كيف تفوز بيوم عرفة.
الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان، والمنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونصر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه ببدر وسماه يوم الفرقان واعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان أما بعد
يوم عرفة أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة
قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) [ سورة المائدة:5]. قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
وهو يوم الميثاق الذي أخذ على كافة بني البشر
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : “إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان يعني عرفة – وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} “الأعراف: 172، 173” “رواه أحمد وصححه الألباني”.
يوم العتق الأعظم
كثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم في الصحيح.
يوم المباهاة
مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) رواه أحمد وصحح إسناده الألباني .
كيف تفوز بيوم عرفة.
الجواب بحول الملك الوهاب
يوم عرفة يوم التوبة: لأنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار
: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [النساء:17-18]، التوبة التوبة يا عباد الله! { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31].
عن سلمة بن نفيل قال: جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة) إلا أتاها فهل له من توبة؟ , قال: ” فهل أسلمت؟ ” , قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله , قال: ” نعم، تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ” , قال: وغدراتي وفجراتي ؟ , قال: ” نعم ” , قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى
وقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] التحريم: 8.
باب عظيم من أبواب الرحمة الإلهية، ومن أبواب العفو الرباني وهذه أبوابه مشرعة مفتوحة فأين المقبلون؟ وأين التائبون؟ وأين المستغفرون؟ وأين النادمون؟ وأين المتضرعون؟ وأين الباكون؟
ضجت خدودي من لظى عبرات ** لمـا وقفت عـلي ثري عرفات
وتيبست شــــفتي وتــــاهــت ** أحرفي وجلاً وكادت تنطفي كلمات –
لمـــــــا ذكرت الموت في أهـواله ** وذكرت هول النزع والسكرات
وذكرت بالجمع الغفير مواقفا ** أخرى بيوم الحشر والحسراتي
ورفعت كفي والدموع كأنها ** سيل تدفق من ذرى الثرواتي
ومضي لهيب الخوف يحرق مهجتي ** والنفس تبكي سالف الغدرات
يا رب تبت إليك فقبل توبتي ** وجعل مكان السيء الحسنات
فسمعت من عمق الضمير منادياً ** دع ما مضي وقضي وقم للآتي
واعلم بأن الله أرحم راحم ** وسيدفع الأحادي بالعشراتي
ثانيا صوم يوم عرفة:
فمن طمع في العتق من النار، ورجا مغفرة ذنوبه، وإقالة عثراته، والتجاوز عن سيئاته في يوم عرفة، فليحرص على الإتيان بالأسباب التي يرجى بها بعد فضل الله ورحمته العتق من النار، وأعظم الأسباب صيام ذاك اليوم لغير الحجاج، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ،
أخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم -، قالت: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر”
فأي فضل أعظم من هذا الفضل ؟
وأي ثواب أجل من هذا الثواب ؟
أي جود وأي كرم هذا؟
إنه عطاء الكريم سبحانه وتعالى ..
ثالثا: احفظ سمعك وبصرك ولسانك:
أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» .
رابعا: الإكثار من ذكر العزيز الغفار
الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق ودعاء الله بها، فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله في ذلك اليوم، والدعاء فيه له مزية على غيره، فقد روى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير » .
روى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه قال: (ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الجن والأنس)
خامسا: البذل والعطاء رجاء رحمة رب الأرض والسماء
ومن الأسباب أيضا الصدقة والإنفاق في سبيل الله، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة » ،
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء »
سادسا: إذا لم تستطع أن تقوم بعرفة فادي حق الله الذي عرفته
اعلم علمني الله وإياك: أن العبد إذا لم يستطع أن يأتي عرفة ذلك اليوم المشهود الذي يباهي الله ملائكته بعباده الذين جاءوا من كل فجٍ عميق جاءوا شعثاً غبراً فيغفر لهم الخطايا
ويمح عنهم الآثام والأوزار فعليه أن يقوم لله بحقه الذي عرفه،
أتعرف ربك عبد الله حتى تقوم بحقه؟
قال بديل التابعي رحمه الله – من عرف الله أحبه ومن أحبه ترك الدنيا وزهد فيها والمؤمن لا يلهوا حتى يغفل وإن تفكر حزن
وقال عتبة الغلام: رحمه الله – من عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ومن أكرمه أسكنه في جواره ومن أسكنه في جواره فطوباه وطوباه وطوباه “
وقيل: من عرف الله تعالى صفا له العيش فطابت له الحياة وهابه كل شيء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله “
وقيل: ومن عرف الله قرت عينه بالله وقرت عينه بالموت وقرت به كل عين، ومن لم يعرف الله تقطع قلبه على الدنيا حسرات
ومن عرف الله لم يبق له رغبه فيما سواه ومن ادعى معرفة الله وهو راغبٌ في غيره كذبت رغبته معرفته – ومن عرف الله أحبه على قدر معرفته به وخافه ورجاه وتوكل عليه وأناب إليه ولهج بذكره واشتاق إلى لقائه واستحيا منه وأجله وعظمه”
فإذا لم تستطع القيام بعرفه فقم لله بحقه الذي عرفته وأعظم تلك الحقوق عبادته سبحانه وتعالى يقول جل جلاله ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون “
وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم – على حمار فقال لي: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ فقلت الله ورسوله أعلم قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً قلت يا رسول الله 0 أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا ” أخرجه البخاري ومسلم
يقول بن القيم رحمه الله –
حق الإله عباده بالأمر لا بهوى النفوس فذاك للشيطان
من غير إشراك به شيئاً هما سبب النجاة فحبذ السببان
لم ينج من غضب الإله وناره إلا الذي قامت به الأصلان
والناس بعد فمشرك بإلهه أو ذو ابتداع أو له الوصفان
فالصلاة حق الله فهل أقمتها في جماعه والزكاة حق الله فهل أخرجتها لأصحابها؟ والصوم والصدقة والنصيحة وصلة الرحم حق الله فهل أديت حق الله؟
أحوال السلف في يوم عرفة
أما أحوال السلف -رضي الله تعالى عنهم -في يوم عرفة فهم بحسب مراتبهم، فمنهم من كان يغلب عليه الحياء أو الخوف من الله ﻷ في ذلك اليوم.
* كان حكيم بن حزام رضي الله عنه يقف بعرفة ومعه مائة بدنة مقلدة، ومائة رقبة – أي من العبيد الأرقاء – فيعتق رقيقه، فيضج الناس بالبكاء والدعاء، ويقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا من النار.
* وقال ابن المبارك: (جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم) ،
* وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى الناس وتسبيحهم وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا يعني سدس درهم أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق
* فهذا مُطرف بن عبد الله بن الشخير – رحمه الله – وهو من علماء التابعين ومن عُبادهم، وقف في عرفة مع بكر المُزَني فقال أحدهم: “اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي”
وقال الآخر: “ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيه”.
* قال الفضيل لشعيب بن حرب بالموسم: إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شر مني ومنك، فبئس ما ظننت!
* قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: مَنْ أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
وخطب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – بعرفة، فقال: “إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأضنيتم الظهر – أي: أتعبتم رواحلكم – وأخلقتم الثياب – أي: أبليتم ثيابكم – وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غُفر له”.
* ودعا بعض السلف بعرفة فقال: “اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركِكَ القبول مني”.
* وكان بعض السلف يأخذ بلحيته في يوم عرفة ويقول: “يا رب قد كَبُرت فأعتقني”، وشوهد بعرفة وهو يقول:
سبحان من لو سجدنا بالعيون له ** على حِمَى الشوك والمُحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معشار نعمته *** ولا العشير، ولا عشرًا من العشر
هو الرفيع فلا الأبصار تدركه ** *سبحانه من مليكٍ نافذ القدر
سبحان من هو أُنسي إذ خلوتُ به ***في جوفِ ليلي وفي الظلماء والسحر
العبد بين حالين :
إذا ظهر لك حال السلف الصالح في هذا اليوم، فاعلم أنه يجب أن يكون حالك بين خوف صادق ورجاء محمود كما كان حالهم.
والخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود : هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة218
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق