Our Blog

كيف يهلك العبد بأعمال البر


يقال إنها أعمال من البر كانوا يرون انها منجيتهم فكانت هي مهلكتهم لما مازجها من الرياء وحب المحمدة من المخلوقين واتخاذ المنازل بالطاعات وإقامة الجاه وحب القدر والميل الى ثواب المخلوقين

فلما وردوا على الله عز وجل وجدوه قد أحبط أعمالهم وهم لا يشعرون لأنهم كانوا قد تعجلوا ثواب اعمالهم من المخلوقين في الدنيا فافتضحوا وفضيحة ما هناك باقية ولم يجدوا من ثواب اعمالهم إلا كما وجد صاحب السراب وصاحب الرماد

فليس اسم الأعمال يراد ولا تزيين ظاهرها ولكن تقوى الله وما يقرب اليه زلفى فليت بين العبد وبين كل عمل يباعد من تقوى الله ومن الله بعد المشرقين قال العدو الخبيث ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فلو لم يكن في الكتاب من صفات إبليس إلا هذا قد كان ينبغي للناس أن يحذروه ولو نظرت في اكثر الناس لوجدت أن أكثرهم إنما يؤتى من قبل البر وقلة العناية بتصفية الاعمال وما قد استحلت النفس من حب المحمدة من المخلوقينوقد يؤتى قوم كثير من قبل الآثام إلا أن علامة الفتنة في الناس جميعا مختلفة وأكثر الناس إنما يعرفون من قد فتن بالآثام ولا يعرفون من فتن بالبر إلا القليل من الناس من أهل النور والفطن والفراسة والتوسم والكياسة وذلك ان الذي يعمل بأعمال البر وهو يحب فتنتها أكثر من الذي يخاف فتنتها والذي يجهل فتنتها اكثر من الذي يعلم فتنتها ومن الناس من يعلم فتن الاعمال ومبطلاتها ثم يغلبه الهوى ومنهم من يعلم وتقل عنايته فيغفل واعلم ان الذي يعمل وقد علم الافات التي تفسد الاعمال ومعه العناية بنفسه وعمله ومعه التيقظ وإزالة الغفلة وهو مع ذلك مشفق خائف من الافات ما يكاد يسلم إلا من عصم الله تعالى فكيف الذي يجهل ويغفل ويغلبه الهوى ويحب دخول الافة

شمول الفتنة وخطرها


وقد طلبت الدنيا في زماننا خاصة بكل جهة بالبر والاثم جميعا افتتانا فاحذر فتنة البر والاثم جميعا لئلا ينزل بك ما نزل بغيرك في الترك والطلب

فلتكن همتك في النظر في مرآة الفكر كالهمة بالعمل وأكثر من ذلك فإنه ليس شهوات الذنوب والسيئات وشهوات المطاعم والمشارب والملابس والبناء والمراكب والمناكح والذهب والفضة بأغلب على اصحابها من شهوات الجاه وحب الرئاسة وإقامة القدر واتخاذ المنزلة وقبول الامر والنهي وقضاء الحوائج وحب العدالة عند الجيران والاصحاب والاخوان والمدحة على اصحاب البر في حسناتهم وقد تجد الرجل يغلب شهوة الذنب فيترك الذنوب ويصير الى اعمال البر فيضعف عند تصفيتها وتغلبه شهوة ما فيها فيعمل حسنات كثيرة بقوة واقتدار عليها وظمأ شديد وسهر فلا يقدر على ان يغلب شهوته على تصفيتها فإنا لله وإنا إليه راجعون مما قد نزل بنا وما اعظم خطرنا وما أغفلنا عن عظيم الخطر

أحذر خداع الشيطان وهوى نفسك

ثم اعلم أني لست أزهدك في طلب اعمال البر لأن كل عمل لا تعمله اليوم لا تجد ثوابه غدا ولكني احذرك خداع الشيطان وهوى نفسك الأمارة بالسوء وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وقد

قال تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }

وقال { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }

وقال { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وقال }

{ وكذلك سولت لي نفسي } وقال { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } وقال { بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل } وقال { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } وقال { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } وقال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } وقال { واتبع هواه وكان أمره فرطا } وقال { وكذبوا واتبعوا أهواءهم }
مع اشياء كثيرة في ذكر عداوة إبليس وذم النفس والهوى

كيف يعرف الانسان سلامته من الافات


قلت ارى من الناس أشياء يعاب مثلها واحب ان أسلم من التعبير والازدراء والعيب فلا أدرى اسلمت منه نفسي أم لا فقال إن الانسان عند معرفة عيب نفسه أبله وعند معرفة عيب غيره جهبيذ فيحتقر عيب اهل كل صناعة وأهل كل عمل من اعمال الدنيا والاخرة ويحتقر عيب من هو في مثل مرتبته ويستعظم ذلك من كل من رآه منه فإذا اتى على عيب نفسه جازه الى عيوبهم كأنه أعمى عنه لم يره وهو يطلب العذر لنفسه ولا يطلبه لغيره فهو في طلب عذرها جهبيذ وفي طلب عذر غيرها ابله وهو يضمر عند ذلك لصاحبه ما يكره أن يضمر له غيره لو رأى منه مثل ذلك العيب

فإذا رأيت عيبا أو زلة أو عثرة من غيرك فاجعل نفسك مكانه ثم انظر الذي كنت تحب ان يستقبلك به لو رأى منك مثل الذي رأيت منه وأضمر ذلك له في نفسك فإنه يحب منك مثل ما كنت تحبه منه وهكذا إذا رأيت ما يستحسن فأردت ان تعرف علم السلامة من الحسد له وبالحري أن يكون أخف الناس عليك عند الزلة من يطلب لزلتك عذرا ومخرجا فإذا لم يجد للعذر موضعا ساءه ذلك وأخفى مكانه وعند حسنتك يسر فإن لم يسر لم تسؤه  فهكذا فكن لهم عند الزلة وعند الحسنة فإذا كنت كذلك فلا تحب إزالة نعمة أنعمها الله على أحد في دين ولا في دنيا ولا تحب أن يقيم أحد على معصية الله تعالى ولا تحب ان يهلك ستره عند زلته فإنك إذا فعلت ذلك بقلبك زال عن قلبك الحسد عن الدين والدنيا جميعا
ومتى غلبت عليك المسابقة الى ضميرك بسوء المحضر فلا تغلبن على مشاهدته بحسن المراجعة من جميع أمورك

علم السلامة بالمراجعة والتفتيش


وأعلم أنك مسبوق الى ضميرك بالحسد وسوء الظن والحقد فاجعل المراجعة شغلا لازما وكن وقافا كما قال الاول المؤمن وقاف وليس كحاطب ليل فقف وطالع زوايا ضميرك بعين حديدة النظر نافذه البصر فإذا رأيت أمرا محمودا فاحمد الله وامض وإذا رأيت مكروها داركته بحسن المراجعة واستقصيت فيه فإن الذي دخل بيتك ولم يستأذنك سوف يختبئ فيه وإن كان مظلما فأنت لا تشعر إلا أن يكون معك سراج من العلم مضئ واضح ويكون معك من العناية بأخذه والإنكار لما دخل فيه ما لا صبر له عليه ولا طاقة له به

ولو قد جربت لعرفت ان الذي أقول لك كما أقول
يدخل داخل منزلك بغير إذنك وهو داخل لا يؤمن أن يخرب المدخول عليه فإن رأى الداخل منك توانيا وتهاونا كان هو المقيم بالمنزل المدبر له فاستولى على حر بيتك وعلى حرمتك وإن رأى منك إنكارا فيه ضعف اختفى لك ليمس سهوتك وغفلتك فإذا وجد فرصة خرب عليك ما كنت اصلحت وهدم ما بنيت فافهم إن كنت تفهم واقبل النصح من الناصحين إن كنت تقبل
فلو رحلت فيما اخذت المطايا فبلغت حيث تبلغ من البعد وأنفقت في سبيل ذلك حر بيتك كان الذي أخذت اكثر من الذي انفقت وتعبت فإنك تجد الخير الكثير في ميزانك يوم القيامة بصدق المراجعة ومبادرتها قبل أن تبرد عنك حلاوتها فإنها موهبة عظيمة من مواهب الله تعالى اكرم بها اهل خاصته وعظم النعمة عليهم فيها فإن عظم النعمة على قدر الحاجة  ...فانظر هل راجعت نفسك وامرك الا وقد وجدت فيه موضع مرمة ومصلحة او وجدت مفسودا بعينه فلو لم تلحقه بالمراجعة لكان ذاهبا الى يوم القيامة

المراجعة اساس السلوك الصحيح


واعلم اني انما اكثر عليك وعلى نفسي من ذكر المراجعة لما قد استبان لي من الاضطرار والحاجة اليها فلو قد تعلقت بشيء من الخير فيها يكون ونسبتها والا فلا وما تركك لها الا كالمستأنس لعدوه والمسلم نفسه اليه فهلكت وانت لا تشعر

وان كنت متهاونا بما اقول لك فإن اكثر حاجتك اليها في صلاة الفريضة ثم بعدها وهلم جرا في جميع امورك

ولو كنت ممن يتفقد امره لعلمت ماذا دخل عليك من الندامة والحسرة حيث فارقتك المراجعة في صلاة الفريضة فلم تدر ماذا قرأ امامك ولم تدر أفي فرض كنت ام في نافلة في صلاة كنت ام في غيرها وانت في رأي العين ممن يناجي ربه


قد اصغيت بأذنيك الى امامك وتخشعت بوقوفك وفرغت قلبك لاستماع ما يقرا امامك من كلام ربك في صلاة فريضتك التي ليس شيء اوجب عليك منها فرجعت منها وقد ظهر منك ما وصفنا وانت كمن لم يشهدها لقلة ضبطك بالمراجعة لنفسك فيها
ولعل الذي حضرت منها بقلبك او عقلته فلم تسه عنه لو قيل لك اتحب ان يكون ذلك منك كما كنت ساهيا ولك مائة الف دينار لقلت لا
فاعتن الآن بتعاهد هذه المراجعة على قدر ما عرفت من حاجتك اليها فإنما لك من عمرك تيقظك وتيقظك مراجعة ما فيه منفعك وقربتك والمصير اليه بالعقل وما سوى ذلك غفلة وسهو يؤديان الى شهوة فيها غليان قلبك وفي ذلك موافقة نفسك الامارة بالسوء والهوى المضل عن سبيل الله العادل بأهله عن طريق محبته وفي ذلك توثب العدو الخبيث الذي لا يألوك خبالا الذي يجري منك مجرى الدم الذي يراك هو وقبيله من حيث لا تراهم
قال مالك بن دينار قلوب الابرار تغلي بأعمال البر وقلوب الفجار تغلي بأعمال الفجور فتعاهد أمرك بالمراجعة فإن دأبت مكروها أصلحته وتحولت عنه وإن رأيت غير ذلك حمدت الله وكانت عنايتك بذلك زيادة لك أو قربة
وإذا رأيت لك عناية بالمراجعة فاعلم أنها نعمة وقربة من أعظم نعم الله واحق من أحسنت صحبته نعم الله التي مفتاح خزائنها رحمه الله فالتمس الزيادة منها بالشكر عليها وأحق من أسأت صحبته نفسك الامارة بالسوء والاساءة اليها مخالفتها فإن في مخالفتها موافقة مرضاة الله

التهاون في اليسير يوقع في الكبير


قلت فمن أهل الارادة  من لم يتخط عيبا ولا عورة الى نافلة فما حفظ اللسان الصمت فما الاحتياط في التحفظ عند الكلام  قال ترك ذكر عيب من غيرك ترجو على ذكره إذا ذكر به الثواب لكيلا يخرجك ذلك الى ذكر عيب من غيرك تخاف على ذكره العقاب وخذ نفسك بهذا الباب اشد الاخذ واحمل عليه من الناس من استرشدك وأراد مثل الذي تريد فإن العبد إنما يؤتى من قبل التهاون باليسير وهو الذي يوقع في الاثم الكبير والتهاون باليسير هو الاساس الذي يبنى عليه الكثير فيكون أوله كان تحفظا ثم صار انبساطا ثم صار من الانبساط الى ذكر اليسير ثم صار من اليسير الى ما هو اكثر منه فلا تشعر حتى ترى نفسك حيث كنت تكره ان ترى فيه غيرك ففي ترك اليسير ترك اليسير والكثير وأقوى الناس على ذلك واصدقهم عزما هو الذي إذا عزم امضى عزمه ولم يلو وأضعف الناس في ذلك أضعفهم عزما وهو الذي يعزم ثم يحل عزمه ولا يكاد يمضي عزما
فهذا الذي يتلاعب به الشيطان والهوى والنفس ليس له عندهم قدر لكثرة معرفتهم يتناقص عزمه وقلة استعماله وأولو العزم من الناس افاضل الخلق من كل طبقة

القريب من التوبة والبعيد منها

صدق الندم وعلامته

قلت فمن أرجا الناس لقبول التوبة منهم قال اشدهم خوفا وأصدقهم ندامة على ما كان منه وما شاهده الله واطلع عليه من الله وخطله وطول غفلته ودوام إعراضه وأحسنهم تحفظا فيما يستقبل وإن استووا في ذلك فاشدهم اجتهادا في العمل لأن علامة صدق الندم على ما مضى من الذنوب شدة التحفظ فيما بقي من العمر ومواثبة الطاعة بالجد والاجتهاد واستقلال كثير الطاعة واستكثار قليل النعمة مع رقة القلب وصفائه وطهارته ودوام الحزن فيه وكثرة البكاء والتفويض الى الله تعالى في جميع الامور والتبري إليه من الحول والقوة ثم الصبر بعد ذلك على أحكام الله عز وجل والرضا عنه في جميعها والتسليم لاموره كلها

الخطأ في طريق التوبة ونتائجه


وقال لي قد علمت من أين غلطت أحسنت الظن بنفسك فتاقت الى درجات المحسنين بخلاف سيرتهم من غير إنكار منك عليها لمساويء أعمالا ولا دفع لما ادعته من اعمال الصادقين

وأسأت الظن بغيرك فانزلتهم في درجة المسيئين إغفالا منك لشأنك وتفرغت للنظر في عيوب غيرك

فلما كان ذلك منك كذلك عوقبت بأن غارت عيون الرأفة والرحمة من قلبك وانفجرت إليه أنهار الغلظة والقسوة فأحببت أن تنظر الى الناس بالإزراء عليهم والاحتقار لهم وقلة الرحمة وأردت أن ينظروا اليك بالتعظيم والمهابة والرحمة فمن وافقك منهم على ذلك نال منك قربا ومحبة ونلت أنت من الله تعالى بعدا وسخطا ومن خالفك فيه ازداد منك بعدا وبغضا وازددت انت من الله بعدا وسخطا

وأطلت في ذلك كله أملك فطاب لك المسير في طريق التسويف ومدارج الحيرات فاشتدت رغبة نفسك واستمكن الحرص من قلبك فعظمت لذلك في الدنيا رغبتك وشحت فجمحت الى شهواتها واحتوشت قلبك لذاتها فحال ذلك بينك وبين ان تجد حلاوة سلوك طريق الاخرة


فقلبك حيران على سبيل حيرة قد اشتبهت عليك سبل النجاة وشقق حجاب الذنوب فأنست لقربها وطاب لك شم ريحها فوصلت بذلك الى محض المعصية فادعيت ما ليس لك وتناولت ما يبعد مرامه من مثلك
ثم أخرجك ذلك الى ان تكلمت لغير الله ونظرت الى ما ليس لك وعملت لغير الله فكنت مخدوعا مسبوعا عند حسن ظنك بنفسك وانت لا تشعر ومستدرجاص من حيث لا تعلم فكان ميراث عملك الخبث والجريرة والغش والخديعة والخيانة والمداهنة والمكروه وترك النصيحة وانت في ذلك كله مظهر لمباينة ذلك
فمن كانت هذه سيرته فلا ينكر ان يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب
فلو كان لك يا مسكين أدنى تخوف لبكيت على نفسك بكاء الثكلى المحبة لمن أثكلت ونحت عليها نياحة الموتى حين غشيك شؤم الذنوب
ولو بكى عليك أهل السموات واهل الارض لكنت مستوجبا لذلك لعظم مصيبتك
ولو عزاك عليها جميع الخلق تعزية المحروب المسلوب لكنت مستحقا لذلك لأنك قد حرمت دينك وسلبت معرفتك بشؤم الذنوب فركبك  ذل المعصية وأثبت اسمك في ديوان العاصين واستوحش منك أهل التقوى إلا من كان في مثالك فاخذ الذين أرادوا الله وحده في طريق المحبة له وسلكوا سبيل النجاة إليه وأخذت في غير طريقهم فملت حين خالفت طريقهم الى غيره فبقيت متحيرا وعن وجع الاصابة متبلدا
ويمثل هذه الاسباب التي اشتملت عليها طريقتك يستدل على خسران القيامة وبالله نعوذ واياه نسأل عفوا وتقريبا مع المحسنين انه لطيف خبير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.