يا شبابَ أمتي
العناصر :
أولاً : الشباب أعظم ثروات الأمم :-
ثانياً : أهمية مرحلة الشباب :-
ثالثا : عناية الإسلام بالشباب :-
رابعاً : إرشادات وتوجيهات الإسلام الخاصة بالشباب :-
خامساً : عوامل تُسهم في بناء شخصيَّة الشاب المسلم :-
سادساً : نماذج و بطولات في التاريخ الإسلامي تفوق حدّ الخيال :-
سابعاً : نداء إلى شباب الأمة :-
الموضـــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله الحي الباقي ،،،،، الذي أضاء نوره الآفاق ،،،،،، ورزق المؤمنين حسن الأخلاق ،،،،،،،، وتجلت رحمته بهم إذا بلغت أرواحهم التَّرَاق .
نحمده تبارك وتعالى ونستعينه على الصعاب والمشاق ،،،،، ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشكِّ والشرك والشقاق ،،،
ونسأله السلامة من النفاق وسوء الأخلاق . .
وأشهد أن لا إله إلا الله القوي الرزاق ،،،،،،،، الحكم العدل يوم التلاق .
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المتمم لمكارم الأخلاق ،،،، لم يكن لعانًا ولا سبابًا ولا صخابًا في الأسواق .
خير من صلى وصام ولبَّى وركب البراق ،،،،، وأول الساجدين تحت العرش يوم يُكشَف عن ساق .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه ما تعقب العشي الإشراق ،،،،، وما دام القمر متنقلًا في منازله من التمام إلى المحاق .
أما بعد :
أولاً : الشباب أعظم ثروات الأمم :-
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :
( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ).
إخوة الإسلام
الشباب في كل أمة هم قلبها النابض ، ودمها المتدفق ، وعصب حياتها ، وسر نهضتها، وعنوان تقدمها، وأمل مستقبلها ، وبحر علمها الفياض ، فهم أصحاب الهمم العالية ، والنفوس الطاهرة الزكية ، وهم أعظم ثروة في الأمة ، فثروات الأمم ليست في الذهب الأبيض ، ولا في الذهب الأسود ، وإنما في الإنسان ، فهو أغلى من كل شيء ، وأعظم ما يكون الإنسان في مرحلة الشباب لأن مرحلة الشباب ، هي مرحلة القوة والعطاء .
والشباب هو الشئ الذي يتمناه الصغيرُ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ، فتراه يقول في مرحلة الشيخوخة :
فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً فأُخبرَه بما فعل المشيبُ
وكثير من أتباعه عليه الصلاة والسلام كانوا من الشبيبة والفتية ، أصحاب الهمم العلية ، والنفوس الزكية ، الذين زعزع الله بهم عروش كسرى وقيصر؛ فأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد :
ما كان أصحاب النبي محمد إلا شبابًا شامخي الأفكار
من يجعل الإيمان رائده يفز بكرامة الدنيا وعقبى الدار
فيه يقول الإمام أحمد بنُ حنبل: ’’ما شبّهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط ’’
فالشيوخ يمثلون الماضي ، والكهول ونحن منهم نمثل الحاضر، والشباب يمثلون المستقبل ، هذا أول تعريف لكم ، أنتم المستقبل وأنتم تنتمون أيها الشباب إلى خير أمة أخرجت للناس، تألقت تألقاً مذهلاً ، وحملت رسالة الإسلام إلى شتى بقاع الأرض ، ثم كبا الجواد ، وعليكم مقل الآمال .
فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه ، كان يمشي في المدينة ، فإذا أطفال صغار يلعبون ، فلما رأوه تهيبوه وتفرقوا إلا واحداً منهم لفت نظره ، فقال له : يا غلام لمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك ، والطريق يسعني ويسعك !!!! .
و هذا نموذج آخر: دخل وفد على الخليفة عبد الملك بن مروان ،- أحد خلفاء بني أمية – وتقدم هذا الوفد غلام ، فغضب الخليفة من حاجبه الذي سمح لهذا الغلام بالدخول إلى مجلسه ، فقال له : ما شاء أحد أن يدخل عليّ إلا دخل حتى الصبيان ، فتقدم هذا الغلام يخاطب خليفة المسلمين ، وكان يحكم ثلثي الأرض ، فقال: أيها الأمير إن دخولي عليك لن ينقص من قدرك ، ولكنه شرفني ، أصابتنا سنة أذابت الشحم ، وسنة أكلت اللحم ، وسنة دقت العظم ، ومعكم فضول مال ، فإن كان هذا المال لله فنحن عباده ، وإن كان هذا المال مالكم فتصدقوا به علينا ، وإن كان لنا فعلام تحبسوه عنا ؟ فقال الخليفة : والله ما ترك هذا الغلام لنا في واحدة عذراً !!!!.
ودخل وفد آخر على عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد الخامس، تقدمهم أيضا ًغلام ، فقال الخليفة: اجلس أيها الغلام ، وليقم من هو أكبر منك سناً ، فقال الغلام : أصلح الله الأمير، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً ، وقلباً حافظاً ، فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس !!!!.
فصاحة ، ومنطق ، وبيان ، وجرأة في قول الحق .
ثانياً : أهمية مرحلة الشباب :-
الشباب مرحلة عمرية يمر بها الإنسان ، تبدأ من سن البلوغ (أي حوالي سن الخامسة عشرة من العمر) وتنتهي تقريباً في سن الأربعين ، وهناك من يجعلها تنتهي قبل الأربعين ، وآخرون يوصلونها إلى الخمسين ، ولكن الراجح من هذا التحديد أن مرحلة الشباب تنتهي في سن الأربعين من العمر، لأن الإنسان في هذه السن يصل إلى حده في النمو. والأصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على أمرين: النماء ، والقوة . ونجد في القرآن الكريم أن سن الأربعين داخلة في هذا المعنى ، كما في قوله سبحانه وتعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} ، سورة الأحقاف، الآية 15.. وهذا معناه أن الإنسان (إذا بلغ أشده) أي قوي وشب (وبلغ أربعين سنة) أي تناهى .
وهذه المرحلة من العمر هي أهم المراحل لما تتميز به عن غيرها ، ومن ذلك ما يلي :
1- فترة القوة والإنتاج :
يمر الإنسان في مراحل حياته بمراحل تتفاوت قوة وضعفاً، فهو يخرج إلى الدنيا صغيراً ضعيفاً، لا يعلم شيئاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً ، فيقوى جسمه وتنمو حواسه ويزداد عقلاً وعلماً ، حتى يبلغ أشده
ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الطور في حياة الإنسان ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى : {والله أخرجكم من بطون إمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل الكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} ، سورة النحل، الآية 78. أي أن الله أخرج عباده من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي يدركون به الأصوات ، والأبصار التي بها يحسون المرئيات ، والأفئدة وهي العقول التي يميز بها بين الأشياء ضارها ونافعها ، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا ، كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده. وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه .
ولكن هذه الفترة من القوة التي تصاحب مرحلة الشباب لا تدوم ، فإن الإنسان يرد مرة أخرى إلى الضعف إذا تقدم به العمر، وإلى هذا أيضاً أشار القرآن الكريم، كما في قوله سبحان وتعالى : {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بد قوة ضعفاً وشيبة} ، سورة الروم، الآية 54 . أي أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم
ولما كانت هذه المرحلة تتصف بالقوة والنشاط والحيوية ، كانت تبعاً لهذا هي مرحلة البناء والإنتاج الذي تتطلبه الأمم وتقوم عليه الحضارات في كل زمان ومكان ، فإن المنخرطين في سلك العمل على اختلاف أنواعه معظمهم من هذه الفئة فئة الشباب
2- أفضل مراحل العمر :
تعود الأفضليه لهذه المرحلة من العمر لما يتمتع به الإنسان فيها من القوة والنشاط ، دون غيرها ، ولما يتوافر له فيها من كمال الحواس ، فهو في هذه المرحلة أقدر على الانتفاع بحواسه من أي مرحلة أخرى .
ومما يدل على كون هذه المرحلة هي أفضل مراحل العمر، هو أن الله سبحانه وتعالى عنما يجازي الناس يوم القيامة ، يجعل أهل الجنة شباباً لا يهرمون أبداً. وذلك من كمال السعادة ، كما أن راحة الحياة وبهجتها غالباً ما تكون في مرحلة الشباب ، فهي المرحلة يتطلع إليها الصغير، ويتمناها الكبير، ولذا فقد بكى عليها الشيوخ وتغنى بها الشعراء .
3- أطول مراحل العمر :
إن عمر الإنسان في الغالب بين الستين والسبعين سنة ، وبهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ((أعمار أمتي بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) ،أخرجه الترمذي في سننه، 5/553 ، وإن الوسط الحسابي لهذين العددين (60،70) هو 65 سنة. وإذا كان زمن سن الطفولة من الولادة حتى نهاية الرابعة عشرة ، وسن الشباب من بداية الخامسة عشرة إلى نهاية الأربعين ، وسن الكهولة من الحادية والأربعين حتى نهاية الخمسين . وسن الشيخوخة بعد ذلك إلى آخر العمر، نجد أن مرحلة الشباب هي أعلى نسبة في مراحل العمر، لذا فإنه يكون فيها أكثر تجارب الحياة والعمل والإنتاج .
4 - الشباب عماد الأمم وسر نهضتها :
الشباب في جميع الأطوار وفي أي قطر من الأقطار هم عماد حضارة الأمم ، وسر نهضتها ؛ لأنهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة ، سن البذل والعطاء ، سن التضحية والفداء. وغالباً ما يمثل الشباب النسبة العظمى من السكان في الدول النامية ، الأمر الذي يقتضي مزيداً من الاهتمام به ، والاستثمار فيه ، حيث يعتمد نمو خيرات هذه المجتمعات، وملاحقتها لمطالب التطور وتفوق هيكل عملها وجودته ، على مدى جدوى عنصر الشباب فيها ، ولهذا السبب نفسه نجد أنه سرعان ما ينهار أي مجتمع وتضيع قيمه إذا ما وهن شبابه ، وأغلقت دونه نوافذ العلم والخبرة ، بينما تتقدم المجتمعات الأخرى وتسبق غيرها معتمدة على فارق الزمن في إطلاق هذه الطاقات لأقصى ما تستطيع ، وكلما اغتنمت الدول طاقات شبابها في العلم والإنتاج وبناء الحضارة ، زاد إنتاجها وحققت أهدافها .
ثالثا : عناية الإسلام بالشباب :-
وإذا تأملنا القرآن والسنة وهما المصدران الأساسيان في التشريع للمسلمين، لوجدنا فيهما اهتماماً خاصاً بالشباب ، وبالثناء عليهم
* فعلى سبيل المثال نجد أن القرآن الكريم يحدثنا عن الشباب بأنهم هم الذين اتبعوا الرسل وصدقوهم وآمنوا بهم، فهؤلاء أتباع موسى (عليه السلام) يصفهم ربهم بقوله: { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملإهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} يونس 83 ، يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلام مع ما جاء به من البينات والحجج القاطعات ، والبراهين الساطعات ، إلا قليل من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب ، لأن من آمن فهو معرض للإيذاء من فرعون وأعوانه ، أما هؤلاء الشباب الأقوياء فقد وطنوا أنفسهم على تحمل المتاعب والمشاق في هذا السبيل ، وهم يعلمون أن ما أصابهم في سبيل الله سبحانه وتعالى سوف يلاقون عليه أحسن الجزاء .
كما أن القرآن الكريم قد أثنى على فئة من الشباب الذين آمنوا بالله سبحانه وتعالى وكافأهم على ذلك بزيادة الهدى حين قال سبحانه وتعالى : {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} ، سورة الكهف، الآية 13 . والفتية في اللغة العربية هم الشباب. وهؤلاء الشباب لهم قصة عجيبة ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه ، وذكر فيها من الشيء المعجز مالم يحدث لغيرهم .
* كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اهتم بالشباب اهتماماً خاصاً، ولا عجب بذلك إذا علمنا أن الذين آمنوا معه في بداية الدعوة كلهم من الشباب ، فأيدوه ونصروه ونشروا دعوته ، وتحملوا في سبيل ذلك المشاق ، طلباً لما عند الله سبحانه وتعالى .
ومن الاهتمام بعنصر الشباب نجد ما يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكانة الشباب الذي ينشأ على طاعة الله سبحانه وتعالى، فهذا الصنف من الشباب لهم مكانة عالية عند الله سبحانه وتعالى حيث ينجيهم من الضيق والكرب الذي يلحق الناس يوم القيامة فيظلهم الله سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في طاعة الله سبحانه وتعالى .
أضف إلى ذلك ما كان يقابلهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من السرور وطلاقة الوجه – وهوسيد البشر- كما يروي ذلك الشاب جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي...)) ، أخرجه البخاري، الجامع الصحيح 3/48 . ]
وأيضا ، أتباع رسول الله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) جلهم من الشباب ، فقد آمن به أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) وكان عمره نحواً من ثمان وثلاثين سنة ، وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أسلم ولم يبلغ الثلاثين من عمره، وكذلك الامام علي ، وعبد الله بن مسعود، وسعيد بن زيد ، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم ، وخباب، وعشرات غيرهم ، بل مئات كانوا شباباً .
ففئة الشباب على مدار التاريخ ، وفي جميع الأطوار والأقطار، وعلى اختلاف الدعوات ، هم أكثر الناس تأثراً ، وأسرعهم استجابة ، بخلاف الشيوخ الذين في الغالب يتمسكون بمعتقداتهم القديمة ،والمتوارثة عن الأجداد ، ويؤثرون موروثاتهم ، ولو تبين لهم الحق فيما يدعون إليه .
رابعاً : إرشادات وتوجيهات الإسلام الخاصة بالشباب :-
مما سبق علمنا أهمية هذه المرحلة من العمر، لذا عني الإسلام بهذه المرحلة من العمر عناية خاصة ، ووجهها للبناء والخير، وجنبها الهدم الشر. فهو يهدف إلى جعل هذه المرحلة من العمر (مرحلة الشباب) مرحلة خير على مستوى الفرد والجماعة . و لقد وضع الإسلام الأسسَ والقواعد التي مِن شأنها أن تربِّي الشباب ، وتقوِّم أخلاقهم ، وتهذِّب نفوسهم ، من أجل أن يكونوا أداةً صالحة في خِدمة دينهم ومجتمعِهم، ومن تِلك الأسس التي وضعَها الإسلامُ وركَّز عليها :
1- التربية الحقَّة على معاني العقيدة الصَّحيحة والتوحيد الخالص :
مثل الإيمان بالله واليوم الآخر، واتِّباع خيرِ الهَدي ، ومحبَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ظاهرًا وباطنًا، والسبب أنَّ الإيمان واليقين الجازِم بالعقيدة ومعانيها وأصولها يثمِر سائرَ الأخلاق الحسنَة ، والفضائل السامِية ؛ كالصدق والوفاء والشجاعة ، وإيثار محابِّ الله على مَحابِّ النَّفس ، والحلم والصبر، والإنفاق والتواضع، وقد مدح اللهُ المؤمنين الذين بذلوا أرواحَهم رخيصةً في سبيله ولم يبدلوا، بل ثَبتوا على الحقِّ ووطَّنوا أنفسَهم على التمسُّك به: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]
وقد سأل هرقلُ أبا سفيان: "هل يرتدُّ أحدٌ مِنهم عن دينه بعد أن يدخُل فيه؛ سخطةً له؟ فقال: لا، فقال هرقل: وكذلك الإيمانُ إذا خالَط بشاشة القُلُوب ’’
2- الفهم العميق بخصائص هذه المرحلة :
نجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن ضبط حماسهم وتوجيههم إلى ما يتناسب وطبيعة أعمارهم . ويدل على ذلك قصة الشباب الثلاثة الذي أبدوا حماساً في العبادة ، كما يروي ذلك أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي (صلى الله عليه وسلم) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) ، أخرجه البخاري، الجامع الصحيح 3/354.. كل ذلك شفقة من الرسول صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الشباب الذين عزموا على ترك بعض ما أحل الله لهم والاجتهاد في طاعة الله سبحانه وتعالى
وفي هذا الإطار نفسه نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفق على الشاب عبدالله بن عمرو بن العاص عندما أخذه حماس الشباب في قرائة القرآن كاملاً كل ليلة، فلما علم بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال له مشفقاً عليه: ((إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمل فاقرأه في شهر فقلت دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال فاقرأه في عشرة قلت دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال فاقرأه في سبع قلت دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى)) ، أخرجه ابن ماجة 1/428 .
3- إكتشاف قدراتهم مواهبهم وتوجيهها لخدمة الإسلام :
إنَّ رسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلم حرَص على الاهتمام بالشَّباب ورِعايتهم، واكتشاف مواهبهم وتوجيهِها في خِدمة الإسلام والمسلمين، وليس أدل على ذلك من الأحاديث النبويَّة الشريفة؛ جاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سبعةٌ يُظلُّهم اللهُ في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله عزَّ وجل...))؛ فذكر مِن بينهم: ((شاب نَشأ)) وترعرَع (( في طاعة الله )) ، وتمسَّك بالفضائل والآداب الإسلاميَّة، وفطم نفسَه عن شهوات الدُّنيا وملذَّاتها، ومَنع هواه من اتِّباع النَّفس الأمَّارة بالسوء .
ومن أجل ذلك كان رسولنا الكريم عليه أفضل الصَّلاة وأتمُّ التسليم يحثُّ الشبابَ على توجيه طاقاتِهم في استثمار الوقت، واستغلال الفرَص فيما يَنفع ويفيد الأمَّة، وأن يكون طاقةً مفيدة، وشُعلةً نيِّرة، وفي الحديث عن ابن عباس - وهو من الفتيان الذين آتاهم الله العلمَ والفِقه في الدِّين - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِرجل وهو يعظه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحَّتك قبل سقمِك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلِك، وحياتك قبل موتك .
4- توجيههم لاغتنام الفرص :
كما أنه – صلى الله عليه وسلم – يدعو الشباب لاغتنام الفرص لتكوين شخصيتهم في شتى المجالات ، حيث يقول -عليه الصلاة والسلام - : ( اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ’’ )
كما ويبين - عليه الصلاة والسلام – أهمية هذه المرحلة وما يترتب عليها من تبعات ومحاسبة ومسؤولية أمام رب العالمين حيث يقول – صلى الله عليه وسلم – : ( لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ما عمل فيه ’’
5- صيانتهم من عواقب المعصية والشهوة :
لقد حرص نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على حفظهم من الوقوع في الذنوب والمعاصي ، فقال : ( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست له صبوة ) ( أي شذوذ وانحراف )
و نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب فئة الشباب ويوصيهم بوصية عظيمة في قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، حديث رقم : 5066.
ففي هذا التوجيه النبوي صيانة للشباب من فساد السلوك والوقوع في الإثم، الذي في الغالب يكون يسببه من الدافع الجنسي، فإن الشهوة الجنسية عند الشاب قوية، وبالتالي فإنها تدفعه إلى ارتكاب المحرمات. ويفيد الحديث أن من قدر على تكاليف الزواج فعليه بالمبادرة، حتى تهدأ نفسه وتسكن شهوته. ولكن من لم يستطع تكاليف الزواج فإن النبي صلى الله عليه وسلم وجهه توجيهاً آخر لحفظ نفسه من عواقب هذه الشهوة، فعليه بالصوم، فإن الصائم يمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وهذا مما يسبب له الإحساس بالجوع، والجوع يضعف الشهوة الجنسية عند الإنسان، وبهذا يسلم الإنسان من عواقبها السيئة .
وفي هذا الجانب وفي إطار حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الشباب وصيانتهم من عواقب هذه الشهوة نقف مع حوار دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد الشباب الذي جاء يستأذنه في الزنا جاهلاً بحكمه في الإسلام، وإليك الحوار .
قال الشاب: يا رسول الله ائذن لي بالزنا
فقال النبي: ادنه، فدنا منه قريبا، قال فجلس، قال أتحبه لأمك
قال: لا والله! جعلني الله فداءك
قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟
قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداءك
قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال أفتحبه لأختك؟
قال لا والله! جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أفتحبه لعمتك؟
قال: لا والله! جعلني الله فداءك
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟
قال: لا والله! جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم
قال: فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ’’ أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم : 21708
6- الوصية بالتقوى :
ومن الوصايا القيمة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم الشباب وصيته لأبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) ، أخرجه الترمذي في سنن، كتاب البر والصلة 4/355، وقال: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني في كتابه (صحيح سنن الترمذي) 2/191 .
وهذه الوصية نفسها أوصى بها الشاب معاذ بن جبل (رضي الله عنه) حيث قال: يا رسول الله! أوصني، قال: ((اتق الله حيثما كنت -أو أينما كنت- قال: زدني قال: أتبع السيئة الحسنة تمحها، قال: زدني، قال: خالق الناس بخلق حسن)) ، أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم 31554 ..
فالوصية (اتق الله حيثما كنت) توقظ في الشباب مراقبة الله سبحانه وتعالى، وخشيته، في كل زمان ومكان، فالشاب معرض أكثر من غيره للوقوع في المعصية، لقوة دافع الشهوة عنده، فإذا ضعفت نفسه وزلت به قدمه، فإنه يجد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمحو ذنبه ويريح قلبه .
7- الوصايا النافعة لهم :
ومن ذلك وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، 4/667 ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في كتابه .
فهذه وصية عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمه الغلام ابن عباس، وصية يتكفل الله سبحانه وتعالى لمن عمل بها أن يحفظه في أموره كلها، ومن جملتها أعز ما يملكه الإنسان إيمانه بربه، فيحفظه الله سبحانه وتعالى من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة. ويدخل في هذا الحفظ أيضاً حفظ الشاب في ماله وبدنه وأهله وكل أموره .
8- إظهار تقديرهم والاعتراف بحقوقهم ومكانتهم :
ومن عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب ما كان يعاملهم به من التقدير لحقوقهم والاعتراف بمكانتهم، ويدل على ذلك ما يرويه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده)) أخرجه البخاري ، الجامع الصحيح، كتاب الأشربة، حديث رقم 5620.. فلم يحتقر الرسول صلى الله عليه وسلم الغلام لصغر سنه بل اعترف له بحقه الذي شرعه له الإسلام لأنه عن يمين الرسول ، فاستشاره في تقديم الشراب إلى من هو أكبر منه، ومن له مكانة عند المسلمين، إلى أفضل هذه الأمة بعد نبيها وهو أبو بكر الصديق (رضي الله عنه). فآثر الغلام أن يشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب .
خامساً : عوامل تُسهم في بناء شخصيَّة الشاب المسلم :
هناك مجموعة من العوامل التي تُسهم في بناء شخصيَّة الشباب حاملي راية الإسلام، وأهم هذه العوامل :
1- أن يعرف الشاب الغاية التي من أجْلها خَلَق الله الإنسان:
وهذه الغاية هي العبادة المُطلقة لله تعالى ، والتي من معانيها إخلاص النيَّة لله في القول والعمل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبَراء لله ورسوله ، واتِّباع هدي النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قولاً وعملاً، ظاهرًا وباطنًا، في الأمر والنهي، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد .
2- أن يتصوَّر الشابُّ الأخطار التي تُحيط ببلاد الإسلام :
حيث لا يَغيب عن البال أنَّ من أعظم المُخَطَّطات اليهوديَّة في بلاد الإسلام في العصر الحديث، إقامة دولة يهوديَّة في بلاد الإسلام التي هي مَهْدُه وقلبُه النابض، وإشعاعه الهادي ، وإن أحلام اليهود وآمالهم لَم تكن قاصرة على إقامة دولتهم المزعومة في بقعة المسجد الأقصى وما حولها ، وإنما مُخططهم الرهيب ومؤامرتهم الكبرى ، تمتدُّ من النيل إلى الفرات ، بل من مُخططاتهم العدوانيَّة : الاستيلاء على المدينة المنورة والمسجد الحرام ، كما استَوْلوا على المسجد الأقصى ؛ لاعتقادهم الباطل أنَّ هذه البلاد هي بلاد آبائهم وأجدادهم من لَدُن إبراهيم – عليه السلام – إلى عصرنا هذا إلى يوم البعث والنشور .
3- أن يتفاءَل الشاب بالنصر، ويقطع من إحساسه دابر اليأس والقنوط :
صحيح أنَّ التآمُر على الإسلام وأهله بلَغ هذا الحد الكبير والمدى الواسع ، ولكن ينبغي على المسلمين ، وخاصة الشباب منهم ، ألاَّ يتملَّكهم القنوط في بناء العزَّة ، وألاَّ يَستحوذ عليهم اليأس في تحقيق النصر، وذلك لسببين :
الأوَّل: لأنَّ القرآن الكريم حرَّم اليأس وندَّد باليائسين ، فالآيات صريحة وواضحة في هذا الشأن ، ومنها ما يُشير إلى أنَّ اليأس قرينُ الكفر؛ قال تعالى : ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ ، يوسف: 87
ومنها ما يُشير إلى أنه قرينُ الضلال؛ لقوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56
ومن الآيات ما يُنَدِّد بالإنسان اليائس، وتهييجٌ لنفسه الحائرة وقلبه الهالع؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36].
فمن هذه الآيات القرآنية يَتبيَّن أنه لا يجوز اليأس في دين الله ؛ لأن اليأس قاتلٌ للرجال ، وهازم للأبطال ، ومدمِّر للشعوب ، فعلى المؤمن أن يَحْذر من وجهات النظر اليائسة التي تقول: انتهى كلُّ شيء، وعَجَزنا، الْزَمْ بيتك؛ فليس في الجهاد فائدة، أو نحن في آخر الزمان.
لذا وجَب على المسلمين أن يُقيموا حكم الله في ربوع الإسلام، وأن يُحَرِّروا الأرض المقدَّسة من بَراثن اليهود، وأن يَسعوا في تكوين وَحدتهم الكبرى، وإلاَّ فإنهم مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ ، وأمام الأجيال .
الثاني : لأن التاريخ قد برهَن على انتفاضات الأُمم المنكوبة في وجه أعدائها ؛ وذلك للأحداث التاريخية الآتية :
مَن كان يظن أن تقومَ للمسلمين قائمة لَمَّا استولى الصليبيون على كثيرٍ من البلاد الإسلامية والمسجد الأقصى ما يقارب مائة عام، حتى ظنَّ الكثير من الناس أنْ لا أملَ في انتصار المسلمين على الصليبيين، وأنْ لا رجاء في رَدِّ أرض فلسطين مع مسجدها الأقصى إلى حَوْزة المسلمين ، من كان يظنُّ أنَّ هذه البلاد ستُحَرَّر في يوم ما على يد البطل المغوار صلاح الدين في معركة حطين الحاسمة، ويُصبح للمسلمين من الكِيان والعظَمة والعِزَّة والسيادة ما شرَّف التاريخ.
إن التفاؤل بالنصر هو الذي يُعطيه قيمته ، وإنَّ القوة المعنوية في الأُمة هي التي تدفَع شبابها إلى تحقيق المزيد من الانتصارات الحاسمة في كلِّ زمان ومكان،
فما عليكم يا شباب الإسلام إلاَّ أن تَقطعوا من نفوسكم دابر اليأس والقنوط، وتُقبلوا على العمل ، والأخذ بأسباب النصر والعزة برُوح متفائلة وأمل بسَّام ، عسى الله أن يُحقِّق على أيديكم نصرَ الإسلام الأكبر ودولته العتيدة ، وما ذلك على الله بعزيز .
4- أن يتأسَّى الشاب بأصحاب القدوة في التاريخ :
وعلى رأس من يقتدى بهم سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم الذي سما كلَّ العبقريات البشرية ، والنُّضج الإنساني الكامل من لَدُن آدمَ عليه السلام ،إلى يوم البعث والنشور .
ثم الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – الذين تشرَّفوا بصُحبة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجوا في مدرسته الإيمانية والتربوية والجهاديَّة، واكتَسَبوا منه أفضل الأخلاق وأجْمَل الخِصال والصفات،
ثم السلف الصالح ، الذين فَهِموا منهجَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في جلاله وكماله ، ونهج صَحبه العِظام في سيرتهم وجهادهم فأعطوا للأجيال من بعدهم أسْمى قدوة وأفضل أُسوة، هؤلاء الذين هداهم الله، فبهُداهم يَقتدي المسلم، وبسيرتهم يقتدي الشباب .
إن الواجب عليكم أيها الشباب أن تتمسكوا بكتاب ربكم ،وسنة نبيكم –صلي الله عليه وسلم- ، فهما سبب العزة والكرامة ، وسبب الفلاح والنجاح كما قال صلي الله عليه وسلم : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي ، قيل : ومن يأبي يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبي )
وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : ( كنا أذلاء ، فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ) ، فلا عزة لنا إلا بالإسلام ، ولا وحدة لنا إلا بالقرآن .
شبابَ الجيل للإسلام عودوا فأنتم روحُه وبكم يسود
وأنتم سرُّ نهضته قديماً وأنتم فجرُهُ الزّاهي الجديد
عليكم بالعقيدة فهي درعٌ نصون به كراماتنا حديدُ
سادساً : نماذج و بطولات في التاريخ الإسلامي تفوق حدّ الخيال :
إن جيل الشباب من الصحابة الأجلاء- رضي الله عنهم أجمعين – قاموا بجهد كبير في خدمة الدعوة الإسلامية حيث برعوا في شتي المجالات .
1- ففي الناحية العلمية برع عدد كبير من الشباب ، أمثال: عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - الذي غار منه بعض كبار السن لأن عمر – رضي الله عنه – كان يجعله مع مشيخة الأمة في استشارته والأخذ برأيه ، وكذلك العبادلة الأربعة الذين ورثوا الدين كانوا شباباً ، وجاء من بعدهم أعلام وأئمة ملأوا طباق الأرض علما، منهم على سبيل المثال الإمام الشافعي –رحمه الله ، الذي وضع علم أصول الفقه ، الشافعي هذا ولد في مدينة غزة و مات في الخمسين من عمره ، متى صنع هذا الفقه ؟ في شبابه ، و هو الذي يقول عن نفسه : أنه ما كان عبداً لمال ، ولا لجاه ،ولا يُتبع نفسه شيئاً من هذا ، حيث يقول في ديوانه
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب وفيضـى آبار تكرور تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا وإذا مِتُّ لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا
هذا إمام من أئمة الفقه الإسلامي .... هذا شاب من علماء المسلمين ، كم الأمة اليوم بحاجة إلي علماء أفذاذ في شتى المجالات ، ليبصروا الناس بدينهم ،ويرشدوهم إلي الصراط المستقيم .
2- وفي الناحية العسكرية أيضا ، برع عدد كبير من الصحابة الشباب – رضي الله عنهم أجمعين – أمثال : على بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ،وعبد الله بن رواحة،وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وخالد بن الوليد –سيف الله المسلول-الذي دوَّخ الروم ،وعمرو بن العاص الذي فتح مصر ، وسعد بن أبي وقاص قائد القادسية ، هؤلاء الأبطال الذين انتصروا على القياصرة في اليرموك ، وعلى الأكاسرة في القادسية ،ونشروا الإسلام في ربوع العالم .
أيها الأخوة ، في تاريخكم الإسلامي والعربي بطولات تفوق حدّ الخيال .
من منكم يصدق أن جيشاً فيه سيدنا الصديق ، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، قائده أسامة بن زيد لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً، كان يركب الناقة، ويمشي الخليفة الصديق مشياً، قال: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن، قال: والله لا نزلت ولا ركبت، وما عليّ أن تغبر قدمي ساعة في سبيل الله ، شاب في السابعة عشرة من عمره يقود جيشاً فيه عمر، وفيه عثمان، وفيه علي، وفيه شيوخ الصحابة، هكذا كان تاريخنا ، تاريخ البطولات..
أنتم تنتمون إلى خير أمة أخرجت للناس لكنها كبت، هذه الأمة كبت وتحتاج إلى سواعدكم ، وإلى علمكم ، وإلى إخلاصكم ، وإلى ولائكم، وإلى انتمائكم، فلذلك كان أسامة بن زيد هذا الشاب الصغير قائداً للجيش ، في الإسلام الصغير بطل ، والغلام بطل ، والشاب بطل ، والشيخ بطل ، وكل من انتمى إلى هذا الدين وشرفه الله بخدمته .
3- وهذا شاب صغير استشهد أبوه في معركة أحد ، تزوجت أمه ثرياً من أثرياء الأوس ، وكان عمه - زوج أمه - من أثرياء يثرب ، أغدق عليه إكراماً ما بعده إكرام، أحبه حباً شديداً، وتعلق هذا الغلام أيضاً بزوج أمه ، وفي معركة من المعارك ، استعد الصحابة لها أشدّ الاستعداد ، ولم يجد من عمه ما يدعوه إلى أن يستعد ، ذكره بفعل سيدنا عثمان ، وفعل سيدنا عبد الرحمن بن عوف ، وفعل الصحابة الأغنياء الذين بذلوا كل ما يملكون ، وعمه قاعد لا يتحرك ، استحثه وذكره ببذلهم وتضحيتهم وبعطائهم ، فقال كلمة !!!! ، قال: والله لو أن محمداً صادقاً فيما يقول لكنا شراً من الحمر، هذه كلمة الكفر، قال: يا عماه والله ما كان على وجه الأرض من أحد بعد رسول الله أحبّ إليّ منك والآن - طفل صغير جداً - قلت كلمة الكفر، إني إن ذكرتها للناس فضحتُك، وإن سكت عنها خنت الله ورسوله ، فأنا ذاهب إلى رسول الله لأنقل له ما قلت فتدبر أمرك ، إنها قضية أمانة ، وأنت محسوب صحابي ، ومحسوب من أولياء رسول الله تقول هذا الكلام؟! فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وحدثه بما قاله عمه ، فاستدعاه النبي وقال: ما الذي قلته ؟ قال : والله ما قلت شيئاً إنه يكذب ، فلما اتهمه بالكذب وهذا الطفل بريء وصادق ذاب من شدة الخجل ، فقال : يا رب أنزل على نبيك وحياً يصدقني ، ما هي إلا هنيهة حتى جاء الوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، غشيه الوحي وتصبب عرقاً ، بعد أن انتهى الوحي جاءت الآية الكريمة : ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ ، سورة التوبة : 47]
قال : بل أتوب يا رسول الله، لقد قلت هذا، وصدق الغلام فاغفر لي ذلك، فأمسك الرسول عليه الصلاة والسلام أذن الغلام مداعباً وقال: يا غلام صدقك الله من فوق سبع سموات، وكانت توبة هذا العم الثري على يد هذا الغلام، الشيء الغريب أنه أكرمه إكراماً ما بعده إكرام، بسبب أن هدايته وتوبته كانت على يديه .
سابعاً : نداء إلى شباب الأمة :-
يا شبابَ أمتي :
إن القيادة والسيادة ، تتطلَّب تضحياتٍ جِسامًا، وتستدعي أعمالاً عِظامًا، ولم تبلْغها أمتُنا في ماضي أيامها إلاَّ بتقديم تلك التضحيات ، وتحقيق تلك الأعمال ؛ فلقد تسابق شبابها الممتلىء حماسًا لدينه وعقيدته إلى ميادين الشرف والجهاد، وكلٌّ منهم يريد أن يفوز بقصب السبق في هذا المضمار .
سلوا التاريخ : مَن اللَّذان انقضَّا كالصقرين على عدوِّ الله أبى جهل في غزوة بدر الكبرى فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه؟ يُجبكم التاريخ: إنهما ابنا عفراء: عوف بن الحارث الخزرجي الأنصاري، ومعوذ بن الحارث الخزرجي الأنصاري من شباب الصدر الأول .
وسلوا التاريخ عن فاتح السند؟ يجبكم: إنه محمدُ بنُ القاسم الثَّقفيّ، من شباب هذه الأمة الأماجد .
وسلوا التاريخ - مرة أخرى - عن فاتح القسطنطينية ومدوخ الروم بعد أن كاد المسلمون ييأسون من فتحها ؟ يجبكم: إنه ذلك الفتى البطل الشجاع، الذي أصبح "الفتح" له لقبًا حتى لا يكاد يعرف إلاَّ بـ"محمد الفاتح
وهكذا لو مضينا نسأل التاريخ ، ونستنطقه عن بطولات شباب الإسلام في الماضي ، لأجابَنا بالكثير الكثيرعنهم ، فلْيصَلْ شباب الإسلام اليوم ما انقطع من سلسلة تلك البطولة الخارقة ، فما أحوج المسلمين في كل مكان إلى نصر شباب الإسلام وعونهم ومساندتهم! بل ما أشبه الليلةَ بالبارحة! فها هي أمم الكفر مجتمعةً تَكيد للإسلام وأهلِه، وتذيق الملايين منهم صنوف العذاب وتَسُومُهم الخسف ليلَ نهار .
إن من أوجب الواجبات أن يصنع الشبابُ المسلم اليومَ نفسَه صناعةً جديدةً ، وأن يصوغ حياتَه صياغةً مُثْلَى ، تقوم على الفهم الكامل لدوره المتميز في هذه الحياة، وعلى الوعي التام بمقتضيات هذا الفهم، وعلى الإدراك الواضح للرسالة التي يتحمَّل أمانة أدائها، رسالة نشر هذا الدين وإبلاغه إلى كل ذي أذن .
إن شبابنا المسلم المعاصر، مطالبٌ بأنْ يُكِبَّ على كتاب ربِّه وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعلُّمًا وتعليمًا وفهمًا وتطبيقًا، وأن يُثقِّف نفسَه مع ذلك بما يجعله أهلاً لفهم ما يدور حوله ، وإدراك ما يراد له ، أَجَل نريد جيلاً قارئًا مدركًا لما حوله يَلتهِم الثقافة التهامًا ، ويسعى إليها حثيثًا، ويُضيف إلى ثقافته كلَّ يوم جديدًا، ويعمل على تنويع مصادر ثقافته وقراءاته كعمله على تنويع مصادر دخله ، بل أكثر؛ فالثقافة والعلم والأدب هي حِلْيةُ الشباب الحقيقية وزينتهم الباقية ما بقوا .
إن الثقافة - بمفهومها الواسع الذي يدخل فيه أول ما يدخل العلم - هي مقياس تقدُّم الأمم الحقيقيِّ ، والسعي في مضاميرها هو السعي الأنجح والأربح ، والشباب هم عُدَّة المستقبل ، وعماد الأمة؛ فلا بُدَّ من تسلُّحِهم بالعلم والأدب والثقافة ؛ لأنهم المُمْسكون بالزمام في قادم الأيام؛ فيجب أن يكونوا على مستوى القيادة والريادة، علمًا وأدبًا، وثقافةً ووعيًا .
وإن من أشدِّ الظواهر إيلامًا ظاهرةَ ضعف إقبال شبابنا على القراءة ، حتى لقد أصبحت تلك الظاهرة السيئة مشكلةً قائمة في كثير من الأوساط الشبابية - وخاصة في الوسط الرياضي - وهي مشكلةٌ لها آثارُها الواضحة نقصًا في الثقافة ، وضحالةً في الفكر، وانعدامًا في الوزن .
ولذلك؛ وقفتْ عجلةُ الثقافة حيثُ هي دون أن تتقدم ؛ لأن الشباب - في معظمهم - مُحْجِمون عن دفع تلك العجلة إلى الأمام .
بل إن من الشباب لصِنْفًا لا يعتني بالوقت ، ولا يحافظُ عليه ، ولا يكتَرِثُ لضياعه سدى ، إن المرء ليبلغُ به التأثر مبلَغَه ، وهو يرى بعضَ شباب أمَّته الإسلامية العظيمة غارقًا فيما يضرُّ ولا ينفع، لا يهتم بوقته ، ولا يحافظ عليه ، ولا يستثمره الاستثمار الأمثل، وما عَلِم أولئك الشباب المفرطون أن الوقت هو إكسير الحياة ، وأن العمر إنما هو هذه الأيام والليالي ، ومن ثَمَّ هذه الأسابيع والشهور التي تتكون منها الأعوام .
فليس من المستساغ ولا المقبول أبدًا أن يَنحَرَ بعضُ الشباب وقتَه على مذبح اللامبالاة ، وليس معقولاً أن يهدر الشباب أعظمَ ثروة يملكها ، وهي عمره وحياته فيُبدِّدُها بلا أدنى اكتراث ويضيعها في غير ما فائدة .
ولست متجنيًا على بعض الشباب ، حين أؤكد هذه الحقيقة ، فكلُّنا قد سمع من أولئك البعض الذين أعنيهم مقولةَ : (تعال يا أخي نضيع الوقت) ، يقولها بعضهم لصديقه هكذا بعفوية ، وبلا تفكير، وكأنه يقول كلامًا عاديًّا لا يُلامُ ولا يؤاخذ عليه ، مع أنه في حقيقة الأمر يقول كلامًا خطيراً يجب أن يحاسب عليه، وأن يفهم أن معنى إضاعة الوقت قتل الحياة وإبقاء مضيع الوقت نفسه في مكانها دون تقدُّم، وبالتالي إبقاء الأمة من ورائه في مكانها متخلفة جاهلة لا قيمة لها ولا كيان
بل ظهر جيل من الشباب مترفٌ عابثٌ ساهٍ لاه تائه، لم يَفلَح في دين ولا دنيا، يُضيع أوقاته ويقتُلها في سفاهات الأمور والشهوات والملذات المحرمة ، شباب لا يهتمون بعظائم الأمور وأهمها، يحبون الراحة والكسل ، ويسعون للحصول على الشهوات بأي أسلوب ، حتى أصبحت الشهوات هدفهم في الحياة، فهم إن تعلموا فللشهوات ، وإن جمعوا المال فللشهوات ، وإن تبوؤا أسمى المراكز فللشهوات ، إنهم يجودون بكل شيء للوصول إلى الشهوات
شباب طاشت عقولهم وساءت أخلاقهم فصارت الفوضى وإيذاء المارة مُتعة يتنادون لها ويجتمعون من أجلها
شباب هِمته وهمه وحُلمه تتبع بنات المسلمين والعبث بأجسادهن
شباب همته ورجولته في سروال ممزق، أو في سيجارة أو أي نوع من الحبوب والمخدرات
شباب همته الملاهي والمقاهي والنوادي الليلية والمعاكسات الهاتفية ، جيلَ الضياع والميوعة ، جيل الميوعة في الكلام والتكسر في المشية ، جيلَ الغناء والطرب والرقصات الهستيرية والأفلام الإباحية ، جيلَ الأندية والتشجيع ، جيلَ التفريط والتضييع، جيلَ الخروج عن القيم والصد عن سبيل الله والسخرية من الفضلاء
يجب أن يفهم أولئك البعض من شبابنا ، ممن لا يدركون أهمية الوقت ، ولا يعرفون قيمته ، ولا قيمة أنفسهم ، أنهم بصنيعهم ذاك إنما يُسيئُون إلى أنفسهم قبل كلِّ شيء، ثم إلى أمَّتهم التي كانت تؤمِّل منهم أن يكونوا نجومًا زاهرةً في سماء المجد، كما فعل أسلافُهم الذين مضوا بأجسادهم ، وبقيت آثارهم العظيمة خالدةً على مرِّ الأيام قد سطَّرها التاريخ بمدادٍ من ذهب ، تحكي للأجيال عظمةَ أولئك الشباب وعظمة ذلك الدين الذي ربَّاهم وصنعهم .
كما أن هذه المدنية التي نشاهدها ونعيشها اليوم هي نتاج سواعد شبابٍ أدرك قيمةَ الوقت ، فاستثمره فيما يعود عليه وعلى أمَّته بالربح الوفير والتقدم الكبير
إنها مخترعات لم يحقِّقْها إلا الجدُّ والعمل الدؤوب ، واقتناص الفرص واستثمار الأوقات ، فسلوا الأمم المعاصرة - من أمريكان وروس ، وألمان ويابانيين ، وغيرهم كثير: ما سبب تقدُّمها العلميّ والصناعيِّ ؟ تجبكم جميعًا: بأن سبب ذلك شباب لا يبارح المعامل والمختبرات ، يجود بوقته على أمته في عملٍ شِبْه متواصل ؛ ليُحقِّقَ لها - عن طريق ذلك العمل - الرفعةَ والسمعة الحسنة، والسبق والأفضلية في مَيدان السباق التقني العالمي، في عالم لاهث راكض لا يعترف بالنائمين أو المضيعين للأوقات
أقول لشبابنا - هنا في بلادنا وفي بلاد العرب بل في كل أرض إسلامية : كونوا شبابًا عاملاً جادًّا ، مثقفًا واعيًا مدركًا لدوره العظيم في هذه الحياة ، واقتدوا بالشباب الجادِّ العامل المثابر من شباب أمتكم أولاً ، ومن شباب غير أمتكم ثانيًا
إننا أمةٌ ذاتُ تاريخ حافل، وحضارة عريقة ، وأمجاد زاهية ، لسنا بحاجة إلى أن نستشهد بما يصنعه شبابُ الغرب أو الشرق ؛ إذ إن لنا في ما صنعه سلفُ شباب الإسلام شيءٌ كبير؛ فقد فتحوا الفتوح ، وقادوا الجيوش، ومصَّروا الأمصار، وساهموا في نشر دين الله في الأرض، فكانوا هداةً منقذين للبشرية، وأعظِمْ بذلك من دور يقوم به شباب في عمر الزهور، وما أروعَها من تضحية حين يقدم الواحد منهم نفسه في سبيل الله .
إن شباب أمة الإسلام يختلف عن شباب أيِّ أمة أخرى ، فهو شباب الأمة المستخلَفة الشهيدة على الأمم المنقذة لها ؛ فواجبه أكبر، والعبء عليه أثقل ، ومسؤوليته أعظم ؛ فيجب عليه أن يكون على مستوى تلك المسؤولية ، وأن يكون جديرًا بتلك الأمانة العظيمة التي تحمَّلها ، فيطرح الكسل ، وينفض عنه الغبار، ولا يعمد لإضاعة الوقت ، وأن يستشعر مسؤوليته تُجاه غيره من الأمم والشعوب، فلا وقت للعبث ، ولا مجال للتراخي ، والأمر لا يقبل التردد، وهو قدر هذه الأمة أن تكون القائدة الرائدة .
نسأل الله أن يحفظ شبابنا ، وأمتنا من كل سوء ، وأن يأخذ بأيديهم وأيدينا لما يحبه ويرضاه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق