Our Blog

الدرس الثالث والعشرون من سلسله غزوات النبي

سلسله  غزوات  النبي صلي  الله عليه وسلم
الدرس الثالث والعشرون من سلسله غزوات النبي :
==========================
فتح مكة :
=====
أقام عليه السلام بعد مؤتة جمادى ورجبا، ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عهد قريش المعقود يوم الحديبية، وهو أن خزاعة كانت في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها وكانت كفار بني بكر بن عبد مناف بن كنانة في عقد قريش، فعدت بنو بكر بن عبد مناف على قوم من خزاعة، على ماء لهم يقال له الوتير بأسفل مكة، وكان سبب ذلك أن رجلا يقال له مالك بن عباد الحضرمي حليفا لآل الأسود بن رزن  كان خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله، وذلك قبل الإسلام بمدة، فعدت بنو بكر بن عبد مناة رهط الأسود بن رزن على رجل من بني خزاعة، فقتلوه بمالك بن عياد، فعدت خزاعة على سلمة وكلثوم وذؤيب بني الأسود بن رزن، فقتلوهم، وهؤلاء الإخوة أشراف بني كنانة كانوا يودون في الجاهلية ديتين، ويودي سائر قومهم دية دية وكل هذه المقاتل كانت قبل الإسلام.
فلما جاء الإسلام حجز ما بين من ذكرنا، واشتغل الناس به فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا؛ فاغتنم بنو الديل من بني بكر بن عبد مناة تلك الفرصة، وغفلة خزاعة، وأرادوا إدراك ثأر بني الأسود بن رزن، فخرج نوفل بن معاوية الديلي بمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناف، وليس كلهم تابعه، جاء حتى بيت خزاعة، وهم على الوتير، فاقتتلوا، ورفضت قريش بني بكر بالسلاح، وأعانهم قوم من قريش، بأنفسهم مستخفين، وانهزمت خزاعة إلى الحرم، فقال قوم نوفل بن معاوية: يا نوفل: الحرم، اتق الله إلهك، فقال الكافر: لا إله له اليوم، والله يا بني كنانة، إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تدركون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له منبه، وانجحرت في دور مكة فدخلوا دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ودار مولى لهم اسمه (رافع) وكان هذا نقضا للعهد الواقع يوم الحديبية.
فخرج عمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحد بني كعب وبديل بن ورقاء الخزاعي وقوم من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيثين مما أصابهم به بنو بكر بن عبد مناة وقريش، فأجابهم، وأنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد، ويزيد في المدة، وأنه سيرجع بغير حاجة، وندبت قريش على ما فعلت، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد، ويزيد في المدة، فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فكتمه بديل مسيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه إنما صار في خزاعة على الساحل، فنهض أبو سفيان حتى أتى المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته دونه، فقال لها في ذلك فقالت: هو  من أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس عليه، فقال:
لقد أصابك بعدي شر يابنية، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فكلمه، فلم يجبه بكلمة، ثم ذهب أبو سفيان إلى أبي بكر الصديق، فكلمه أنه يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتى له، فأبى أبو بكر من ذلك.
فلقى عمر فكلمه في ذلك، فقال عمر: أنا أفعل ذلك؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، فدخل علي على بيته، فوجد عنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسن وهو صبي فكلمه فيما أتى له، فقال له علي: والله ما نستطيع أن نكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر قد عزم عليه، فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس؟ فقالت: ما بلغ بني ذلك وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا أبا سفيان أنت سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، فقال: أترى ذلك مغنيا عني شيئا، قال: ما أظن ذلك، ولكن لا أجد لك سواه، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: ايها الناس، إنني قد أجرت بين الناس، ثم ركب فانطلق راجعا إلى مكة حتى قدم إليها، وأخبر قريشا بما فعل وبما لقي، فقالوا له: ما جئت بشيء، وما زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك.
ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سائر إلى مكة، فأمرهم بالتجهيز لذلك، ودعا الله تعالى أن يأخذ عن قريش بالأخبار  .
فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم فيه بقصد الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، فدعا علي بن أبي طالب والزبير والمقداد وهم فرسان، فقال لهم: انطلقوا إلى روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب لقريش، فانطلقوا، فلما أتوا المكان الذي وصف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا المرأة، فأناخوا بها، ففتشوا رحلها كله فلم يجدوا شيئا، فقالوا: والله ما كذب رسول الله، فقال علي: والله لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، فحلت قرون رأسها، فأخرجت الكتاب منها، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قرىء عليه قال: ما هذا يا حاطب؟ فقال حاطب: يا رسول الله، والله ما شككت في الإسلام، ولكن ملصق في قريش، فأردت أن اتخذ عندهم يدا يحفظونني بها في شأفتي بمكة وولدي وأهلي، فقال عمر: دعني يا رسول الله، أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر؟ لعل الله تعالى قد أطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف، واستخلف على المدينة آبارهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري، وذلك لعشر خلون من رمضان، فصام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج فأفطر بعد صلاة العصر، وشرب على راحلته علانية ليراه الناس، وأمر بالفطر، فبلغه صلى الله عليه وسلم أن قوما تمادوا على الصيام، فقال: أولئك العصاة، فكان هذا نسخا لما تقدم من إباحة الصيام في السفر.
ولم يسافر النبي صلى الله عليه وسلم بعدها في رمضان أصلا فهذا الحكم في السفر ناسخ لما قبله، ولم يأت بعد شيئا ينسخه، ولا حكم يرفعه.
فلما نزل من الظهران ومعه من بني سليم ألف رجل، ومن مزينة ألف رجل، وثلاثة رجال، وقيل من بني سليم سبعمائة، ومن غفار أربعمائة، ومن أسلم أربعمائة وطوائف من قيس وأسد، وتميم وغيرهم، ومن سائر القبائل أيضا جموع.
وقد أضفى الله تعالى أيضا عن قريش الخبر لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم وجسون وجلون خائفون، وقد خرج أبو سفيان، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام الأخبار.
وقد كان العباس بن عبد المطلب هاجر في تلك الأيام، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فبعث ثقله إلى المدينة، وانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا، فالعباس
من المهاجرين من قبل الفتح. وقيل بل لقيه بالحجفة.
وذكر أيضا أن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أمية بن المغيرة أخا أم سلمة أم المؤمنين لقياه بنيق العقاب مهاجرين فاستأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأذن لهما، فكلمته أم سلمة، فأذن لهما فأسلما.
فلما نزلوا بمر الظهران أسفت نفس العباس على ذهاب قريش إن فاجأهم الجيش قبل أن يأخذوا لأنفسهم، فيستأمنوا، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ونهض فلما أتى إلادراك، وهو يطمع أن يرى حطابا أو صاحب لبن يأتي بمكة فينذرهم، فبينما هو يمشي كذلك إذ سمع صوت أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتساءلان، وقد رأيا نيران عسكر النبي صلى الله عليه وسلم، وبديل يقول لأبي سفيان هذه والله نيران خزاعة، فيقول له أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران، فلما سمع العباس كلامه ناداه: يا أبا حنظلة، فميز أبو سفيان صوته، فقال أبو الفضل؟ قال: نعم، فقال له أبو سفيان: ما الشأن؟ فداك أبي وأمي، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وأصبح قريش، فقال له أبو سفيان: وما الحلية؟
فقال له العباس: والله إن ظفر بك ليقتلنك، فارتدف حلفي وانهض معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأردف العباس فأتى به العسكر، فلما مر على نار عمر نظر عمر إلى أبي سفيان فميزه، فقال أبو سفيان: عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسابق العباس، فسبقه على البغلة، وكان عمر- رضي الله عنه- بطيئا في الجري، فدخل العباس ودخل عمر على أثره، وقال:
يا رسول الله، هذا أبو سفيان ودخل عمر على أثره، وقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد، فائذن لي أضرب عنقه، فقال العباس: يا رسول الله، قد أجرته، فراده عمر الكلام، فقال العباس: مهلا يا عمر، فلو كان من بني عدى ابن كعب ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف، فقال عمر: مهلا فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أبّ إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد
عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله إلى رحله، ويأتيه به صباحا، ففعل العباس ذلك، فلما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يأن لك: ألم تعلم ألاإله إلا الله؟ فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك، وأوصلك، والله لقد ظننت أنه لو كان معه إله غيره لقد أغنى، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك ألم تعلم أني رسول الله؟؟ فقال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك!! أما هذه ففي النفس منها شيء حتى الآن، فقال له العباس: ويحك، أسلم قبل أن تضرب عنقك ... فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فأجعل له شيئا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من كان لا يقاتل، من أهل مكة، بنص جلي لا إشكال فيه ولا لبس ولا غموض، فإن مكة مؤمنة بلا شك، ومن تمّ لم تؤخذ عنوة بوجه من الوجوه، ولو آمن مسلم من أي المسلمين قرية من دار الحرب على أن يغلقوا أبوابهم ولا يقاتلوا على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، لكان أمانا صحيحا، وللزم ذلك كل مسلم، ولحرمت دماؤهم وأموالهم وديارهم، وللزمهم الإسلام أو الجلاء إلا أن يكونوا كتابيين، فيباح لهم القرار على الجزية والصغار، فكيف آمان رسول الله صلى الله عليه وسلم!! ... فمن قال: إن مكة صلح على هذا المعنى، فقد صدق، ومن قال: إنها صلح على أنهم دافعوا وامتنعوا حتى صالحوا، فقد أخطأ، وأما من قال: عنوة فقد أخطأ على كل حال.
والصحيح اليقين المحض أنها مؤمنة على دمائهم، وذراريهم وأموالهم، ونسائهم إلا من قاتل أو استثنى فقط. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الجبل  أو الوادي، ففعل ذلك العباس، وعرض على أبي سفيان القبائل، قبيلة قبيلة، إلى أن جاء موكب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، رضوان الله عليهم خاصة كلهم في الدروع، والبيض، فقال أبو سفيان: - من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: والله، مالأحد بهؤلاء من قبل، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، فقال العباس: إنها النبوة، يا أبا سفيان، قال: فهذا إذن، فقال العباس: يا أبا سفيان، النجاء إلى قومك ... النجاء إلى قومك، أي أسرع إليهم وأعلمهم بما رأيت.
فأسرع أبو سفيان، فلما أتى مكة عرّفهم بما أحاط به، ثم أخبرهم بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من دخل داره أو المسجد، أو دار أبي سفيان.
وتأبش  قوم ليقاتلوا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رتّب الجيش، وكان قد جعل الراية بيد سعد بن عبادة ثم بلغه أنه قال: اليوم يوم الملحمة.. اليوم تستحل الحرمة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع الراية إلى الزبير بن العوام، وقيل إلى علي بن أبي طالب، وقيل إلى قيس بن سعد بن عبادة، وكان الزبير على الميسرة، وخالد ابن الوليد على الميمنة، وفيها أسلم وغفار، ومزينة وجهينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح على مقدمة موكب النبي صلى الله عليه وسلم، وسرّب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش من طوى، وأمر الزبير بالدخول من ذى كدا في أعلى مكة، وأمر خالد بالدخول من الليط أسفل مكة، وأمرهم بقتال من قاتلهم،
وكان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، قد جمعوا جميعا بالخندق ليقاتلوا فناوشهم أصحاب خالد القتال وأصيب من المسلمين رجلان
وهما: كرز بن جابر من بني محارب بن فقر، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أحرم الخزاعي، حليف بني منقذ، شذّ عن جيش خالد فقتل، وأصيب أيضا من المسلمين سلمة بن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين نحو ثلاثة عشر رجلا ثم انهزموا، وكان شعار المسلمين يوم الفتح وحنين والطائف فشعار الأوس يا بني عبيد الله، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن.
وآمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس كما ذكرنا حاشا عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، ومقيس بن صبابة، وقينتي بن خطل، وهما فرتنا وصاحبتها، وسارة مولاة لبني عبد المطلب.
فأما ابن خطل- وهو من بني تميم الأدرم بن غالب كان أسلم، وبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعث معه رجلا من المسلمين، فعدا عليه وقتله، ولحق بالمشركين- فوجد يوم الفتح وقد تعلق بأستار الكعبة، فقتله سعيد بن حريث المخزومي، وأبو برزة الأسلمي.
أما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بمكة، فاختفى، وأتى به عثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخاه من الرضاعة فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت عليه السلام ساعة، ثم أمنه وبايعه، فلما خرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: هلّا قام إليه بعضكم فضرب عنقه؟ فقال رجل من الأنصار: هلّا أو مأت إلينا؟، فقال: ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين، فعاش حتى استعمله عمر، ثم ولّاه عثمان مصر، وهو الذي غزا افريقيا. ولم يظهر منه بعد إسلامه إلا خير وصلاح ودين.
وأما عكرمة بن أبي جهل، ففر إلى اليمين، فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فردته فأسلم، وحسن إسلامه.
أما الحويرث بن نقيذ، وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقتله علي بن أبي طالب بمكة يوم الفتح.
وأما مقيس بن صبابة فكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله لقتله أخاه خطأ فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي، وهو ابن عمه.
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما، واستؤمن للآخرى فأمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت إلى أن ماتت بعد ذلك بمدة، وكانتا تغنيان بهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما سارة فاستؤمن لها أيضا فأمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت إلى أن أطأها رجل فرسا بالأبطح فماتت.
واستتر رجلان من بني مخزوم عند أم هاني بنت أبي طالب فأمنتهما، فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانها لها وكان علي رضوان الله عليه قد أراد قتلهما، وقيل إنهما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية أخو أم سلمة، فأسلما وكانا من خيار المسلمين وطاف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة، ودعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن ما نعت أم عثمان دونه، ثم أسلمته فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، ومعه أسامة بن زيد، وبلال وعثمان بن طلحة، ولا أحد معه، وأغلقوا الأبواب، وتمواحينا، وصلىّ صلى الله عليه وسلم في داخلها، ثم خرج وخرجوا، وردّ المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأبقى له حجابة البيت فهي في ولده إلى وقت قريب، في ولد شيبة بن عثمان بن طلحة.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الصورة التي داخل الكعبة وخارجها، وتكسير الأصنام التي حول الكعبة وبمكة، وأذن له بلال على ظهر الكعبة، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح فأخبر أنه قد وضع ماثر الجاهلية حاشا سدنة البيت، وسقاية الحاج، وأخبر أن مكة لم يحل القتال فيها لأحد قبله، ولا لأحد من بعده، وأنها لم تحل لأحد غيره، ولم تحل له إلا ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس لا يسفك فيها دم.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأصنام وهي مشددة بالرصاص، فأشار إليه بقضيب كان في يده وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
فما أشار لصنم منها إلا خر على وجهه.
وتوقعت الأنصار أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأخبرهم أن المحيا محياهم، وأن الممات مماتهم.
ومر بفضالة بن عمير بن الملوح الليثي، وهو عازم على أن يفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أستغفر الله، ووضع يده على صدره، فكان فضالة يقول: والذي بعثه بالحق، ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إليّ منه.
وهرب صفوان بن أمية إلى اليمن فأتبعه عمير بن وهب الجمحي بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فرجع فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذره أربعة أشهر وكان ابن الزبعري السهمي الشاعر قد هرب إلى نجران، ثم رجع فأسلم، وهرب هبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هاني بنت أبي طالب إلى اليمن فمات كافرا هناك.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة، يدعو إلى الإسلام، ويأمرهم بقتال من قاتل، وفي جملتهم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فقتل منهم وأخذ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وبعث علياّ بمال لهم، فودّ لهم قتلاهم، وردّ إليهم ما أخذ منهم.
ثم بعث خالد بن الوليد إلى العزى، وكان بيتا بنخلة، تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر، وكان سدنته بنو شيبان، من سليم حلفاء بني هاشم فهدمه.
وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.