" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ
عناصر الخطبة
1- المقدمة
2- اهمية الماء في القرآن الكريم .
3- أهمية الماء في السنة النبوية .
4- نهي النبي عن الإسراف في الغسل
5- نهي النبي عن الإسراف في الوضوء.
6- قصة ابن السماك مع هارون الرشيد
7- القرآن يدعو للحفاظ على الماء
8- القرآن يدعو للمحافظة على الماء .
9- السنة النبوية تدعو الي المحافظة على الماء .
10- الخاتمه .
نعمة الماء وضرورة المحافظة عليها وترشيد استخدامها
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما بعد
قال الله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)
قال تعالى: «وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء» وقال تعالى «وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا» أي جعل مياهه صالحة لحياة الأحياء البحرية التي يتغذى عليها الإنسان.
وقال عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا)
وقد وردت كلمة الماء في القرآن 63 مرة وغالباً ورودها بمعنى النعمة, ولما للماء من أهمية بالغة فقد نبه الله سبحانه وتعالى إلى معرفة هذه النعمة وتأدية شكرها .
قال تعالى: ( أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون) "الواقعة: 68-70" .
قال تعالى : ( أرأيتم إن أصبح مائكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) "الملك :30"
لقد حث الإسلام على القصد والاعتدال في جميع الأمور وظهر ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة, كما نهى عن الإسراف بجميع أشكاله.
قال تعالى : (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) "الأعراف: 31". ويكفي من ذم المسرفين أن الله تعالى لا يحبهم.
نهي النبي عن الإسراف في الغسل
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من دعا الناس إلى عدم الإسراف في الماء حيث قال: [ كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة] رواه النسائي وابن ماجة .
وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة, وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم الأسوة الحسنى والقدوة المثلى في مجال المحافظة على الماء من الضياع هدرا. فقد أخرج مسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه: «كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد.
والرسول صلى اللّه عليه وسلم أول من دعا الناس إلى عدم الإسراف في استهلاك الماء، فقال: «كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة»
نهي النبي عن الإسراف في الوضوء
بل إنه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الإسراف في استخدام الماء في أغراض الوضوء أو الاغتسال، فقد روى عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص، وهو يتوضأ، فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وان كنت على نهر جار.
والإسلام يربي في نفوس أهله كراهية الإسراف في كل شيء بل يبلغ الأمر إلى وصف الإسراف بالطغيان وربط ذلك بغضب الله تعالى في قوله عز وجل: «كُلُوا مِن طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُم وَلاَ تَطْغَوا فِيهِ فَيَحِل عَلَيْكُم غَضَبِي وَمَن يَحْلِل عَلَيْه غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» طه 81، ويقول سبحانه «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً» الفرقان:67.
وعدم الإسراف يمكن أن يكون منهج حياة لكل إنسان يود أن يعيش بدون مشاكل صحية والتي تنتج من الإسراف في الأكل أو الشرب، كما أن عدم الإسراف في الوضوء يمكن أن يكون ملازما للشخص طوال حياته إذا كان مؤمنا بفائدة ذلك، ومؤمنا بأن هذا هو هدي الإسلام وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى ولو لم تكن الحنفيات الموجودة في المساجد أو البيوت أو أماكن العمل مصممة للتخفيف أو الحد من اندفاع الماء، فيمكن أن يخفف من فتحها قليلا وإغلاقها مع الانتقال من غسل عضو إلى غسل عضو آخر.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم في ذلك أروع الأمثلة، فعن سَفِينةَ رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُغَسِّلُه الصَّاع مِنَ الْمَاءِ مِنَ الْجَنَابَة، وَيُوَضِّئُه الْمُدُّ. رواه مسلم.
معنى الاسراف في الوضوء و الغسل
المقصود بالإسراف في الوضوء و الغسل هو إستهلاك الماء زائداً عن المقدار الذي ترتفع به الحاجة و يتم به الوضوء أو الغُسل حتى و لو كان الماء متوفراً و غير عزيزاً، ذلك لأن الإسراف ثقافة خاطئة لا مبرر لها و لا بُدَّ من تصحيحها في شتى جوانب الحياة الفردية و الاجتماعية حتى في الوضوء و الغسل التي هما من مقدمات العبادات.
فعن النّبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه مرّ بسعد و هو يتوضّأ، فقال: "ما هذا السّرف يا سعد"؟!
قال: أ في الوضوء سرف؟!
قال: "نعم، و ان كنت على نهر جار
اجتماع الاسراف و التبذير
و قد يجتمع الاسراف و التبذير حين الوضوء و الغسل فيرتكب الإنسان ذنبين، كأن يترك الماء يجري و يذهب هدراً و هو مشتغل بالوضوء أو الغُسل.
الفرق بين الاسراف و التبذير
الفرق بين التبذير و الاسراف هو أن الاسراف يُطلق على تجاوز الحد في الانفاق و الصرف، ذلك لأن الحد المسموح به في الصرف و الانفاق هو ما ترتفع به الحاجة، فيكون الزائد إسرافاً، و أما التبذير فهو الصرف في غير الوجهة الصحيحة.
ضرورة الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية
نعم لا بُدَّ من الالتزام بتعالم الشريعة الإسلامية بصورة عامة و في تجنب الاسراف و التبذير في استهلاك الماء في الوضوء و الغسل بصورة خاصة، ذلك لأنه لا يطاع الله من حيث يُعصى.
قصة ابن السماك مع هارون الرشيد
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [النمل:60] وقصة الماء يعيشها الإنسان في كل لحظة يشربه، ويغتسل به، ويرى الكائنات تترعرع على الماء، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] ويرى الفلك يبنى على الماء؟ ويرى الأرواح تسبح على الماء، فمن الذي أنزل الماء؟
من الذي جعله سائغاً للشاربين فلم يجعله مالحاً، ولا غائراً، ولا متكدراً؟
ذلكم الله ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.
دخل ابن السماك على هارون الرشيد وهارون يحكم ثلاثة أرباع الدنيا، فاستدعى هارون ماءً في كوز ليشرب، قال ابن السماك - الواعظ-: أسألك بالله ألاَّ تشرب حتى أسألك، قال: سل، قال: بالله لو منعوك هذه الشربة، أكنت مفتديها بنصف ملكك؟
قال: إي والله -وإلا فماذا يفيد الإنسان أن يموت وملكه وراءه- فشرب، قال: أسألك بالله لو مُنعْتَ إخراج هذه الشربة، أتخرجها بنصف ملكك؟
قال: إي والله، قال: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء وإخراجها.
يوقف الله العبد أمام الماء الذي يشربه، ليدرس مع الماء من هو الخالق؟ ومن هو الرازق؟ ومن هو الواهب؟.
القران الكريم والحفاظ على الماء من التلوث:
كما حث الخالق - عز وجل - على الحفاظ على البيئة المائية وحمايتها من التلوث وكل ما يغير من طبيعتها وصلاحيتها للاستخدام المعدة له أصلاً حتى يظل الماء نقياً نظيفاً كما أنزله الخالق - عز وجل- تستلذ به الحواس وتستمتع به النفوس خالياً من كل ما يؤذي أو يضر بالإنسان أو الحيوان أو النبات، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْـمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْناهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾
مقاومة الإسراف في استخدام الماء:
لقد أباح الخالق - عز وجل- لعباده التمتع بالطبيات أكلاً وشرباً ولبساً وتزيناً، ولكنه لم يدع الأمر بغير قيود وضوابط بل قيد الإباحة بعد الإسراف، قال تعالى: ﴿يابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف:31)
الخطبة الثانية
السنة النبوية وحماية الماء:
وإذا انتقلنا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد أنها تدعو دعوة صريحة إلى المحافظة على البيئة المائية وعدم التعدي عليها وأن ذلك جاء على عدة أوجه هي:
1- أن الماء ليس ملكاً لأحد بل هو منة وعطية للخالق - عز وجل- للناس جميعاً فيقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صراحة في حديثه الصحيح «إن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» (سنن ابن ماجه). وموجب هذه المشاركة ألا يتعدى إنسان على حق الآخرين في استعمال الماء سواءٌ في كمه أو كيفه.
2- كما نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تلويث الماء الراكد أو الاغتسال فيه، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد» (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لايجري ثم يغتسل فيه» (متفق عليه). فهذا النهي والتحذير النبوي بهدف المحافظة على نقاء الماء، كما رتب النبي صلى الله عليه وسلم اللعن على من يلوث الموارد المائية، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل» (المستدرك للحاكم). «والمراد» أن هذه الأفعال تجلب اللعن؛ لأن أصحابها يلعنون على فعلهم القبيح؛ لأنهم أفسدوا على الناس منفعتهم، فكان ظلماً والظالم ملعون» كما أثبتت الأبحاث العلمية أنه «ينتج عن التبول المباشر والتبرز المباشر أو إلقاء مخلفات المجارى في المصادر المائية وصول العديد من الطفيليات والميكروبات التي تضر بصحة الإنسان منها: البلهارسيا، والدودة الكبدية و الإنكلستوما»
3- عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول «أنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» (رواه أحمد في مسنده) «والاعتداء في الطهور أي الطهارة تجاوز الحد المعقول في استعمال الماء والخروج من حد الاعتدال إلى حد الإسراف» وإمعاناً في هذا التحذير نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى ترشيد استخدام الماء في الأمور التي يتكرر فعلها كالضوء والغسل)
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد عن هذا فقد أساء وتعدى وظلم» (رواه أحمد في مسنده)
أخيراً
وفي النهاية نقول: فإذا كان الماء نعمةً عظيمةً من الله فكيف نجحد به ولا نصونه ونحافظ عليه، ثم لماذا يعبث الإنسان بالتوازن الكمي للماء فيسرف في استخدامه، ولماذا يعبث بتوازنه النوعي فيلوثه بالمواد الضارة محولاً النعمة إلى نقمة، ألا يعلم الإنسان أنه مُحاسَب يوم القيامة على نعم الله «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَؤْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيْمِ» (التكاثر:8).
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق