثولِ أمام قاضٍ من قضاةِ الدنيا
يا ترى قبل موعد هذا اللقاء والمحاكمة بكم يفكر الإنسان ويخطط ويبحث عن من
يدافعُ عنه، ويبحث عن دراسات جدوى لا أقول دراسة جدوى وماذا سيقول وما الذي
سَيُقَالُ له إلى آخر هذه الحالة النفسيةِ المؤلمةِ المزعجةِ المقلقة التي
يعرفها كلٌ واحد ٍمنا لكن أنا أذكرك الآن وأقول هل أنت مستعدٌ أيها الوالد
وأيها الإبن العزيز هل أنت مستعدٌ لأن تُعْرَض أعمالك على الله جل جلاله
في آخر هذا الشهر فقد نغفل كثيراً عن عرض الأعمالِ إلى الله كل يوم نغفل
نأكل ونشرب وننام ونستيقظ إلى العمل ونعود لننام ولنأكل ولا يفكر كثير منا
في عرض عمله اليومي على الرب العلي كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى
الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال( إن الله لا ينام ولا
ينبغي له أن ينام يخفِضُ القسطَ ويرفعُه يُرْفَعُ إليه عملُ الليل قبل عمل
النهار وعملُ النهار قبلَ عمل الليل حجابه النور لو كشفهُ لأحرقت سُبُحاتُ
وجهه ما انتهى اليه بصرهُ من خَلْقِهْ )) والله لقد كان تفكير السلف في عرض
أعمالهم على الله يقلق أحدهم قلقاً بالغاً إلى حد البكاءِ الذي يفلق
الكَبِدْ ولكن لقسوة القلوب إلا من رحم علام الغيوب صار التذكير بعرض
الأعمال على مالك الملك وملك الملوك لا يحرك إلا قلوبً قليلةً تمتلأ بجلال
الله وخشية الله وتعظيم الله أسألُ الله أن يجعلنا من هذه القلةِ التي تعرف
قدر الله وجلالَه تُعرض هذه الأعمال في هذا الشهر،فاحرص عل أن يرفع عملٌ
يرضي الله عنك احرص على أن ترفع توبة تُجِب ما سبق فالتوبة تجب ماقبلها ،
احرص على أن يرفع لك استغفار يجب الله تعالى لك به ماسبق فالتوبة بفضل الله
تعالى هي الأصل حتى في الكبائر من ارتكب كبيرةً وستر الله عليه ولم يفتضح
أمره ولم يبلغ أمره إلى ولي أمر المسلمين كان من الواجب عليه أن يقيم حد
الله ، إذا ستر الله على مرتكب كبيرةٍ فتاب إلى الله جل وعلا فأقلع عن
الذنب وندم على ارتكاب الذنب وعمل صالحاً غفر الله عز وجل له وتولى الله
تخليص هذا الحق إن مرتبطٌ بحق آدمي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى
الله بقلب سليم،فاحرص وذكر نفسك.
يا نفس قد أَزِفَ الرحيلُ وأظللك الخطب الجليلُ
فتأهبي يا نفسُ لا يلعب بك الأملُ الطويلُ فلتنزِلِن بمنزلٍ ينسى الخليلَ بها الخليلُ
وليركن عليك من الثرى ثِقَلٌ ثقيلُ قُرِن الفناءُ بنا فما يبقى العزيزُ ولا الذليلُ
لذا كان صلى الله عليه وسلم وهو من هو..يحرص على الصيام في هذا الشهر
الفضيل،ووالله لو علمنا فضل الصيام لحرصنا عليه وما ضيعناه ففي الصحيحين من
حديث أبي سعيدٍ الخدري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال(من صام
يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً))
والمراد بالخريف هنا العام أي سبعين عاماً يباعدُ اللهُ وجهه عن النار
سبعين عاماً بصيامِ يومٍ واحدٍ تبتغي به وجه الله عز جل جلاله كان صلى الله
عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً وكما يقول أنس كان يصوم فيكثر الصوم كان
صلى الله عليه وسلم يصومُ حتى نقولَُ لا يفطر كما قالت عائشة رضى الله عنها
في حديث الباب الذي ذكرتُ ابتداءً وكان يفطرُ حتى نقولُ لا يصوم، الشاهد
أن أنبه على أن الاعتدال منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم،فلا إفراط ولا
تفريط،لا غلو ولا تنطع،ولا تضييع ولا تفريط لأن الإفراط في دين النبي يعادل
التفريط ولذلك روى البخاري ومسلم من حديث أنسٍ أيضاً قال:جاء ثلاثة رهطٍ
إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما
اُخْبِرُواْ عنها كأنهم تقآلوها يا للمأساة أن يتوهم إنسان ما أنه أعظم
عبادةً من خير خلق الله –كأنهم تقآلوها_ ولكنهم مع ذلك قالوا وأين نحن من
رسول الله وقد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه فلما قالوا ذلك قال أحدهم:أما أنا
أصومُ الدهر ولا أفطر أبداً يعني سأصوم العام كله لن أقطع هذا العام يوم
من الأيام وقال الثاني:أما أنا أقوم الليل ولا أرقد أبداً سأقوم الليل كله
وقال الثالث:أما أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً فجاء النبي صلى الله
عليه وسلم أعرفُ الخلق بربه وأتقى الناس لربه وأعلم الناس بربه أنتم الذين
قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم
وأفطر،وأصلي وأرقد،وأتزوج النساء،فمن رغب عن سنتي فليس مني.الاعتدال
الاعتدال ،القصد القصد ولذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً المسجد
النبوي فوجد حبلاً مربوطاً بين ساريتين (أي بين عمودين) فقال: ماهذا؟ قالوا
حبلاً لزينب رضي الله عنها تتعلقُ به إذا فترت في الصلاة هي تقف تصلي فإذا
فترت وتعبت تتعلق بالحبل لتُرْم نفسها لتُقْهِرَ نفسها على القيام بين يدي
ربها والحديث في الصحيحين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((حُلٌوه
حُلٌوه)) ثم قال فليصلِ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد.إذاً صيام شعبان سنة
ليس واجباً والإكثار من الصيام في شعبان من هدي النبي عليه أفضل الصلاة
وأزكى السلام،ما حكم صيام يوم النصف من شعبان؟ مندوب،مستحب لأنه يومٌ من
الأيام الغُر الذي يستحب ويندب صيامه،نصف شعبان وهو الخامس عشر مستحب صيامه
كيومٍ ثالثٍ من الأيام القمرية البيض.أما ما حكم إحياء ليلة النصف من
شعبان؟ لا أصل له، ولو كان من النبي صلى الله عليه وسلم لوصل إلينا ولنقل
إلينا بالتواتر ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقيمُ ليلةَ
النصفِ من شعبان بأصحابه في المسجد النبوي، لكن لو أراد أحد أحبابنا أن
يقوم الليلَ في بيته في هذه الليلة أو في غيرها من الليالي فَبِهَا ونعمة
وما أعظمها من طاعة وقربة،
فلا حرج أن تقيم الليلة في بيتك كأي ليلة من الليالي، لا حرج أن تتضرع إلى
الله بالدعاء لكن لا نجتمع في المساجد لأداء صلاة التسابيح أو لصلاة
الرغائب أو غير ذلك فهذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله
السلفُ الصالحُ عليهم رضوان الله ((إذا كان ليلة النصف من شعبان فإن
الله تعالى يغفر لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن)) الحديث حَسَنَ في هذه الليلة يغفر الله لأهل الأرض إلا للمشركين ((إن الله
لا يغفر أن يشرك به شيئاً ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) وإلا للمشاحنين
للمتخاصمين على أمور الدنيا الزائلة الحقيرة التافهة أما الهجر إن كان لله
وللدين بشرط أن يكون صادقاً في ذلك فلا حرج عليك بل قد يكون الإنسان
مأموراً بهذا أحياناً فلقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المجتمعَ المسلمَ
في المدينة أن يهجر الثلاثة الذين خُلفوا من غزوة تبوك وكان هذا الهجرُ
عملاً من أعظم القربات والطاعات إلى الله ثم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أما الهجر من دنيا زائلة ومن أجل مالٍ زائل ومن أجل منصبٍ ومن أجل
امرأة ومن أجل ولد إلى غير ذلك فهذا يُعَرِضُ هذين إلى الحرمان من مغفرة
الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة الكريمة المباركة.
قال رسول الله ((العبادة في الهَرْجِ –يعني في الفتن في أيام الفتن وفي زمان الفتن-
العبادة في الهَرْجِ كهجرة إلي)) أي كهجرةِ النبي صلى الله عليه وسلم من
مكة إلى المدينة، أيها الأحبة ربما أطرح سؤالاً أخيراً ألا وهو :هل من
أسباب أو وسائل لتعيننا بحول الله وطَوله على العودةِ وعلى الطاعة والثبات
على ذلك والمداومة على ذلك؟ والجواب إن شاء الله تعالى في عجالة بعد جلسة
الإستراحة وأقولُ قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
وبعد فالعاقل هو الذي يعرف شرف زمانه لا تنسوا مني هذه الكلمات –العاقل هو
الذي يعرف شرف زمانه-وهو الذي يعرف قدر الأيام التي يمر بها الآن في هذه
الحياة فقد تُسْلَبُ الحياة في أي لحظة من اللحظات ويودُ الإنسان أن لو عاد
إلى الدنيا ليعمل صالحاً فيقال له كلا ((حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال رب
ارجعون لعلي أعمل صالحاً)) لعلي!يريد العودة ومع ذلك هو ليس متأكداً إن كان
سيعمل صالحاً أم لا ومع ذلك يأتيه الجواب ((كلا إنها كلمة هو قائلها)) ولا
قيمة لها ((ومن ورائهم برزج إلى يوم يبعثون فعاهد ربك من الآن على التوبة والأوبة ،عل ترك الحرام،على ترك الذنوب
والمعاصي ،على ترك الربا ،على ترك أكل أموال اليتامى ،على ترك العقوق ،على
ترك الإساءة إلى الجيران والأصحاب عاهد ربك على الأوبة والتوبة،عاهد ربك من
الآن على المحافظة على الأوامر على الإبتعاد عن النواهي ما استطعت إلى ذلك
سبيلاً ،على الوقوف عند الحدود وأنت في غاية الحب لله والرضا عن الله
،عاهدي ربك على التوبة ،وعلى المحافظة
على الصلوات في وقتها ،عاهد ربك الآن على إخراج حقه جل جلاله في المال اخرج
زكاة مالك اخرج الصدقة ،استعد من الآن وخصص للحج إن لم تكن قد حججت
الفريضة وقد وسع الله عليك ومنَ عليك بالإستطاعة.عاهد ربك من الآن وأنت
الآن تجلس بين يديه أو وأنت تستمع إلي في أي مكان في الأرض، عاهد لربك عاى
التوبة على الأوبه على العودة واعلم بأن أعظم وسيلة لتُعان بها على ذلك أن
تصدق في طلب ذلك من الله جل جلاله ،فمن صدق اللهَ صدقه الله والله لو صدقت
الله في أن تقوم الليل لأقامك بين يديه بالليل ،والله لو صدقت الله في أن
تغض بصرك عن الحرام لأعانك على غضِ بصرك عن الحرام، والله لو صدقت الله في
كفِ لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب وترك أكل الربا وترك أكل أموال
اليتامى إلى غير ذلك والله لأعانك عل ذلك أما الآن أن تُذَكَرْ بكل
ماذُكِرْتَ من آيات ومن أحاديث النبي الصحيحة ثم تُعرض ثم تَزُوغ ثم ينحرف
قلبك فالنتيجة ولا حول ولا قوة إلا بالله ((فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم
والله لايهدي القومَ الفاسقين)) أم ثمرة تحقيق الإيمان بالله ورسوله ((ومن
يؤمن بالله يهدِ قلبَه)) فإن حققت الآن الإيمان بالله ورسوله وامتثلت الأمر
واجتنبت النهي ووقفت عند الحد وأنت تردد مع الأولين الصادقين ((سمعنا
وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) إن فعلت ذلك هدى الله قلبك هي ثمرة
حقيقيةٍ طبيعيةٍ لتحقيقك للإيمان بالله ورسوله ((ومن يؤمن بالله يهدِ
قلبه فالإيمان سبب لهداية القلب ونتيجة كذلك لهداية القلب فكلاهما من
الآخر ،فاستعن بالله واصدق.الهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يُسر)) ميسر جميل لأنه
دين الخالق الذي من خلق وهو اللطيف الخبير ((إن الدين يُسر ولن يشاد الدينَ
أحدٌ إلا غَلَبَه)) أي إلا غلبه الدين فسددوا والسدادُ:هو السير على طريق
الاستقامة هذا هو السداد لغة واصطلاحاً فسددوا أي استقيموا على الصراط
المستقيم وعلى منهج الله ورسوله وسيروا على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فسددوا لا نستطيع أن نسير على السداد يعني على طريق الاستقامة سيراً
منضبطاً لا انحراف فيه ولا اعوجاج لأننا لسنا ملائكة بررة ولسنا رُسلاً ولا
أنبياء لا نستطيع السداد على طول الخط بل قد تتعثر قدم واحد منا في مكان
معصية وقد تجذب ثياب الآخر أشواك الذنوب فلا حرج. الربُ ربٌ والعبدُ عبدٌ
ماذا اصنع ،اجذب ثيابك من أشواك الذنوب واغسلها بدموع التوبة وارفع رجلك من
حفرةِ المعصية وجدد الأوبة إلى الله وأنت على يقين مطلق أنه جل جلاله
سيفرح بأوبتك وتوبتك وهو الغني عنك وعن جميع العالمين ((قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه
هو الغفور الرحيم)).
عاهد الله الآن الآن وإلا فالأنفاس تجري
والأيام تمر وتسحب معها السنين وتجر خلفها الأعمار وستطوى حياتُك قلت أم
كثرت لترى نفسك في عداد الموتى وبعدها ترى نفسك واقفاً بين الملك ليس بينك
وبينه ترجمان ستنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت وتنظر أيسر منك فلا ترى
إلا ما قدمت وتنظر بين يديك فلا ترى إلا النار تلقاء وجهك فاتقِ النار ولو
بشق تمرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عدي ابن
حاتم ((فاتقوا النار ولو بشق تمرة))...اللهم اعصمني وإياكم من النار
،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق