Our Blog

صلاه الفجر تنادينا

أيها المسلمون / أود أن أستهل مقدمة هذا الخطبة بتلك القصة المؤثرة التي تحرك مشاعر كل من كان له قلب حي، وهي قصة واقعية تحدث كل يوم في كل بلد بلا استثناء؛ لكن للأسف الشديد مع رقتها لا ينشغل بمضمونها إلا القليل، وهي باختصار لخمس أخوات جعل الله عزوجل بينهن وداً وحباً، لكنه اختص إحدى هذه الأخوات برزق وفير، فعندها أكثر مما عند أخواتها من الرزق والبركة، وبالرغم من كثرة ما عندها إلا أن أخواتها أكثر قبولا عند الناس منها، فهم يأتون أخواتها للزيارة دائماً بكل نشاط وقوة وحب يشترك في ذلك الصغير والكبير والرجل والمرأة، ولا يأتون الأخت الخامسة إلا قلة وبكل كسل إلا من رحم الله، وغالباً ما يكونوا ممن كبروا  سناً، وهذا يحزنها فهي صاحبة الخير الوفير، فتتعجب قائلة:إن عطائي للناس أكثر من عطاء أخوات لهم، ورغم ذلك هم أكثر قبولاً عند الناس مني، فهي تنادي قائلة، لماذا هجرني الناس؟ ولماذا زهدوا فيما عندي؟ فأنا وأخواتي أبناء أم واحدة، غير أني فضلت عليهن بمزيد خير وبركة، ومع ذلك هجروني! أتدري من هن هؤلاء الخمس؟ أنهن الصلوات! أتدري من هي الأخت الخامسة؟ إنها صلاة الفجر.
( صلاة الفجر تنادينا )
هذا هو موضوعنا مع حضراتكم اليوم إن شاء الله عزوجل نتكلم فيه عن أهم صفة من صفات المنافقين ألا وهي ثقل صلاة الفجر عليهم، ونحن لا نقول بأنهم يتركونها بالكلية بل فقط ثقيلة عليهم، ولأهمية هذا الموضوع حصرته في النقاط التالية /
أولاً: صلاة الفجر تنادينا.    ثانياً: فضل صلاة الفجر.    ثالثاً: عقوبة من تكاسل عن صلاة الفجر.  رابعاً: أسباب تعين على القيام لصلاة الفجر. فأعيروني القلوب والأسماع والأبصار فإن الموضوع خطير.
أولاً: صلاة الفجر تنادينا. نعم أيها المسلمون إنها تنادينا بحنين صوتها، ورقة وقتها، وجمال زوارها، وبركة رزقها، تنادينا بكثرة عطائها، تنادينا لنستجيب دعائها، لأنها تريد لنا الخير كل الخير، فهي حريصة على وصول الخير إلينا، ولأجل هذا هي تنادي كل واحد باسمه وبوصفه، يامسلم ياعبد الله ( الصلاة خير من النوم ) يامسلم احرص على خيري، فأنا أغنى الصلوات، بتكريمى من رب الأرض والسماوات، فكم أجور ضيعتها يوم نمت عن صلاة الفجر، وكم حسنات فرطت فيها يوم سهوت عن صلاة الفجر أو أخرتها، وكم من كنوز فقدتها  يوم تكاسلت عن صلاة الفجر .صلاة الفجر تنادينا هيا إلي صفوف المتقين الأوابين، فأنا الصلاة الوحيدة التي خلت المساجد في وقتي من المنافقين، إذ أنه لا يحرص على صلاة الفجر منافق، صلاة الفجر تنادينا هيا يامسلم قاوم لذة نوم ينتهي إلى نعيم لا ينتهي في جنة عرضها السموات والأرض، صلاة الفجر تنادينا وتأنبنا بأن لا نصرة لإسلامنا إلا بعدما تعود ساحات مساجدنا في صلاة الفجر كساحتها في صلاة الجمعة، صلاة الفجر تنادي قائلة يامسلمون لقد اعددتم العدة لدنياكم، وأخذتم أهبتكم كاملة لتسعدوا بها، حتى إذا ما جاء وقت صلاة فريضتي كانت بيوتكم مأواكم، آثرتم النوم عليَّ، وخذلتموني أمام بقية أخواتي، فما هذا الظن السئ منكم لي! هل تعرفتم على عطائي لكم؟ هل عرفتم كم أنا أحبكم؟ هل فكرتم في حجم ودي لكم؟ الجواب أكثرنا لا يعرف. إذاً تعالوا بنا أيها الأحبة لنأخذ جولة سريعة في التعرف على ثواب من صل الفجر في جماعة، وهذا يجرنا للتعرف على العنصر الثاني وهو ( فضل صلاة الفجر ).
أيها الكرام / إن صلاة الفجر من أميز الصلوات ثواباً نظراً لأنها تحتاج إلى مقاومة حقيقية، تحتاج إلى مقاومة النوم، ومقاومة البرد، ومقاومة السهر، ومقاومة الدفء، ومقاومة الشهوات، وإن عظم الجزاء على قدر عظم المشقة كما أخبر رسول الله ولأجل هذا نجد أن رب والسماوات قد خصها بمزيد منح وعطاءات، من ذلك نجد مدح الله عزوجل لقرآنها ولم يمدح صلاة أخرى بهذا المدح فقال تعالى: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً )، والمقصود بهذا القرآن هو قرآن الصلاة لا القرآن الذي يتلى قبيل الفجر، فإن هذا محدث لا أصل له عند أهل الإسلام، ومن فضائلها شهود ملائكة الليل وملائكة النهار لها. قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً )، وروى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" وهذه أولى الفضائل والميزات.
ثانياً: دخول المسلم الذي اعتاد صلاة الفجر في ذمة الله عزوجل، روى مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبدالله: أن رسول الله قال: "من صلى الصبح، ( وفي رواية أخرى في جماعة ) فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم، ومعنى قوله: "فهو في ذمة الله" بكسر الذال عهده أو أمانه أو ضمانه فلا تتعرضوا له بالأذى فهو في كلاءة الله وحفظه، فاحذر يا ابن آدم من التعرض لمن هو كذلك، ومعنى الحديث، لا تتعرضوا لمن صلى الصبح في جماعة بالأذى فهو في حفظ الله وضمانه، فإن من تعرض له فإن الله _تعالى_ سيأخذ حقه منه في إخفار ذمته ونقض عهده فهو إخبار عن إيقاع الجزاء لا عن وقوع الحفظ من الأذى، لذا جاء في رواية الترمذي"من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفروا الله في ذمته"، أي لا تنقضوا عهده بإيذاء من صلى الصبح في جماعة فإن من يخفر الله في ذمته فإنه سينتقم منه؛            وإذا العناية  لاحظتك عيونها     نم   فالمخاوف   كلهن  أمان
فاستمسك بحبل الله معتصماً      فإنه الركن إن خانتك أركان
ثالثاً: الحصول على النور التام، فمن أهم من يميز أصحاب الفجر يوم القيامة أنهم اختصوا بمزيد من النور قال تعالى: ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم )، من أين جاءهم هذا النور وما سبب ذلك؟ إنها المواظبة على صلاة الفجر في الظلمات، فقد روى الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال: بشر المشائين في الظلم إلي المساجد بالنور التام يوم القيامة، والنور على قدر الظلمة فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعّم ضياءه يوم القيامة. ومما هو معلوم أن النور في الآخرة سيقسم على قدر الأعمال، فمن حسن عمله زاد نوره، وروى الحاكم وحسنه من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: فيعطون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يغطي نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يغطي فوق ذلك، ومنهم من يغطي نوره مثل النخلة حتى يكون آخر من يغطي نوره على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة.
رابعاً: البراءة من النفاق، فقد بين رسول الله أن أثقل الصلوات على المنافقين الفجر والعشاء، فدل مفهوم الحديث أن من واظب عليهما في جماعة فقد برء من النفاق وأمن شره، فقد روي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق برجال معهم حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ناراً.
خامساً: البشارة بالجنة: فقد روى مسلم من حديث أبي موسى ان رسول الله قال: من صلى البردين دخل الجنة، الفجر والعصر.، وروى مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة أن رسول الله قال: لن يلج أحد النار صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
سادساً: صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام ليلة بأكملها. فقد روى مسلم من حديث عثمان بن عفان أن رسول الله قال: من صلى العشاء في جماعة فكانما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله.
سابعاً: الفوز والسعادة برؤية الله عزوجل في الآخرة وهي الغاية التي يسعى للحصول عليها الربانيون، فقد روى مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال كنا رسول الله فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رأيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا ثم قرأ: ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ).
ثامناً: إن من أعظم ما يدل على ثواب صلاة الفجر هذا الحديث الفذ الذي يرويه لنا البخاري من حديث عائشة أن رسول الله قال: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. والمقصود بهاتين الركعتين هما السنة كما أجمع على ذلك علماء المسلمين، فإذا كان ثواب السنة هكذا فما بالك بثواب الفجر. لا شك أن الأمر يختلف.
تاسعًا: الحصول على بركة البكور.
ياقومنا هذي الفوائد جمة      فتخيروا قبل الندامة وانتبهوا
فإذا لم يحافظ المسلم على هذا الثواب، فعليه أن يعلم يقيناً بأنه حتماً سيناله عقاب شديد وخذلان أكيد إذا مات من غير توبة، وهذا يجرنا للتعرف على العنصر الثالث ألا وهو ( عقوبة من تكاسل عن صلاة الفجر )/
أولاً: من عقوبة ترك صلاة الفجر تلاعب الشيطان به وهذا من أخطر ما يذكر حيث صيره الشيطان هزأة، فقد روى البخاري من حديث ابن مسعود أنه قال: ذكر لرسول الله رجل نام ليله حتى أصبح، فقال: ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه أو أذنه.
ثانياً: من عقوبة ترك صلاة الفجر أيضاً الاتصاف بالنفاق وهذا من أبشع ما يذكر للحديث الذي ذكرناه أولًا. فكل من لم يحافظ على صلاة الفجر فليعلم بأن النفاق قد تسرب إلى قلبه، وهذا النفاق صفة المتكاسلين عن الصلاة، قال تعالى: ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ). ولقد كان ترك صلاة الفجر في زمان الصحابة جريمة نكراء، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود أن قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق، ولقد كان الرجل يؤتى به يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وروى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر قال: كنا إذا فقدنا الإنسان في العشاء وفي الفجر أسأنا به الظن. ومما هو معلوم بالضرورة بنص القران أن تارك الصلاة يعرض نفسه لنار جهنم يوم القيامة قال تعالى: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ).
ثالثا: ومن العقوبة كذلك شج الرأس بالأحجار يوم القيامة، فقد روي البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله رأى في منامه رجلاً يثلغ رأسه بالحجر، فسأل عنه، فقيل: إنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن المكتوبة.
فهل ترضى لنفسك ياعبد الله هذا الذل وتلك الإهانة؟ أظنك أعقل من هذا.
رابعاً واخيرًاً: الوسائل التي تعين على صلاة الفجر / اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني الله وإياك ممن يتقيه حق تقاته بأن الصراع بينك وبين الشيطان مستمر ولن ينتهي إلا بخروج روحك فقط، ولأجل هذا نجد أن الشيطان قعد للمسلم في كل طريق الخير، ولم تسلم صلاة الفجر من شره وأذاه، فقد اخبرنا رسول الله أن الشيطان يضرب حصاراً معنويا ونفسياً على الإنسان حتى يفوت عليه صلاة الفجر لئلا يحصل على هذا الثواب، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ان رسول الله قال: يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.
ولذا لا بد أن يستعين العبد بالله ثم بالأسباب المتاحة للقيام لتلك الصلاة منها: النوم مبكراً إلا لضرورة يتأتى من وراءها نفع لك أو لغيرك، ولذا كان رسول الله ينهى عن السمر بعد العشاء، ومنها المحافظة على آداب النوم وأذكاره التي منها الوضوء وصلاة ركعتين إن أمكن والأذكار، والنوم على الشق الأيمن، ووضع الكف تحت الخد الأيمن، ثم الدعاء والتضرع لله أن يرزقك القيام، ومنها عدم الإكثار من الطعام لأن كثرته تزيد البدن ثقلاً، وتذهب بالخشوع والسكون، ومنها فعل الطاعة بالنهار فإن من زرع طيباً حصد طيبا، فالجزاء من جنس العمل، ( هل الجزاء الإحسان إلا الإحسان )، ومنها الابتعاد عن المعاصي وأشدها شرب الدخان والنظر إلى النساء لأنهما ذنبان متكرران غالباً. ومنها التامل والتدبر في عاقبة الصبر على تحمل كل هذه المشاق فالله يؤتي الصابرين أجرهم بغير حساب. وأخيراً الاتفاق مع من يوقظك للصلاة من أهل الخير والإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Designed by Templateism | MyBloggerLab | Published By Gooyaabi Templates copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.